من الملف السياسي، التاريخ: 21 يناير 2000
هناك اشخاص انتحاريون, ولكن هل هناك شعوب انتحارية؟الروائي
الاسرائيلي (عاموس اوز) يصف الشعب اليهودي بانه شعب انتحاري, وبعد ان
يستعيد ذكرى حروب الابادة التي تعرض لها هذا الشعب, بداية من (قورش) ووصولا
الى هتلر يدعو حكماء اليهود والعالم ايضا, الى انقاذ هذا الشعب من نزعته
الانتحارية.
الميول الانتحارية لدى الافراد يكشف عنها عادة علم النفس, ولكن عندما تجرف هذه الميول شعبا بكامله فان مجال الكشف عنها يتحول الى علم الاجتماع, واذا شئنا التبسيط لقلنا ان اليهودي في كل مكان يحل فيه يحمل معه (الغيتو) وكان هذا الغيتو باستمرار قلعة معادية للجوار, وهي قلعة تضم نخبة من المحاربين على جبهات المال, ومن شيلوك تاجر البندقية, والى اليهودي الامريكي هنري فورد (المعادي للسامية) وقد قام بطبع ملايين النسخ من بروتوكولات حكماء صهيون لفضح الخطر اليهودي على الحضارة الامريكية, وصولا الى يهود روسيا ثم المانيا اخيرا, فان الغيتو اليهودي تحول الى رمز للعداء السافر مع الجوار, والى (طابور خامس) يتآمر مع الاعداء في احسن الحالات. ومن هنا فان التقرير الذي نشرته مجلة (الايكونوميست) في عددها الاخير وتوقعت فيه ان يرفض الشعب اليهودي في اسرائيل الموافقة على الانسحاب من الجولان, متى فتح باب الاستفتاء حول هذه المسألة يكشف عن هذه الرغبة التاريخية في الميول الانتحارية, وهي نزعة ترى ان بقاء (الغيتو) هو افضل ضمانة لامن اسرائيل وشعبها. بالطبع ان العرب لن يلقوا اليهود في البحر, وهم عاجزون عن ذلك, وان رغبوا, ولكن تاريخ اليهود, الشفهي والمكتوب, يكشف ان جدران الغيتو, سواء كان قلعة مالية او جيشا محاربا, كانت في احدى اللحظات التاريخية تنهار اما بقبضة حديدية تدكها على طريقة ستالين وهتلر, واما بانياب وقواطع الجرذان وهذه, كما تروي الذاكرة الشعبية, نجحت في تدمير سد مأرب ومن بعده جدار برلين. العنوان مع الخارج ولم يكن (الغيتو) اليهودي عنوانا انتحاريا على مدى التاريخ كما هو اليوم, ومع قيام الثورة الصناعية الثالثة التي اجتاحت الحدود وسيادة الدول وحولت سكان الارض الى مواطنين كونيين, بقطع النظر عن قومياتهم واديانهم, ليس هناك مثال ابلغ من ذلك الحوار بين المستشار الالماني السابق هيلموت كول وبين حفيد الجنرال روميل المعروف بثعلب الصحراء, فقد قرر الحفيد ان ينقل مصانع مرسيدس بنز خارج المانيا بسبب غلاء اجور العمال, وهنا صرخ كول: سوف اسحب جواز سفرك لانه ليس بالمارك وحده تكتسب الجنسية) . ويعرف المستشار كول اليوم ان عصبية المصالح طغت على كل ماسواها من عصبيات. في مواجهة الداخل و(الغيتو) ليس عنوانا انتحاريا في مواجهة الخارج وحده بل في مواجهات الداخل, وتلك هي القضية, فانهيار سيادة الدول وتحول الحدود الفاصلة بينها الى رمز وديكور انسحب على التنظيمات داخل هذه الدول, وليس صدفة ان تواجه الديمقراطية الامريكية العريقة امتحانا لم تعرفه منذ مطلع القرن الماضي وهو ان الناخب الامريكي لم يعد (حزبيا) اذ ان اعداد الناخبين الذين يسجلون اسماءهم في خانة (المستقلين) يتصاعد بسرعة قياسية, مما اضطر ولاية مثل كاليفورنيا, تضم مايزيد عن عشرة بالمئة من مجموع الناخبين الامريكيين الى رفع القيود الحزبية عن الناخب ومنحة حق التصويت لمرشحين يختارهم من قوائم الحزبين الرئيسيين معا الجمهوري والديمقراطي, ان التعصب الحزبي يتلاشى بدوره, وهو ما دفع بالمرشحين الى الرئاسة الامريكية, كما تقول الايكونوميست الى تقديم انفسهم ليس باعتبارهم حزبيين بل باعتبارهم (حلالي مشاكل) وهؤلاء المستقلون هم (بيضة القبان) في انتخابات الرئاسة, اصواتهم, وليس اصوات الحزبيين هي من يقرر من سوف يدخل البيت الابيض. ليس اليهود وحدهم هل يمكن القول اذن ان العصبية القومية والدينية والحزبية باتت من مخلفات الماضي, وان الصهيونية, وقد انهارت تركت لليهود حجارة التراث الديني يبنون بها غيتو المستقبل؟ تسهل الاجابة لو ان اسرائيل وحدها هي من يبني اسواره بحجارة قديمة, اذا ان العرب والمسلمين من الجزائر وحتى بنجلاديش يستعيدون حجارتهم القبلية والدينية والمذهبية يبنون منها (غيتوات) تنقض على الجوار اولا, وهذا الجوار هم اهلهم وذويهم, يحاربونهم بسيوف تاريخية صدئة, ويقفلون نوافذهم والابواب على عصبيات منقرضة الا في عالمنا, ويصير الانفتاح تهمة, وليست اسرائيل وحدها الانتحارية, فوجهها الآخر عربي واسلامي وهو يكاد يسد علينا الافق.
الميول الانتحارية لدى الافراد يكشف عنها عادة علم النفس, ولكن عندما تجرف هذه الميول شعبا بكامله فان مجال الكشف عنها يتحول الى علم الاجتماع, واذا شئنا التبسيط لقلنا ان اليهودي في كل مكان يحل فيه يحمل معه (الغيتو) وكان هذا الغيتو باستمرار قلعة معادية للجوار, وهي قلعة تضم نخبة من المحاربين على جبهات المال, ومن شيلوك تاجر البندقية, والى اليهودي الامريكي هنري فورد (المعادي للسامية) وقد قام بطبع ملايين النسخ من بروتوكولات حكماء صهيون لفضح الخطر اليهودي على الحضارة الامريكية, وصولا الى يهود روسيا ثم المانيا اخيرا, فان الغيتو اليهودي تحول الى رمز للعداء السافر مع الجوار, والى (طابور خامس) يتآمر مع الاعداء في احسن الحالات. ومن هنا فان التقرير الذي نشرته مجلة (الايكونوميست) في عددها الاخير وتوقعت فيه ان يرفض الشعب اليهودي في اسرائيل الموافقة على الانسحاب من الجولان, متى فتح باب الاستفتاء حول هذه المسألة يكشف عن هذه الرغبة التاريخية في الميول الانتحارية, وهي نزعة ترى ان بقاء (الغيتو) هو افضل ضمانة لامن اسرائيل وشعبها. بالطبع ان العرب لن يلقوا اليهود في البحر, وهم عاجزون عن ذلك, وان رغبوا, ولكن تاريخ اليهود, الشفهي والمكتوب, يكشف ان جدران الغيتو, سواء كان قلعة مالية او جيشا محاربا, كانت في احدى اللحظات التاريخية تنهار اما بقبضة حديدية تدكها على طريقة ستالين وهتلر, واما بانياب وقواطع الجرذان وهذه, كما تروي الذاكرة الشعبية, نجحت في تدمير سد مأرب ومن بعده جدار برلين. العنوان مع الخارج ولم يكن (الغيتو) اليهودي عنوانا انتحاريا على مدى التاريخ كما هو اليوم, ومع قيام الثورة الصناعية الثالثة التي اجتاحت الحدود وسيادة الدول وحولت سكان الارض الى مواطنين كونيين, بقطع النظر عن قومياتهم واديانهم, ليس هناك مثال ابلغ من ذلك الحوار بين المستشار الالماني السابق هيلموت كول وبين حفيد الجنرال روميل المعروف بثعلب الصحراء, فقد قرر الحفيد ان ينقل مصانع مرسيدس بنز خارج المانيا بسبب غلاء اجور العمال, وهنا صرخ كول: سوف اسحب جواز سفرك لانه ليس بالمارك وحده تكتسب الجنسية) . ويعرف المستشار كول اليوم ان عصبية المصالح طغت على كل ماسواها من عصبيات. في مواجهة الداخل و(الغيتو) ليس عنوانا انتحاريا في مواجهة الخارج وحده بل في مواجهات الداخل, وتلك هي القضية, فانهيار سيادة الدول وتحول الحدود الفاصلة بينها الى رمز وديكور انسحب على التنظيمات داخل هذه الدول, وليس صدفة ان تواجه الديمقراطية الامريكية العريقة امتحانا لم تعرفه منذ مطلع القرن الماضي وهو ان الناخب الامريكي لم يعد (حزبيا) اذ ان اعداد الناخبين الذين يسجلون اسماءهم في خانة (المستقلين) يتصاعد بسرعة قياسية, مما اضطر ولاية مثل كاليفورنيا, تضم مايزيد عن عشرة بالمئة من مجموع الناخبين الامريكيين الى رفع القيود الحزبية عن الناخب ومنحة حق التصويت لمرشحين يختارهم من قوائم الحزبين الرئيسيين معا الجمهوري والديمقراطي, ان التعصب الحزبي يتلاشى بدوره, وهو ما دفع بالمرشحين الى الرئاسة الامريكية, كما تقول الايكونوميست الى تقديم انفسهم ليس باعتبارهم حزبيين بل باعتبارهم (حلالي مشاكل) وهؤلاء المستقلون هم (بيضة القبان) في انتخابات الرئاسة, اصواتهم, وليس اصوات الحزبيين هي من يقرر من سوف يدخل البيت الابيض. ليس اليهود وحدهم هل يمكن القول اذن ان العصبية القومية والدينية والحزبية باتت من مخلفات الماضي, وان الصهيونية, وقد انهارت تركت لليهود حجارة التراث الديني يبنون بها غيتو المستقبل؟ تسهل الاجابة لو ان اسرائيل وحدها هي من يبني اسواره بحجارة قديمة, اذا ان العرب والمسلمين من الجزائر وحتى بنجلاديش يستعيدون حجارتهم القبلية والدينية والمذهبية يبنون منها (غيتوات) تنقض على الجوار اولا, وهذا الجوار هم اهلهم وذويهم, يحاربونهم بسيوف تاريخية صدئة, ويقفلون نوافذهم والابواب على عصبيات منقرضة الا في عالمنا, ويصير الانفتاح تهمة, وليست اسرائيل وحدها الانتحارية, فوجهها الآخر عربي واسلامي وهو يكاد يسد علينا الافق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق