آلاف الاشخاص تقاسموا أدوار البطولة في الاسبوع الماضي. ما يميزهم هو انهم كانوا مواطنين عاديين.
الأول رب اسرة نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية اعلاناً احتل صفحة كاملة قال فيها انه اب لثلاثة ابناء، اثنين منهما يقاتلان في العراق، وهو يفتخر بهما وبالجيش الأميركي ولكنه يتهم وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد.. بالخيانة لانه دفع بولديه إلى حرب ظالمة.
مواطن عادي يتصدى لوزير الدفاع ويتهمه بالخيانة علناً وليس في غرفة مغلقة، وبكلمات واضحة لا تحتمل أي تأويل أو تفسير سوى «ايها الوزير انت خائن».
البطل الثاني سفير متقاعد، وقف في وجه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وقال: «ايها الرئيس انت تكذب» وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. ايه» كانت قد كلفت السفير القيام بتحقيق عن محاولة النظام العراقي السابق شراء اليورانيوم من النيجر، السفير قام بالمهمة واكتشف ان لا صحة للرواية، مع ذلك فان الرئيس، وفي يناير الماضي ألقى كلمة أكد فيها ان النظام العراقي حاول شراء اليورانيوم من النيجر. السفير لم يصمت، ولكنه دفع الثمن، فأحد المسئولين في البيت الأبيض استدعى «6» صحافيين من واشنطن وكشف عن ان زوجة السفير السابق كانت «عميلة» لوكالة الاستخبارات الأميركية، وأنها هي من أوصى بتكليف زوجها بالمهمة، وان حديث الزوج هو انتقام من البيت الأبيض! وزارة العدل تقوم حالياً بالتحقيق لأن كشف اسماء عملاء الاستخبارات ممنوع قانونياً، ويدخل في باب الجرائم.
البطل الثالث ليس فرداً بل الالاف من المواطنين العاديين في بريطانيا من الذين انتسبوا إلى منظمات وجمعيات تناهض الحروب والتجارة بالسلاح. كانوا متطوعين يقومون بنشاطاتهم مجاناً ودفاعاً عن قناعات يؤمنون بها. احدى شركات الجاسوسية «نعم شركات، لأن التجسس في الغرب لا يقتصر على الدولة والقطاع العام» حصلت على 148 ألف اسم من هؤلاء الناشطين.
وتعاقدت مع شركة «بريتيش ايرو سبيس» المتخصصة في صنع الأسلحة، وقامت، وعلى مدى أربع سنوات على الأقل، بتزويد الجهاز الأمني في الشركة، بالمعلومات والاسماء عن هؤلاء الناشطين مقابل مبلغ 25,2 جنيه استرليني عن كل اسم.
المعلومات كانت شركة الجاسوسية تحصل عليها بعد ان اخترقت بحوالي 6 عملاء التنظيمات المناهضة للتجارة بالسلاح، وتمكن هؤلاء العملاء من الحصول على آلاف الحلقات، ولم يوفروا حتى حسابات البنوك والاوضاع المالية لكل من هؤلاء الناشطين، الأهم من ذلك ان شركة الجاسوسية كانت توفر لشركة السلاح الرسائل والوثائق التي يتبادلها هؤلاء المعادون للحروب مع النواب والوزراء والجهات الرسمية.
شركة السلاح كما تقول صحيفة «صن داي تايمز» البريطانية كانت تدفع مبلغ 120 ألف جنيه استرليني سنوياً لشركة الجاسوسية مقابل هذه الخدمة! اذن فإن أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في بريطانيا، والمصدر الرئيسي للسلاح إلى الخارج، لم تكن تخاف من الحكومة أو مجلس العموم البريطاني قدر خوفها من جماعات مدنية نشطة من المتطوعين لمناهضة الحروب، فقامت بالتجسس عليهم لاحتوائهم أو لابتزازهم واسكاتهم وربما لشراء صمتهم.
رب العائلة الأميركي والسفير السابق وجماعات النفع العام كلهم مواطنون عاديون يشكلون المجتمع المدني في الغرب ويصنعون أو يساهمون في صنع الرأي العام وهنا مصدر قوتهم. وهم يعملون في ظل القانون ومن ضمن المؤسسات الشرعية القائمة، أي أنهم ليسوا انقلابيين أو ثوريين يريدون اطاحة النظام، وهؤلاء عندما يطرحون وجهات نظرهم يجدون سنداً لهم في منظمات المجتمع المدني، وهي منظمات أهلية وليست رسمية ولا حكومية.
هل في العالم العربي مجتمع مدني؟ بالتأكيد ان في مصر وحدها ما يزيد على (160) الف جمعية أهلية مشتهرة رسميا وتقوم على العمل التطوعي، وفي دول الخليج آلاف من جمعيات النفع العام ومع ذلك فان هذا المجتمع المدني يكاد يكون غائبا او مغيبا، والسبب يعود الى ان السلطة لا تمنح هذا المجتمع المدني الفرصة للتعبير عن رأيه وموقفه ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد فالمواطن ورغم انتشار وسائل التعبير وخاصة الانترنت والفاكس، ورغم ثورة الاتصالات والمواصلات التي حولت العالم الى قرية صغيرة تتواصل فيما بينها بجميع اللغات، هذا المواطن مازال يعتبر نفسه هامشيا وبدلا من ان يلجأ الى منظمات المجتمع المدني، فانه يلجأ الى العائلة او القبيلة او الطائفة او المنطقة للتعبير عن نفسه وطرح ارائه، وهذا الانتماء للعائلة والقبيلة والطائفة والمنطقة هو ما يقوض الاسس التي يقوم عليها المجتمع المدني، في تنوعه وتعدده، فتصبح الجرأة في نقد الرئيس او الوزير او الشركة الكبيرة مشروع انتحار(!).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق