مجلة العربي، الجمعة 1 سبتمبر 1995 6/4/1416هـ /العدد 44
الشرقي يقتل باسم القبيلة والغربي باسم العقيدة
4 ملايين و 400 ألف جريمة وقعت في أمريكا في عام واحد
4 ملايين و 400 ألف جريمة وقعت في أمريكا في عام واحد
السيدة لوريتا بايت " أخصت "زوجها بسكين المطبخ فتحولت إلى بطلة قومية. الجريمة في الغرب كما في الشرق قضية شخصية بل عقائدية وتعبر عن الثقافة السائدة. والمفارقة أنه بينما تزدهر مؤسسات الجريمة بالاتحاد السوفييتي السابق بعد انهيار الحكم المطلق، فإن الحكم المطلق بات مطلبا في الغرب للقضاء على مؤسسات الجريمة.
قالت السيـدة " لوريتا بايت "في اعترافهـا أمام ضابط الشرطة : هـو أبدا لا ينتظـرني . إنه أناني ،قلت إن هذا ليس عدلا، لذلك رفعت عنة غطاء السرير و ... فعلتها".
ومع أن عنفـا من هذا النـوع يبدو شخصيـا وحميما ،ومع أن الزوج أكد أن " الخصي " أشـد تعذيبا من القتلى ،الأمـريكيـة قضت، في العـام الماضي ،إلا أن المحكمة ببراءة السيدة بايت.
وتعلن الكاتبة والمحامية " ويندي كامينر" "الجريمة في الغرب لم تعـد مسألة شخصية، فالأيديولوجيا، أو العقيدة ، لا توفر حتى غرف النوم".
وفي عصر يـزعم " نهاية الأيديولوجيا " فإن كتاب ويندي كـامينر ، وهو يحمل عنوان " إنـه الغضب كله :الجريمة والثقـافة " يكشف عن أيديولوجية جـديدة ،تجتـاح الغرب بـوجـه شرقي . وتـؤسس لقيـام " الدولة البوليسية والنظام الشمولي " ، وإن اختلفت التسمية .
باسم الحزب أو ... الرب
" إذا قتلت بـاسم الحزب فأنت ثـائر ، أمـا إذا قتلت باسمك الشخصي فأنت مجرم "العبارة من رواية للمؤلف آرثـر كوستلر . وفي المجتمعـات العـربية كـان القتل ،ومازال ، يتم باسم القبيلة ، بما يعرف باسم جرائم الثأر ،وجرائم الشرف، وكانت العقيدة التي تمنح هذه الجرائم غطاء " شرعيا "تستمـد قوتها من العرف والعـادة والثقافة السائدة، وكـانت القوانين الجنائية المدنيـة ، ومازالت ،في الأردن ولبنان مثلا ،تمنح مرتكبي جرائم الثأر وجرائم الشرف أسبـابا تخفيفيـة تراعي العـرف السائد ،أما إذا رفعت القبيلة أو العشيرة غطـاءها عن القـاتل وأعلنت براءتها منه فإنه يتحول إلى مجرم وعدو للمجتمع بدلاً من أن يكـون ممثـلا لقـانـون القبيلـة ويعمل بدلا من" مجتمعه ".كانت الجريمـة أيديولوجيا، وكـان القانون المدني يعمل لتكريس هذه الأيديولوجيا ،ويذكر كاتب هذه السطـور أنه وقبل ربـع قـرن تقريبا ، كـان في زيارة لأحد الزعماء اللبنانيين في قصره عندما اندفع شاب يافع إلى داخل قصر الـزعيـم يصحبـه والـده وعمـه ، قال الشاب، وهو يلقي بسلة يستقر داخلها رأس فتاة يغرق في الدمـاء :يا سيدي ... غسلت الشرف " (!) ألقى الزعيم على السلـة نظـرة سريعـة، ثم ربت على كتف الشاب. وقال : " أحسنت ". وكانت التقاليد تقضي بأن يكون القاتل قاصرا ،بحيث لا تزيد مدة سجنه على 7سنوات.
وقـد استفـادت الأحـزاب الحديثـة من هـذا التراث الشعبي ، فأقـامت محاكمهـا الميـدانية ، وأصدرت أحكامها، سرا وعلنا ، باسم الشرعيـة الحزبية ، وتحول القتلة إلى ثوار ومناضلين وحمله أوسمـة ، كما أن هذا التراث ازداد غنى مع صعـود "الجماعـات الإسلامية "حيث بـاتت "الفتوى " مثل الـوجبات السريعـة ، هي البديل عن المحكمـة، وصارت الجريمة ترتكب باسم الرب بعد أن كانت ترتكـب باسم الحزب ، وصارت تزعم شرعيتها من السماء وليس من الأرض.
" الرقاع " وشكري القوتلي
ولعل العراق ، بعد ثورة 1958، كان هو الرائد في تأسيس هذه المحـاكـم الميدانية، وكما يذكر كـاتب هذه السطور ، أثنـاء إقامته في بغداد، فقـد ظهـرت في نهاية الستينيات محاكم شوارع ، تقضي بـالقتل والسحل ، في بغـداد كـما في سـواها، وأبـرز هذه المحـاكـم ظهر في كركوك، بما عرف باسم " محكمة الرقاع "، و " الرقاع " هو الاسم الحركي لإسكافي يعمل في تصليح الأحذية، وقد حول "الرقاع" محله إلى محكمة، وقضى بإعدام العشرات من أعدائه الشخصيين كـما الحزبيين، وكـان يجتهد في أحكامه، ويطرح أمام الضحية خياريـن: إما أن يحفر قبره بيديه ويقتل برصاصة، أو أن يسحل في الشوارع، وكـان الخيـار الأول، كما يـزعم، دليل رحمة (!). ومع اندلاع الحرب الأهليـة في لبنان تطـورت هـذه المحـاكـم القبليـة: الأمنية والحزبيـة والشعبيـة والشرعية، وبات القتل يسبق صدور الحكم أو الفتوى، ولم تبخل ضحية الأيديولوجيا بتوفير الحـماية للجميع.
فالجريمـة بما فيهـا الاغتصـاب، لم تعـد مسألـة شخصية، بل أداة سياسية وأيديولوجية ، وباستثناء القتلى من المدنيين، فالجميع أبرياء(!).
ولأن الحكـومـات العربيـة في معظمهـا تتعامل مع الجريمة، باعتبارها من الأسرار الأمنيـة والعسكرية، فليست هناك إحصاءات رسميـة منشورة، تساعد على قياس عدد الجرائم"الشخصيـة" ونسبتها إلى الجرائم الأيديولوجية، إلا أن الباحث يمكن أن يقرر، ومن غـير صعوبة، أن الثانية هي السائدة . في سوريا مثلا بعد الاستقلال، فان الرئيس شكـري القوتلي رفض أن يوقع على تنفيذ حكم الإعدام باثنـين من القتلـة، قـال إن والـدته أوصتـه قبل وفـاتها أن يرفق بالناس وألا يضع تـوقيعه على حكـم بالإعدام، وهو مـا استغله الزعيم حسني الـزعيم الـذي انقلب على القوتلي ووصفـه بأنـه " جبان" . حتى القصـاص الشرعي كان نادرا، وهو ما يعبر عن الأيديولوجيـا المسالمة التي كانت. تسود المجتمع السوري في تلك الفترة .
ثقافة السلاح
النموذج الغربي لهذا القتل تحت خيمة الأيـديولوجيا هو أكثر تعقيدا، فالمجتمعات المدنية في الغرب اختارت الديمقراطية لحـمايتها من وحوش السلطة من ناحية ومن وحوش "التطرف" من ناحية ثانية، وصاغت شعار " كل متهـم برئ حتى تثبت إدانته" في عشرات التشريعات والقوانين التي تسهر على تطبيقهـا مؤسسات تمثيلية، منتخبـة من قبل الشعـب. ولأن تراث محاكـم التفتيش التي تقضي بـالحرق على النيـة وبـالصلب على الهوية المذهبية كانت هي التراث الغـربي المشابه لجرائم الشرف وحروب الثأر الشرقية، فقد اختارت المجتمعات الغربية الفصل بين الدين والـدولة لتحفظ حق المواطن في أن يختار عقيدته، وأن يعبدربه على طريقته، وأن يعبر عن أفكاره، بعيدا عن العنف أو التهديد به، سواء جاء من رجال أمن الـدولة أو مـن قبل رجـال منحـوا أنفسهم سلطة إصدار الأحكام على الآخرين، باسم الخلية الحزبيـة أو باسم العنـاية الإلهيـة. ولكن، ولأسباب تختلف في تفسـيرها المدارس السياسية، فقد جاء الحصاد مرا ، وأينعت عناقيد الغضب كما القتل في حقول الغرب وفي أمريكا بالـذات، وباتت المدن الكبرى تكتب تاريخهـا بالدم.
ونقرأ هذه الأرقام التي وردت أخيراً في دراسة صدرت عن وزارة العدل الأمريكية. تقول الدراسة إنه في عام 1993 وحده وقعت في الـولايات المتحدة الأمريكية 4 ملايين و 400 ألف جريمـة قتل واغتصـاب وسرقة استخدم فيها السلاح، من بينها 24 ألفا و 500 جريمة قتل. وأن 33 مجرما فقط تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم ،كما أن هناك مليـوناً ونصف مليـون مجرم كانت تضمهم السجون الأمريكية حتى ذلك العام .
ونقرأ في دراسة أخرى عن "ثقافة السلاح" المراهقين تزداد بسرعة قياسيـة ،وأن هـذا المراهق يقتل من أجل شراء حذاء رياضي، أو من أجل الحصول على سترة جلدية شاهد :أحـدهم يـرتديها، أو من أجل"المغـامرة" ، وتردد الدراسة عشرات النماذج من الحياة اليومية الأمريكية .
وقبل أيام أقـرت ولايـة فيرجينيا، حيث يعيش كـاتب هذه السطور، قانونا يسمح لأبناء الولايـة بأن يحملوا سلاحـا مخفياً للدفـاع عـن أنفسهم، وتدافع المواطنون بـالألوف للحصـول على رخص لحمل السلاح، في السـابق كان القـانون يسمح للمواطن بأن يحتفظ في منزله بما يشاء من الأسلحة، أما القـانـون الجديد فهو يجعل من كل مـواطن ترسانـة متنقلـة، مع أن الرئيس الأمريكي بيـل كلنتون أصدر قراراً ، وافق عليـه الكـونغـرس، وحظـر على المواطن الأمريكي أن يشترى أكثر من قطعة سلاح واحدة...في الأسبوع (!) .
وبعيـداً عن الأحداث الكـبرى، من نـوع " تمرد" لـوس انجلـوس قبل سنتين، ومذبحـة الـداوديين، ومثلهـا مجزرة أوكلاهوما سيتي ، وكلها يدخل تحت خيمـة الأيديولوجيا والعقيدة ، فإن الجرائم اليومية هي ما يمنح مستنقعـات الـدم وحوشها وعقيدتها .
زوجـي كان... يغتصبني
في كتـابها عن "الجريمـة والثقافـة"وقد صـدر أخيراً تعرض المؤلفة الأمريكية "ويندي كامينر"نماذج من هذا الحصاد الدامي .
وتكشف عن المغاور الثقافيـة والكهوف السياسية التي تطلق قوى الجريمة من عقالها، فـالسيدة لـوريتا بـايت التـي قـامت بخصي زوجهـا، تحولت إلى بطلة قومية، تتنافس التنظيمات النسائية في دعمها وتقديم العون القـانوني لها ، بحيث خرجت من قاعـة المحكمة بريئـة. كيف؟ السيدة بـايت قـالت "إن زوجي كـان يعذبني، وكـان يغتصبني، ويجعل من جسـدي سلعة لمتعته " وتلقفـت الحركات " الأنثوية " هـذه العبارات ،وجعلت من السيدة بايت " رمزا "للمواجهة مع مجتمع القهر "الذكوري" ، وبالتالي لم تعد جريمة السيدة بايت شخصية ، بل قضية مبـدئية وأيديولوجية ، تشارك ملايين النسـاء في معاناتها، ونجح "حزب المرأة" في أن يقنع المحكمة بأن " السيدة بايت ليست مجرمة بل هي ضحية، وكانت في موقف الدفاع عن النفس " .
ونموذج آخر، المهندس الإلكتروني"برنارد غـوتز" أخرج مسـدسـه، بينما كـان يركب مترو الأنفاق في نيويورك، وأفرغ رصـاصاته في 4 شبان . واحـد منهم أصيب بـالشلل . المهندس كـان أبيض، أما الضحـايا فكانوا من السـود . وانتصر حـزب " البيض "وتحول "المهـنـدس" إلى أحد رواد " الانتقام " في غابـات المترو. قـال مدافعاً عن نفسـه : " شعرت بأنني مهدد ، فقد شاهدت ذلك البريق في عيونهم...".
إذن فإن البريق في العينين يكفي دافعاً لإطلاق النـار، وسـوف تجد من يجعل منك يطـلا قويا فينتقم لضحايا المترو البيض .
وفي المقابل، وبعد سنوات، يخرج في نيويورك أيضا المدعو كولـين فيرغسـون، ليفرغ في مترو الإنفاق أيضاً رصاصات رشاشـه في مجموعة من البيض والآسيويين، فيقتل 6 أشخـاص ويجرح 19 آخرين . قـال إنه يكـره البيض والآسيـويين . وتجند أعداء العنصريـة للدفـاع عنه، وفي استفتاء قـامت به مجلـة " القـانون القومي " اعتبر 49 بـالمائة ممن شملهـم الاستفتاء " أن الغضب الأسود الـذي يجسـده فيرغسـون هو نتيجة طبيعية للعنصرية ضـد السـود، وبالتـالي فإن فيرغسـرن هو ضحية أكثر منه مجرماً"(!) .
ولكن ماذا عن طـالب الحقوق الشاب تـوم بندي"لقد اعترف أنه حصد في مسيرته الدموية 30 امرأة، وأنه كان يغتصب الضحية قبل أن يقتلها، وأحياناً يغتصبها بعد القتل؟ : " لعل السبب هو أنني كنت أشـاهد الكثير من الصور والأفلام الجنسية الإباحية".
وقضت المحكمة بإعدامه، وتم تنفيـذ الحكم في ولاية فلوريدا وسط احتفال صاخب، ولكن بندي تحول إلى " رمز " بـدوره، فقـد بـدأ الكـونغـرس الأمـريكي ، تحقيقـات موسعـة حول دور وسـائل الإعلام في تـرويج الجريمة، وهي تحقيقـات مازالت تتجـدد منذ إعدامه قبل 6 سنوات، وقـد أعاد مـؤخـراً المرشح الجمهـوري للرئاسة، ورئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ روبرت دول إلى هذا "الرمز السلبي" اعتبـاره عنـدمـا فتح جبهـة المواجهة على اتساعها ضد صناعة السينما الرخيصة في هوليود، ونافسه الرئيس بيل كلنتون عندما أصدر قراراً وافق عليـه الكونغرس ، ويقضي بتزويـد التلفزيـونات بجهاز خاص يسمح للأهل بإقفال الجهاز عن أفلام لا يرغبون أن يشاهـدها أبناؤهم، ويعتبرون أنها تساهم في تعزيز ثلاثية الجنس والسلاح والجريمة.
أعمدة الخوف
هل تخاف الجريمـة ؟ السؤال طـرحته مجلة "لايف "عام 1972 في استقصـاء واسع ، وجاءت الإجابات كالتالي : 78 بالمائة قالوا" نشعر بالخوف حتى ونحن في بيوتنـا " ، 80 بالمائة قـالوا " نخشى التجـول في الشوارع ليلا " ، 40 بـالمائة قـالواً إن حماية الشرطة وحـدها لا تكفي، و30 بالمائة كشفوا أنهم يحتفظـون بالأسلحة للدفاع عن أنفسهم .
وتنقل المؤلفـة عن إحدى الأمهات قولها للمحامية التي تكفلت بـالدفـاع عن ولـدها : " أرجـوك ، دعيهم يسجنـوه ،فإنني على الأقـل سـوف أعـرف أين هو".
كـما تنقـل عن محامـي " رودني بيرز"الذي قتل الطـالب اليابـاني في العام الماضي لأنـه طـرق بـاب منزلـه خطأ قوله : " إن من حـق صاحب المنزل أن يـرد متى قـرع جـرس البـاب ...بالبندقية ، فهو خائف ".
وعلى أعمدة هذا الخوف يبني الحزب الجمهوري ، كـما الـديمقراطي ، هيكله ،وبرنـامجه السياسي، وخطابه الثقافي ، ومع الحزبين، يتم تسخير الجريمـة ... لخدمة الأيديولوجيات أو بالعكس (1).
وتقتبس المؤلفـة من خطـاب الـرئيس الأمـريكي الأسبق رونالـد ريغان، قـولـه : " إن الجريمة ليست مشكلة اجتماعيـة، بل هي مشكلة القلب البشري . إن معظم المجرمين يقومون بالتخطيط لجرائمهم ويرتكبونها ليس بدافع الحاجـة بل بدافـع الطمع، إنهم يكسبـون أكثر مما تكسبون - قادة الشرطة - وأكثر مما أكسب أنا ". وينتقـد الليبرالية الديمقراطيـة لدى الحزب المنـافس، فيضيف: " إن الديمقراطيين يفترضون أنه لا شيء ثابتا أو مطلقا في الطبيعة البشرية ... مع أن الله وحده هو القـادر على علاج هذا المرض ... والحق أقـول: إنـه الطبع وليس التطبع ".
إذن يرى الجمهوريون، بأيديولوجيتهم المحافظة، أن البيولوجيا وليس الأيديولوجيا هي سبب الجريمة وأن العبارة الصحيحة هي "خلقوني مجرما " وليس" صنعوني مجرماً" فالجريمة ليست صناعة أمريكية (!) .
" الائتلاف المسيحي " بدوره يـدعم هذا الموقف، يطلقون على الـديمـوقـراطيين اسم "حـزب قـابيل " ،ويقترح مع الجمهوريين بناء المزيد من السجون . وتجنيد المزيد من رجال الأمن وتنفيذ المزيد من أحكام الإعدام . لتعمر الأرض بسلالة هابيل .
الحزب الديمقراطي لا يعترف بهذا الوجه " المظلم "للطبيعة البشرية ومع أن أمريكا من أغنى أمم الأرض، ويستهلك شعبها 40 في المائة مما ينتجه العالم كله، فإن الديمقراطيين يرون أن تحسـين الظروف الاجتماعية والاقتصاديـة هو ما يمنح الشعب الأمل بـالقضاء على الجريمة، يقولون إن ما يصنع الإنسان الجيد هو المدرسة وليس السجن، والتعليم المبني على الإقناع وليس على القهر، ويردون على الائتلاف المسيحي، فيقولون : " إن الفضيلـة عندما تتطرف تصبح أقرب إلى التخـريب ،وتهدد الكنيسة القائمة، وتفتتها إلى مذاهب متطاحنة ،ومثلها فضيلة العمل عندمـا يتحول إلى إدمان يهدد بناء الأسرة ".
هذا على الصعيد النظري، أمـا عملياً، فإن الرئيس بيل كلنتون أصـدر قانـوناً في العـام الماضي، وافق عليه الكـونغـرس، ويقضي القانون بتخصيص مبلغ 300مليـار دولار لمنع الجريمة، من بينهـا 10 مليارات لبناء سجون جـديـدة، و8 مليارات و800 مليون دولار لتجنيد 100 ألف شرطي جديد، و 7 مليارات لتمويل برامج اقتصادية واجتماعية تساهم في تحسـين أوضاع المناطق الفقيرة داخل المدن المكتظـة . ولكـن هذه البرامج، بعد انتصار الجمهوريين مهددة بالإلغاء وهم يريدون تحويلها لتجنيـد المزيد من رجال الأمن، وتنفيذ المزيد من أحكـام الإعدام، بعـد أن قـررت المحكمة الأمـريكية العليـا أن تنفيذ حكـم الإعدام بكل من بلغ 16 سنة من عمره مسألة دستورية.
تقول المؤلفة : " إن هناك رغبة عامة لدى الأمريكيين في تطبيق قانون جزائي شمولي " .
والشمـوليـة في المعجم الأمريكي تعني الحكم المطلق، ولعل المفارقة هنا هي أنه بينما تزدهر مؤسسات الجريمة في جمهوريات الاتحاد السـوفييتي السابق بعد انهيار الحكم المطلق، فإن الأمريكيين يميلون إلى الحكم المطلق بـاعتبـاره الحل للقضـاء على مـؤسسـات الجريمة (!) .
***
ثمن الحكم بالإعدام
تصل النفقات القضائية لكل حكم بالإعدام يصدر في ولايـة تكساس إلى 2.3مليـون دولار،وفي ولاية فلوريدا ترتفع في 3.2 مليون دولار، أما في كـاليفورنيا فتـزيد 6 مرات على كـل حكم بالسجن المؤبـد . يذكر أن في السجون الأمريكية حوالي 3 آلاف محكـوم بالإعدام ينتظرون تنفيذ الحكم .
ويقبع في السجـون الأمـريكية حوالي مليون ونصف المليـون سجـين، وتبلغ نفقات السجين الواحـد حوالي 72 دولاراً يومياً، وقـد شكت لجنة للتحقيق من أن السجناء في العاصمـة واشنطن يضطرون أحيانا لأكل الطعام بأيديهم لأن إدارة السجن لا تزودهم بالشوك والملاعق (!).
***
الملائكة الصغار
أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً يقضي بأن جرائم المراهقين تخضع للقانون الفيدرالي (الأحكام قاسية)، والمراهق في تعريف المحكمة هو كل من بلغ 13 سنة من عمره، ويحاكم كما البالغ . وفي دراسة صدرت عن جرائم القتل لدى المراهقين تبين أنها ارتفعت بنسبة مائة بالمائة خلال 5 أعوام، وأن فتى في الثالثة عشرة من عمره أطلق النار على السائح الألماني في فلوريدا، وأن 5 مراهقين في نيويورك قتلوا 3 من أصحاب المحلات، مع أنهم سلموهم النقود دون مقاومة، وأن طفلاً في العاشرة من عمره أطلق النار على سيدة وسبلها النقود التي سحبتها من البنك.
***
إعدام أبوجمال
"موميا أبوجمال" هو رئيس الاتحاد القومي للصحفيين السود في ولاية فيلادلفيا. في عام 1982 ألقت الشرطة القبض عليه بتهمة قتل ضابط في الشرطة، وأصدرت المحكمة بحقه حكماً بالإعدام. وعلى مدى 13 عاماً بقي أبوجمال على الخط بانتظار تنفيذ الحكم، وفي الشهر الماضي صدّق حاكم الولاية على حكم المحكمة.
الصحيفة دوروثب غيليام التي شغلت المنصب نفسه بعد الحكم على أبوجمال قادت في الشهر الماضي حملة لإعادة محاكمته، قالت إن المدعى العام اختار 10 محلفين من أصل 12 محلفا من البيض بينما يشكل السود 40 بالمائة من سكان الولاة. القس جيسي جاكسون أرسل بدوره برقية مفتوحة للحاكم يطلب فيها إعادة المحاكمة. نجوم في هوليود وسياسيون نافذون قادوا حملة شعبية، وقاموا بدعم تكاليف مشروع الدفاع عنه، لأن الدولة لم تخصص أكثر من "150" دولاراً لمحاميه في المحاكمة الأولى، كي يبحث عن أدلة تعزز براءة موكله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق