لم يخطر للسيدة زهراء اليوسف، زوجة السيد محمد علي العابد أن المرأة يمكن أن تكتب التاريخ بالحبر وحده، بل بنقطة حليب أيضاً، فهي مع ١٣ سيدة أخرى ورجل واحد اختارت أن تنشئ جمعية خيرية أطلقت عليها اسم “جمعية نقطة حليب”، تيمناً بجمعية فرنسية كانت قائمة في ذلك الوقت، وهدفها هو توفير الرعاية للأطفال الرضع وذوي الاحتياجات الخاصة. السيدة زهراء كانت تملك مزارع وأراضي في ضواحي العاصمة السورية دمشق وتبرعت بحليب الأبقار للجمعية كما منحتها قطعة أرض. حدث ذلك في عام ١٩٢٢ إبّان الانتداب الفرنسي على سوريا، ومنذ ذلك الوقت تحولت نقطة حليب إلى نقطة تحول اجتماعي وسياسي في المجتمع السوري، كيف؟
كتاب “الإسلام السياسي في سوريا”، وقد صدر قبل أسابيع عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، يورد الواقعة التالية:
“انطلاقاً من مسيرة الاحتجاج ضد احتفال راقص كان سيقام، خرجت في دمشق مع نهاية شهر مايو ١٩٤٤ تظاهرات صاخبة، استمرت أياماً عدة، توقفت خلالها حركة المدينة، وأودت التظاهرات بحياة أربعة أشخاص، لقد استاءت الجمعيات الإسلامية من مسألة اشتراك نساء مسلمات في الحفل الذي نُظم بإشراف “جمعية نقطة الحليب” النسائية، التي أشرفت عليها نساء من الطبقة الراقية في دمشق، وعدّ تحدياً للقيم الإسلامية، وقد نُظر إلى هذا التاريخ على أنه بمنزلة التاريخ التدشيني لدور الجمعيات الإسلامية”.
مصادر تاريخية أخرى تصف ما حدث في تلك الأيام بأنه “موقعة الحجاب والسفور” وهي قد بدأت قبل ذلك التاريخ بعامين، حيث انقسم المجتمع السوري إلى فريقين: الأول يُهاجم النساء السافرات، والثاني يُعلن الحرب على الحجاب.
ورغم أن مواقع الحجاب مازالت مستمرة في طول العالم الإسلامي وعرضه، إلاّ أن تلك الوقائع باتت من التاريخ، غير أنها تفتح نافذة الحاضر لتطل علينا من دبي هذه المرة وبوجه مشرق، فقد قرأت قبل أيام خبراً على الإنترنت، نقلاً عن صحيفة سورية، عنوان الخبر هو: “جمعية نقطة حليب تحتفل بتخريج ٢٠ متطوعة”، وفي تفاصيل الخبر أن السيدة هالة بييلي الروماني، مغتربة سورية، وهي المديرة التنفيذية لمركز “المونتيسوري” في دبي والكويت قدمت دورة مجانية مدتها ٧ أشهر لحوالي ٢٠ متطوعة سورية حصلن بعدها على شهادة “المونتيسوري” من لندن، وهذه الشهادة تؤهل صاحبها للعناية بذوي الاحتياجات الخاصة تحت برنامج عنوانه: “علّمني كي أعلم نفسي”.
الجمعية يقترب عمرها من المائة عام وقد استقبلت في العام الماضي ٣٠ ألف طفل في مركزها بدمشق ومازالت المرأة المتطوعة فيها تكتب التاريخ على طريقتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق