لا أنام هو عنوان الرواية الشهيرة لاحسان عبدالقدوس, وقد تحولت
فيلما أبكى الكثيرين(لا أنام)هي العبارة التي ينقلها مساعدون في البيت
الأبيض عن الرئيس بيل كلينتون , وهي حتى قبل ان تتحول فيلما تبكي الكثيرين,
وفي طليعتهم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان, وربما الرئيس كلينتون
ذاته عندما تنتقل إلى الشعب الأمريكي كله, ليس بالعدوى, بل مع انتقال
الجنود الأمريكيين من الأرض الأم إلى كوسوفو ليخوضوا حربا برية تحمل كل
أشباح فيتنام. هل قلنا فيتنام؟ أو ليست هي الحرب التي رفض الرئيس الأمريكي
ان يشارك فيها عندما كان طالبا جامعيا, وحصل بسببها على أوصاف من بينها
(الدجاجة) وقيل (الصوص) واستيقظت أشباحها أثناء حملته الانتخابية, فوصفه
الحزب الجمهوري المنافس بأنه (هارب) من الخدمة العسكرية ولا يستحق ان يقود
أمريكا؟ بلى هي الأشباح نفسها تستيقظ مجددا في البيت الأبيض, أو تسكن
الرئيس الذي لا ينام,بعد ان كانت الحرب البرية (مستحيلة) قبل أسابيع وعند
بداية الحملة الجوية في البلقان, وأصبحت (محتملة) وقت الاجتماعات الأخيرة
لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض, و (مطلوبة) وفقا لتصريحات وزير
الخارجية الأسبق هنري كيسنجر, وهو الوزير الذي ينسب إليه النجاح في اخراج
القوات الامريكية من مستنقع فيتنام. مصير الرئيس كلينتون هذه الأيام يبدو
محكوما بقدر البطل اليوناني (أوديب) يقتل أباه, ويغتصب أمه ويعيش أعمى باقي
عمره (!), لماذا؟ مقارنة و... كابوس المشكلة مع الرئيس كلينتون انه يخوض
حرباً شعارها: الاخلاق, إذ لا يمكن على حد تعبيره ان نترك مجانين التطهير
العرقي, مثل سلوبودان ميلوسيفيتش, يفرضون ارادتهم على المجتمع الدولي, ان
هذا سوف يجعل من القرن الواحد والعشرين قرنا مجنونا تحكمه الفوضى. وهذا
أكثر من صحيح, وليس صدفة, ان الرأي العام الأمريكي والأوروبي عامة ما زال
يؤيد وبشدة الضربات الجوية التي يوجهها حلف الأطلسي ضد الصرب. ان حق تقرير
المصير للشعوب وشعب كوسوفو من بينها شعار أطلقته الثورة الفرنسية, وبعد
أكثر من قرنين اشتعلت خلالها عشرات الحروب لتكريسه لم يعد أحد يجادل في هذا
الحق, وقد كرسته شريعة الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الانسان, وعشرات
المعاهدات الدولية, إذن لماذا لا ينام الرئيس؟ ولماذا تتحول الحرب البرية
وهي أخلاقية ومبررة إلى كابوس؟ الاجابة ربما تدفع إلى المقارنة بين الرئيس
كلينتون وسلفه الرئيس الجمهوري جورج بوش. جورج بوش خرج من حرب تحريرالكويت
بطلا, خاضها جوا وبحرا وبرا ودفع فيها قوات أمريكية برية, سقط بعضها بنيران
(صديقة) وكان شعارها سيادة دولة الكويت وحق الشعب الكويتي في تقرير مصيره,
وهو ما أعرب عنه هذا الشعب في مؤتمر جدة وحرب تحرير كوسوفو, كما باتت تسمى
اليوم لاتختلف كثيرا عن حرب تحرير الكويت, إذن ما الذي يمنع الرئيس
كلينتون ان يخوضها حتى نهايتها وان يخرج منها بطلا وان يعيد تكريس العالم
احادي القطب, تحكمه قوة وحيدة واحدة؟ أسوأ المحاربين هنا ثلاث اجابات
محتملة: الأولى هي ان الرئيس جورج بوش وادارته أمضى شهورا في جهود
دبلوماسية مضنية كانت مشقتها كما تقول السيدة تاتشر اكبر من مشقات الحرب,
وكان هدفها اقناع دول العالم كله بأن الحرب ضد صدام حسين هي حرب اخلاقية
وعادلة, وكان على العالم وعبر مجلس الأمن والأمم المتحدة ان يعبر عن تضامنه
مع الرئيس بوش عبر التأييد في الأمم المتحدة أوعبر المساهمة العسكرية أو
المالية في (عاصفة الصحراء) وقد تحقق للرئيس بوش ما أراده, صحيح ان ثقل
المصالح الأمريكية في الكويت وفي الخليج لا يمكن مقارنته بثقل تلك المصالح
في كوسوفو ولكن الرئيس الأمريكي لم يكن يتحدث عن المصالح الأمريكية وحدها,
وإلا لما وجد بين العرب من يناصره ويشاركه الحرب, ولكن كان يتحدث عن
المبادئ وهذه قد يرى كثيرون انها ذريعة, ولكنها في نهاية المطاف هي ما جمع
الفرنسي إلى الأمريكي إلى السوري والمصري والسعودي وهي واحدة سواء في
الكويت أو كوسوفو. الاجابة الثانية: كما تلاحظ صحيفة (فايننشيال تايمز)
البريطانية هي ان الرئيس كلينتون ليبرالي ديمقراطي وتاريخ الليبراليين يكشف
انهم أسوأ المحاربين وتطرح الرئيس جون كيندي نموذجا فهو أكد انه لن يسمح
للشيوعيين في فيتنام الشمالية ان يجتاحوا الجنوب, وان يفرضوا على شعبه
نظامهم الشمولي, وأكد ايضا ان القانون الدولي يبيح له ارسال قوات أمريكية
دفاعا عن حق شعب جنوب فيتنام في تقرير مصيره, وكان هذا صوابا كما تقول
الصحيفة المحافظة, ولكن مشكلة كيندي انه لم يرسل قوات كافية لمواجهة
الشيوعيين, وهو ما تجنبته رئيسة الوزراء المحافظة مارجريت تاتشر عندما خاضت
حرب الفوكلاند بكل ما تملكه بريطانيا من قوات. أما الاجابة الثالثة: فهي
ان الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون هو من هزم شخصيا منافسه الخارج من حرب
تحرير الكويت بطلا جورج بوش وهو بالتأكيد نجح في ان يفرغ الرئيس الجمهوري
من كل هالات البطولات العسكرية ليملأ معدة الناخب الامريكي ورأسه بشعار
(انه الاقتصاد ياغبي) . وقدر كلينتون كما قدر الملك أوديب ان يدخل الحرب
البرية بعد ان يغتصب كل قناعاته الليبرالية والمعادية للحروب والداعية إلى
التفاهم سلما بين الشعوب وان تطول هذه الحرب فتصير (صربيام) أو ان يدخلها
ويخرج منها منتصرا, كما فعل الجمهوري جورج بوش قبله, وعندئذ أليس من
السخرية ان يسمع من المعسكر المناوئ من يهتف بوجهه (انه الاقتصاد ياغبي) أو
أي شيء آخر.. ومن حق الرئيس ألا ينام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق