الإثنين 1 نوفمبر 1993 17/5/1414هـ / العدد 420
يقول اليهودي الشرقي لليهودي الغربي: يا إلهي.. إنك بالتأكيد تحب العرب أكثر مما تحبني ويقول اليهودي المتدين للصهيوني العلماني: إن ثقافتك كلها مستوردة، وأنت تابع للغرب، وآخر ما يهمك هو أرض إسرائيل. ويقول اليهودي الغربي لليهودي في الدياسبورا - الشتات - أتمنى أن تتعرض لمذبحة كبيرة وأن تحاكم وأن تطارد، وعندئذ لن يكون أمامك إلا العودة لأرض إسرائيل لأنك لا تملك خيارا آخر. و.. هل أنصت مجنون، هل تصادق أن العرب يريدون بناء دولة في يهودا والسامرة؟! إنهم يريدون أن يأكلونا أحياء!. هذه شهادات يهودية عن مجتمع يقول عنه التاريخ إنه نال بطولة الأمم في التدمير الذاتي.. متى عجز عن تدمير الآخرين.
زفي: اسمع، أريدك أن تعلم، هذه الأرض تكاد تكون اليوم عربية، في عمقها واتساعها، العرب ينهضون باكرا ويعملون بجهد، أما اليهود فإنهم مازالوا أسرع من يغفو، لقد خاب أملي في اليهود.
- سارة: لا تكن قاسيا يا زفي، لدينا جيل من الشباب رائع، ولكن في زمن الحرب فقط، فإذا كان هناك سلام، أتمنى ألا تكتب هذا، إذا كان هناك سلام فإن العرب لا سمح الله سوف ينتهون منا بسرعة.
* زفي: اكتب أيضا، إن العرب في إسرائيل اليوم ينشئون جيلا جديدا، هو عكس ما كان سابقا، متعلم، هادئ وحتى مثالي، إن كثيرين منهم يعودون إلى أصول دينهم، يمضون اليوم كله وهم يحلمون بوطن، وحتى هناك البعض منهم يرغب في أن يضحي بنفسه من أجل ذلك الوطن، وماذا عنا نحن؟ لا بد أن خطأ قد وقع.. خطأ كبيرا.
زفي باشور مستوطن يهودي عمره 87 عاما، يقيم مع زوجته سارة في مستوطنة "زكرون ياكون" قرب تل أبيب، المستوطنة أنشئت عام 1883، كما تشير مقبرتها، وقد انتقلت أسرته من مدينة منسك في روسيا عام 1900 لتقيم في فلسطين.
المؤلف اليهودي "آموسي أوز" زار المستوطنة عام 1982 وتحاور مع زفي وسارة، ثم وضع الحوار في سياق كتاب يحمل عنوان "في أرض إسرائيل" وتمت ترجمته إلى 17 لغة، المؤلف "أوز" هو أحد مؤسسي حركة "السلام الآن" في إسرائيل، وفي كتابه الذي أثار فضيحة عند صدوره، يتجول فيما يسميه "أرض إسرائيل" ويتحاور مع نماذج مختلفة من اليهود ومن العرب، حول مسألة تؤرقه: ما هو مستقبل إسرائيل واليهود في إسرائيل وما هو موقفهم من الفلسطينيين العرب في الضفة الغربية وفي غزة؟ وآموسي أوز ليس محايدا في هذه المسألة، ويعبر عن موقعه مخاطبا المتطرفين الدينيين اليهود، كالتالي: "أنتم مقتنعون أن التخلي عن يهودا والسامرة سوف يهدد أمن وسلامة دولة إسرائيل، بينما أنا أعتقد تماما أن دمج هذه المناطق هو بالذات ما يهدد وجود دولة إسرائيل"، وهذا الموقف نفسه كان "أوز" أعلنه في عام 1967، بعد حرب الأيام الستة، حيث كتب: "الأرض لا يمكن استعبادها، وبالتالي لا وجود لشيء اسمه (تحرير الأرض) إن هناك أناسا مستعبدين والتحرير لا يصح إلا على الإنسان، نحن لم نحرر الخليل ورام الله والعريش ونحن لم نخلص سكانها، لقد غزوناهم، وسوف نحكمهم حتى يتحقق سلامنا، نحن محتلون".
السلام و.. غيوم الحرب
* ولكن ماذا لو سار عرفات على خطى السادات وطار إلى هنا، إلى القدس ليعرض السلام الاعتراف المتبادل؟
السؤال يطرحه "أوز" على رئيس تحرير صحيفة "الفجر" المقدسية زياد أبوزياد، فتأتي الإجابة:
- حسنا، وسوف يقع انقسام في الشارع العربي، بعضهم سوف يقول: ممتاز، هذا سوف يحرج الإسرائيليين، سوف يعزلهم، وآخرون سيتهمونه بالخيانة، ومع ذلك فإن غالبية السكان في المناطق المحتلة سوف يقبلون هذا بفرح، ولكن دعني الآن أعد السؤال عليك: ماذا سيحصل في إسرائيل لو أن عرفات جاء وعرض السلام والاعتراف المتبادل؟
ويقول أوز: ووجدت نفسي أستخدم عبارات زياد نفسها في الإجابة عن السؤال: "سوف يقع انقسام، سوف تحدث أزمة".
.. والأزمة في الشارع العربي كما في الشارع الإسرائيلي ما زالت في بداياتها، وغيوم الحروب الأهلية تتجمع في الأفق، تحملها رياح التاريخ إلى كل بيت، والأب مارسيل دوبيوس، راعي كنيسة القديس قزحيا في القدس يطلق البذرة "إن القدس هي مركز العالم، إنها قلب العالم، وما يحدث فيها هو حرب روحية سرية تؤثر على مصير العالم كله".
* حرب بين من: العرب واليهود، بين إسرائيل والكفار؟
- قبل كل شيء، إنها حرب بين اليهود أنفسهم.
ونبوءة الأب دوبيوس تحمل في إسرائيل مؤشراتها وعلاماتها "اسمع. العنف؟ من اخترع العنف؟ صدقني لو أن اليهود الشرقيين لم يأتوا إلى هنا فإن اليهود الغربيين "الأشكناز" كانوا سيتابعون مذابحهم بين بعضهم، تماما كما كانوا يفعلون قبل أن نصل.. إنكم تملكون نصف أرض إسرائيل، والنصف الثاني تريدون إعادته إلى العرب" يقولها يهودي من مراكش، ويضيف مدير عام مجلس المستوطنات اليهودية: "أريد أن أخبرك شيئا له نتائج بعيدة المدى، إذا كانت المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة سوف تشعل حربا جديدة مع العرب فإننا سنخوضها.. لأن البديل هو الهزيمة" وتقول هاربيت القادمة من نيويورك، زوجة اليهودي الذي جاء من اليمن: "كان علينا في أيام الحرب الستة وفي حرب يوم الغفران ألا نتوقف قبل أن نسحق العرب جميعا حتى يعلنوا الاستسلام الكامل، كان لا بد من تدمير عواصمهم كلها، إنها حرب دينية، حرب مقدسة، مقدسة عندهم وعندنا، حرب ضد الإسلام كله وحرب ضد الكفار".
أرض إسرائيل صدفة
مدير عام مجلس المستوطنات في الضفة المحتلة إسرائيل هاريل يوضح أبعاد المواجهة داخل المجتمع الإسرائيلي حول المستوطنات، فيقول: "هناك ما يفرق بين اليهودي والإسرائيلي، تلك هي المواجهة، اليهودي يريد أن يعيش وفقا للعهد القديم، أما الإسرائيلي فإنه عديم الاهتمام تقريبا، إنه يبدو أقرب إلى أن يكون تابعا لثقافة الغرب، وبالنسبة لكثير من هؤلاء الإسرائيليين فإن (أرض إسرائيل) ليست أكثر من (صدفة بيوغرافية)، إنهم يعيشون حياة لائقة هنا، ولكن إذا عرضت عليهم وظيفة أفضل في مكان آخر في الخارج فإنهم ببساطة سوف يحزمون حقائبهم ويرحلون. إن (أرض إسرائيل) لا تعني إلا القليل بالنسبة لهم، إن الصهاينة العمال أبناء الهجرة الثالثة أحضروا معهم ثقافة في معظمها مستوردة، وقد وصلنا اليوم معهم إلى نهاية الأيديولوجيا، ويبدو واضحا أنه من دون الإيمان بالقيم المطلقة فإن فراغا سيحصل وستملؤه القيم المادية، إن أية أيديولوجيا لا تحوي إيمانا بالمطلق هي أيديولوجيا سوف تنتهي إلى الفناء"
سأخبرك عن العار
إن اليهودي الشرقي المهاجر من اليمن والعراق ومصر والمغرب والمؤيد غالبا لتجمع "الليكود"، يجمع بين الأرض والعرض، ويلقي بحقده وغضبه في وجه اليهودي الغربي، وفي مستوطنة "بيت شمس" قرب القدس التي يقيم فيها يهود مغاربة ويمنيون يدور الحوار التالي: لماذا لا تسأل من الذي دفع بالمغاربة هنا إلى أن يتحولوا إلى قوادين ومجرمين وأن تتحول أمهاتهم إلى عاهرات؟ من الذي دفع أطفالهم للسخرية من آبائهم اليهود الشرقيين؟ سأخبرك عن العار، سأقول لك ما هو العار: لقد أعطونا منازل ولكنهم أوكلوا إلينا العمل القذر، لقد منحونا التعليم ولكنهم سلبوا منا احترام الذات، لماذا أحضروا والدي من المغرب إلى إسرائيل؟ سأقول لك لماذا؟ لم يكن لديكم عرب في ذلك الوقت، لذلك احتجتم إلى أمهاتنا وآبائنا ليغسلوا ثيابكم ويقوموا بخدمتكم، لقد أحضرتم أهلنا ليكونوا "عربكم".
ولا يغيب اليهودي اليمني عن الصورة "تبدو وكأنك ورثت هذه البلاد عن آبائك.. ماذا؟ هل جاءت دولة إسرائيل منحة من بابا التنوير وليس من التوراة، ليس من عرقنا، وليس من العمل الذي قصم ظهورنا، وليس من دمائنا، من بنى هذه البلاد؟ الأشكنازي أم السيفاردي؟ قبل مائة عام - كما قالوا في التلفزيون - جاء الناس "المتنورون" من روسيا، وأول ما قام به أعضاء حزب العمل هؤلاء هو أنهم أحضروا "كومة" من اليمنيين من اليمن ليقوموا بتنفيذ أعمالهم القذرة". ويتدخل آخر: "عندما كنت طفلا كانت معلمتي في روضة الأطفال بيضاء البشرة وكانت مساعدتها سوداء، وفي مدرسة التدريب فإن أستاذي كان عراقيا أما المدير فكان بولنديا، وفي حقل البناء حيث كنت أعمل كان المدير أشقر، وفي العيادة. فإن الممرضة مصرية أما الطبيب فهو أشكنازي، أما في الجيش فقد كنا نحن المغاربة جنودا ورقباء وكان الضباط والقادة أشكنازيين، طوال حياتي في إسرائيل عشت في القاع بينما أنت كنت دائما في القمة".
يريدون أن يأكلونا أحياء
* وماذا عن الأرض، عن العرب؟
- "حسنا، ماذا سيحصل لو أخذنا هذه الأراضي وأعلنا ضمها لدولة إسرائيل، هل تنقصهم الأراضي، أليس لديهم الكفاية منها؟ لقد أخذوا سيناء كلها هكذا مجانا، قالوا: مقابل السلام، هل تريد أن تعطيهم القدس أيضا، ثم مستوطنتنا بيت شمس؟ أنت تعتقد أن "الكيبوتز" وحده هو ما يستحق القتال من أجله؟ هل أنت مجنون، هل تعتقد أن العرب يريدون دولة في الضفة الغربية؟ إن ما يريدونه هو أن يأكلونا أحياء، هذا ما يريدونه، وشمعون بيريز على استعداد أن بيعهم البلاد كلها شرط أن يبقى في السلطة، يا إلهي، إنكم تحبون العرب قدر ما تكرهون اليهود الشرقيين".
وهذا الحقد الشرقي على العربي وعلى اليهودي الغربي يوازيه هذا التحاقد المتبادل بين اليهودية المتزمتة والصهيونية العلمانية، يقول الصهيوني العلماني آموسي أوز: "ليس هناك أي أساس ديني للزعم بأنه من المستحيل تعريفنا بأننا محتلون لأرض أجدادنا، وآسف أن أقول إن ما يقرر هذه المسألة هو ما يشعر به العرب وليس ما تشعرون به، إذا شعروا أنهم تحت الاحتلال فإنه احتلال، ويمكن لأحدكم الزعم بأنه احتلال عادل! أو ضروري وحيوي، ولكنكم بالتأكيد لا يمكنكم أن تقولوا للعربي إنك لا تشعر مثلا بما تقول أنك تشعر به، ونحن سنتولى تحديد ما تشعر به..".
أما الخلاف الحقيقي كما يراه "أوز" فإنه كالتالي "لا أحد يمتلك احتكار "اليهودية" لا أنتم ولا أنا، لقد اختصرتم اليهودية فجعلتم منها دينا فقط، ثم تحولتم بهذا الدين فجعلتموه طقوسا فقط، ثم ركزتم هذه الطقوس كلها في عبارة واحدة "المجد لأرض إسرائيل". إن الدين هو عنصر مركزي في الحضارة اليهودية، وربما كان أصل هذه الحضارة، ولكن تلك الحضارة لا يمكن تقديمها باعتبارها دينا فقط لأنه من المصادر الدينية لتلك الحضارة تنمو تجارب روحية تغني التجربة الدينية.. وتعبر عن نفسها باللغة والفن والأدب والأفكار والآراء، وأنا أرى نفسي وريثا لهذه التجربة، ولست ولدا بالتبني ولا طفلا ضالا أو ابن سفاح وإنما أنا وريث شرعي لهذه الحضارة".
وبعد أن يتهم "أوز" المتشددين بأنهم حولوا الحضارة اليهودية إلى متحف "وأقمتم من أنفسكم أوصياء على هذا المتحف" يسألهم: ماذا حدث لكم على صعيد التجارب الروحية الخلاقة، ولماذا لم يخرج معظم المبدعين إلا من صفوف "اليسار" هل هي مؤامرة؟
وأخيرا دعني أطرح عليكم السؤال: "إذا كان ثمن "إسرائيل الكبرى" هو وقوع انشقاق في صفوف الأمة حول موضوع ترون أنه من المستحيل المساومة عليه، وإذا كان هذا الثمن تمزيق هذه الأمة نتفا، وجعل المسألة حياة أو موتا، فهل يستحق الموضوع في مقاييسكم هذا الثمن؟"
أحلم بمذبحة عظيمة
ولا تقتصر غيوم الحرب على الداخل في إسرائيل بل هي تفيض لتغمر يهود الخارج، يهود "الدياسبورا" الذين ما زالوا يرفضون الهجرة إلى أرض الميعاد، تقول السيدة النيويوركية "تسألني ما الذي سيدفع بموجات كبيرة من يهود "الدياسبورا" للعودة إلى الوطن، سأقول لك: حرب أخرى مثل حرب الأيام الستة، تلك الحرب أعادتني إلى هنا، وأعادت زوجي اليمني من بريطانيا.
* تحلمين بحرب أخرى؟
- ربما لن تكون حربا بالضرورة، قد تكون مذبحة عظيمة ضدهم أو مطاردات أو محاكمات، عندئذ سوف يأتون".
أما السيد "زد" الذي ينتسب إلى ما يمكن أن يسمى مجموعة "اليهود النازيين" فهو يقول "سمني ما شئت، وحشا، مجرما، ولكن أرجو أن تسجل بدقة أنا لا أكره العرب، على العكس، فأنا على المستوى الشخصي أشعر بارتياح بينهم أكثر مما أشعر بالراحة عند يهود الدياسبورا.. هؤلاء مصابون بالعوج ولا بد من تقويمهم، تلك هي مهمتي، وبقدر ما يعنيني الأمر يمكن أن تسمي دولة إسرائيل بأنها يهودية نازية، كما أطلق عليها الدكتور "ليبو فيتز" أو بأي اسم آخر، لا يهم، إنني لا أسعى إلى نيل إعجاب "الكفار"، إذا رفع أحدهم أصبعا ضد أطفالي فسوف أدمره وأدمر أطفاله معه، ولن أقيم وزنا سواء كان مسيحيا أو مسلما أو يهوديا أو كافرا، هل تعلم أن أطيب الثمار التي قطفناها من الحرب في لبنان هي أن العالم لم يعد يكره إسرائيل وحدها، إنه أخيرا يكره يهود "الدياسبورا" هؤلاء الذين يصرخون باستمرار بأنهم نوع مختلف من اليهود، نوع نظيف ولائق، يمكنهم أن يصرخوا حتى تزرق وجوههم وهذا الصراخ لن يجديهم، إن هذا ممتع، أولئك القوادون الذين يصرخون "اصنع الحب وليس الحرب".. لم يعد هذا يجديهم، والفضل لنا، لقد انتهوا، إنهم صاروا مثلنا قتلة وسفاحين من دون أي تمييز، وقريبا سوف يرون الشعار القديم منقوشا على بوابات منازلهم الجميلة، (أيها اليهودي اذهب إلى فلسطين) ثم أتعلم ما سوف يحدث؟ سوف يبدأون الذهاب إلى فلسطين لأنهم لا يملكون أي خيار آخر".
يقول أوز: "إن الشعب اليهودي يملك موهبة عظيمة في التدمير الذاتي، وربما نكون أبطال الأمم في التدمير الذاتي، ولكن هذه الموهبة ليست من إرادة الله، قد تكون أساسية في بناء شخصيتنا ربما، إننا نود أن نعتصر قيمنا حتى آخر قطرة. أو نموت ونحن نردد: "كل شيء أو لا شيء". تلك هي المشكلة مع المتدينين في إسرائيل وما أكثرهم!
كل شيء أو لا شيء.. إذن هل نهتف وداعا؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق