من الملف السياسي: بقلم - شوقي رافع-التاريخ: 04 سبتمبر 1998
كان الروائي الروسي الكبير فيودور دستويفسكي يركع أمام قدمي
زوجته متوسلا انها آخر مرة اطلب فيها النقود, سوف نصبح أثرياء, أنت وأنا,
سنغادر بطرسبرج ونعيش في سويسرا , ان الكازينو يملك الكثير من الاموال ونحن
لنا حصة فيها, لو تعرفين كم أصبحت اتقن اللعب, وأعرف آلاف التفاصيل, أنا
لم أعد مقامرا.. لقد صرت محترفا, والمحترف لو تعلمين لا يمكن ان يخسر) !
وانتهى اديب روسيا الكبير في السجن, مدينا بعشرات الألوف من الروبلات, وفي
زنزانته كتب روايته الرائعة (المقامر) .
عسكر و(دوما) و.. قيصر بوريس يلتسين ليس روائيا ولكنه بالتأكيد مقامر محترف, ومع أنه خسر مئات المليارات من الروبلات فانه مازال خارج السجن فالزوجة كانت تدفع ولكنها قبل أيام توقفت عن الدفع لتفتح أمامه بوابة الخيار: اما ان يغادر الكازينو او ان يقامر بحياته, وحتى كتابة هذه السطور, فإن يلتسين اختار الوقوف على البوابة. صحيح أنه خسر معظم اوراقه, ولكنه كأي مقامر آخر, مازال يعتقد أن الورقة الرابحة.. بانتظاره ثم انه سبق ان راهن على حياته وقامر بمصيره عندما واجه مؤامرة الضباط الاثنى عشر, كانت القنابل تتساقط على مجلس السوفييت الاعلى ولكنه صمد, كان ذلك في عام 1993 عام الانتصارات الكبرى, ففي ذلك العام ايضا حصل في استفتاء (تاريخي) على ثقة الناخبين الروس في شخصه كما في سياسته, قال لهم وهو يرقص ان هناك 43 مليار دولار من المساعدات والقروض تنتظرنا في الغرب, فماذا تنتظرون, امنحوني الثقة لتحصلوا عليها, ومنحوه الثقة, وتحول الى قيصر لا يحلم حتى ستالين بمكانته, فهو واجه الجيش ومجلس (الدوما) المنتخب وانتصر على الجبهتين معا.. وعندما قال عنه خصومه (صنع في امريكا) ضحك معلقا... (ومن قال ان الصناعة الامريكية رديئة؟) . الروس في (البيان) (مشكلتنا هي ان المافيا تأخذ دور الحزب) هذا ما قاله عضو في وفد روسي زارنا في مؤسسة (البيان) العام الماضي, كان الوفد يضم أربعة من كبار الصحافيين الروس, بمن فيهم رئيس تحرير وكالة (روسيا اليوم) الناطقة باسم الرئيس الروسي يلتسين, اضاف عضو الوفد: المافيا هي عنوان الفساد الذي يستشري في كل انحاء بلادنا اليوم, وهذه المافيا تزداد قوة ليس بسبب ضعف السلطة. بل لأن (الخارج) يفضل ان يتعامل مع المافيا على أن يتعامل مع السلطة, ان هذا الخارج يحول المافيا الى حكومة, ويغطيها بشرعية يشتريها من (السوق السوداء) .. هذا يجعل الاصلاح صعبا ان لم يكن مستحيلا. ونسأل: ولكن من هو هذا (الخارج) ؟ وتأتي الاجابة: أفراد ومنظمات وحكومات, وحجم العمليات يصل الى عشرات المليارات, وهؤلاء كأنما يطرحون علينا خيارا, اما ان نخسر هذه المليارات لتبتلعها السوق السوداء, واما أن نجعل من المافيا شريكا في السلطة, ونمنح الشرعية لنشاطاتها, اي ببساطة ان نمنحهم الامتيازات التي كان يحصل عليها قادة الحزب الشيوعي قبل انهيار النظام السابق.. ولكن هذا مستحيل (!) فضائح ونهب... بالجملة ... وما اعتبره اعضاء الوفد الروسي خلال الحوار مع (البيان) مستحيلا كشفت مؤسسات الاعلام في الغرب, أنه واقع يومي, وقدمت بالتقارير والصور صفحات ومشاهد فاضحة لوزراء مع فتيات, ويعترفون انهم يتعاملون مع المافيا.. من دون ان يفقدوا مناصبهم. ... وأمام هذه المشاهد هل يملك بوريس يلتسين سوى ان يسكر.. وحتى الثمالة؟ أما نائبه السابق الكساندر روتسوي فهو يعلق بحزن: (ان روسيا كلها يتم نهبها.. وبالجملة) , وتضيف مجلة (الايكونوميست) البريطانية الرصينة: ان روسيا حصلت في العام الماضي على 14 مليار دولار قروضا ومساعدات واستثمارات خرج منها 13 مليارا.. بسبب الخوف من المستقبل. إذن, ان ما تقترضه الحكومة من الغرب, تعيده المافيا الى الغرب.. فهل كثير على هذا الغرب ان يحب المافيا والا يتعامل الا معها؟ دموع وخوف (الخوف هو ما يحكم أهل موسكو) هذا ما يكتبه مراسل مجلة (تايم) الامريكية كيفين فيداركو في تقرير من موسكو احتل غلاف المجلة. ويعرض التقرير صورا من مدينة يعيش فيها تسعة ملايين انسان, بينهم 300 الف فقط من المتحكمين بثرواتهم السوداء وبرقاب العباد, اما الباقون, فهم كما يقول المهندس الكهربائي العاطل عن العمل فاسيلي الكساييف: (كانت الحياة في السابق سيئة في موسكو. اليوم انها أسوأ بكثير, اننا نعيش من دون اي امل بالغد) , وفي المقابل فإن جماعات المافيا ورجال البنوك لا يتورعون وأمام انظار الجميع ان يدفعوا 240 دولارا ثمنا لزجاجة شمبانيا يتناولونها مع النساء في مطعم فاخر. ويعلق المراسل: على الاقل فإن قيادات الحزب الشيوعي كانت تتمتع بامتيازاتها بصمت وبعيدا عن العيون الدامعة, أما هؤلاء فانهم يطلبون العلنية قبل سواها, انهم يصرخون: نحن أغنياء.. في وجوه سكان مدينة تبكي. عملية قيصرية ان القيصر الكبير يستولد قياصرة صغارا, وبعملية قيصرية (!), وموسكو التي حماها (الجنرال ثلج) من زحف جيوش نابليون, تبدو اليوم مستباحة أمام الزحف (الاخضر) , ومقدرة من العقيد القذافي, كما أن 20 مليون روسي, قتلوا خلال الحرب الثانية لمنع هتلر من الوصول الى العاصمة, يقتلون مجددا عندما لاتجد عائلاتهم ما تبيعه سوى أوسمتهم.. والحذاء العسكري القديم (!) والمافيا تجد دائما ما تشتريه. صباح الخير أيها القتل وعن هذه المافيا يروي تقرير المراسل ان 90% من التجار والصناعيين وحتى الباعة الصغار على أرصفة الشوارع يدفعون للمافيا (بدل حراسة) يصل الى 20% من دخلهم, وربما يزيد, أما من لا يدفع بالتي هي احسن, فان هناك وسائل مبتكرة لاقناعه, من بينها (صباح الخير أيها القتل) وهي العبارة التي تطلق على ضحايا السيارات المتفجرة, حيث ما ان يبدأ الضحية تشغيل سيارته في الصباح حتى تنفجر به, كما ان موسكو التي كانت اكثر المدن أمنا مقارنة مع الغرب أثناء النظام السابق هي اليوم اكثرها خطرا وعدوانا, ففي عام 93 وحده وقعت 813 جريمة قتل بزيادة 40% عن العام السابق, كما أنها انفردت بظهور (القتلة المأجورين) الذين عرفهم الغرب الامريكي قبل قرون, فقد وقعت في العام 93 ايضا حوالي مئة جريمة قتل قام بها قتلة مأجورون, كما تقول مصادر الشرطة, ومع ان العصابات باتت متخصصة في عملها اذ ان عصابة واحدة قتلت 17 سائق شاحنة, للاستيلاء على الشاحنة والبضاعة, الا أن رئيس تحرير مجلة (موسكو كومسومول) لا يرى ذلك, اذ يقول: ان المافيا في امريكا قد استقرت بعد أن وطد كل من قادتها وعرابيها مناطق نفوذه,اما في روسيا اليوم فان الحرب مازالت مشتعلة.. والناس هم من يدفع الثمن..) . دستويفسكي يصف الفلاح الروسي بانه (يتحمل كبغل ويبطش كدب) ولعل هذا الوصف لا يغيب عن ذهن المقامر حتى وهو يلعب (الروليت الروسية) .
عسكر و(دوما) و.. قيصر بوريس يلتسين ليس روائيا ولكنه بالتأكيد مقامر محترف, ومع أنه خسر مئات المليارات من الروبلات فانه مازال خارج السجن فالزوجة كانت تدفع ولكنها قبل أيام توقفت عن الدفع لتفتح أمامه بوابة الخيار: اما ان يغادر الكازينو او ان يقامر بحياته, وحتى كتابة هذه السطور, فإن يلتسين اختار الوقوف على البوابة. صحيح أنه خسر معظم اوراقه, ولكنه كأي مقامر آخر, مازال يعتقد أن الورقة الرابحة.. بانتظاره ثم انه سبق ان راهن على حياته وقامر بمصيره عندما واجه مؤامرة الضباط الاثنى عشر, كانت القنابل تتساقط على مجلس السوفييت الاعلى ولكنه صمد, كان ذلك في عام 1993 عام الانتصارات الكبرى, ففي ذلك العام ايضا حصل في استفتاء (تاريخي) على ثقة الناخبين الروس في شخصه كما في سياسته, قال لهم وهو يرقص ان هناك 43 مليار دولار من المساعدات والقروض تنتظرنا في الغرب, فماذا تنتظرون, امنحوني الثقة لتحصلوا عليها, ومنحوه الثقة, وتحول الى قيصر لا يحلم حتى ستالين بمكانته, فهو واجه الجيش ومجلس (الدوما) المنتخب وانتصر على الجبهتين معا.. وعندما قال عنه خصومه (صنع في امريكا) ضحك معلقا... (ومن قال ان الصناعة الامريكية رديئة؟) . الروس في (البيان) (مشكلتنا هي ان المافيا تأخذ دور الحزب) هذا ما قاله عضو في وفد روسي زارنا في مؤسسة (البيان) العام الماضي, كان الوفد يضم أربعة من كبار الصحافيين الروس, بمن فيهم رئيس تحرير وكالة (روسيا اليوم) الناطقة باسم الرئيس الروسي يلتسين, اضاف عضو الوفد: المافيا هي عنوان الفساد الذي يستشري في كل انحاء بلادنا اليوم, وهذه المافيا تزداد قوة ليس بسبب ضعف السلطة. بل لأن (الخارج) يفضل ان يتعامل مع المافيا على أن يتعامل مع السلطة, ان هذا الخارج يحول المافيا الى حكومة, ويغطيها بشرعية يشتريها من (السوق السوداء) .. هذا يجعل الاصلاح صعبا ان لم يكن مستحيلا. ونسأل: ولكن من هو هذا (الخارج) ؟ وتأتي الاجابة: أفراد ومنظمات وحكومات, وحجم العمليات يصل الى عشرات المليارات, وهؤلاء كأنما يطرحون علينا خيارا, اما ان نخسر هذه المليارات لتبتلعها السوق السوداء, واما أن نجعل من المافيا شريكا في السلطة, ونمنح الشرعية لنشاطاتها, اي ببساطة ان نمنحهم الامتيازات التي كان يحصل عليها قادة الحزب الشيوعي قبل انهيار النظام السابق.. ولكن هذا مستحيل (!) فضائح ونهب... بالجملة ... وما اعتبره اعضاء الوفد الروسي خلال الحوار مع (البيان) مستحيلا كشفت مؤسسات الاعلام في الغرب, أنه واقع يومي, وقدمت بالتقارير والصور صفحات ومشاهد فاضحة لوزراء مع فتيات, ويعترفون انهم يتعاملون مع المافيا.. من دون ان يفقدوا مناصبهم. ... وأمام هذه المشاهد هل يملك بوريس يلتسين سوى ان يسكر.. وحتى الثمالة؟ أما نائبه السابق الكساندر روتسوي فهو يعلق بحزن: (ان روسيا كلها يتم نهبها.. وبالجملة) , وتضيف مجلة (الايكونوميست) البريطانية الرصينة: ان روسيا حصلت في العام الماضي على 14 مليار دولار قروضا ومساعدات واستثمارات خرج منها 13 مليارا.. بسبب الخوف من المستقبل. إذن, ان ما تقترضه الحكومة من الغرب, تعيده المافيا الى الغرب.. فهل كثير على هذا الغرب ان يحب المافيا والا يتعامل الا معها؟ دموع وخوف (الخوف هو ما يحكم أهل موسكو) هذا ما يكتبه مراسل مجلة (تايم) الامريكية كيفين فيداركو في تقرير من موسكو احتل غلاف المجلة. ويعرض التقرير صورا من مدينة يعيش فيها تسعة ملايين انسان, بينهم 300 الف فقط من المتحكمين بثرواتهم السوداء وبرقاب العباد, اما الباقون, فهم كما يقول المهندس الكهربائي العاطل عن العمل فاسيلي الكساييف: (كانت الحياة في السابق سيئة في موسكو. اليوم انها أسوأ بكثير, اننا نعيش من دون اي امل بالغد) , وفي المقابل فإن جماعات المافيا ورجال البنوك لا يتورعون وأمام انظار الجميع ان يدفعوا 240 دولارا ثمنا لزجاجة شمبانيا يتناولونها مع النساء في مطعم فاخر. ويعلق المراسل: على الاقل فإن قيادات الحزب الشيوعي كانت تتمتع بامتيازاتها بصمت وبعيدا عن العيون الدامعة, أما هؤلاء فانهم يطلبون العلنية قبل سواها, انهم يصرخون: نحن أغنياء.. في وجوه سكان مدينة تبكي. عملية قيصرية ان القيصر الكبير يستولد قياصرة صغارا, وبعملية قيصرية (!), وموسكو التي حماها (الجنرال ثلج) من زحف جيوش نابليون, تبدو اليوم مستباحة أمام الزحف (الاخضر) , ومقدرة من العقيد القذافي, كما أن 20 مليون روسي, قتلوا خلال الحرب الثانية لمنع هتلر من الوصول الى العاصمة, يقتلون مجددا عندما لاتجد عائلاتهم ما تبيعه سوى أوسمتهم.. والحذاء العسكري القديم (!) والمافيا تجد دائما ما تشتريه. صباح الخير أيها القتل وعن هذه المافيا يروي تقرير المراسل ان 90% من التجار والصناعيين وحتى الباعة الصغار على أرصفة الشوارع يدفعون للمافيا (بدل حراسة) يصل الى 20% من دخلهم, وربما يزيد, أما من لا يدفع بالتي هي احسن, فان هناك وسائل مبتكرة لاقناعه, من بينها (صباح الخير أيها القتل) وهي العبارة التي تطلق على ضحايا السيارات المتفجرة, حيث ما ان يبدأ الضحية تشغيل سيارته في الصباح حتى تنفجر به, كما ان موسكو التي كانت اكثر المدن أمنا مقارنة مع الغرب أثناء النظام السابق هي اليوم اكثرها خطرا وعدوانا, ففي عام 93 وحده وقعت 813 جريمة قتل بزيادة 40% عن العام السابق, كما أنها انفردت بظهور (القتلة المأجورين) الذين عرفهم الغرب الامريكي قبل قرون, فقد وقعت في العام 93 ايضا حوالي مئة جريمة قتل قام بها قتلة مأجورون, كما تقول مصادر الشرطة, ومع ان العصابات باتت متخصصة في عملها اذ ان عصابة واحدة قتلت 17 سائق شاحنة, للاستيلاء على الشاحنة والبضاعة, الا أن رئيس تحرير مجلة (موسكو كومسومول) لا يرى ذلك, اذ يقول: ان المافيا في امريكا قد استقرت بعد أن وطد كل من قادتها وعرابيها مناطق نفوذه,اما في روسيا اليوم فان الحرب مازالت مشتعلة.. والناس هم من يدفع الثمن..) . دستويفسكي يصف الفلاح الروسي بانه (يتحمل كبغل ويبطش كدب) ولعل هذا الوصف لا يغيب عن ذهن المقامر حتى وهو يلعب (الروليت الروسية) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق