حكايات سياسية: كتب ــ شوقي رافع - التاريخ: 15 يناير 1999
ورد في صحيفة(صانداي تايمز البريطانية)الحكاية التالية:
(مجموعة من المزارعين نزلت الى سوق الغنم في منطقة غونت, كان كل واحد يحمل
في شاحنته مجموعة من رؤوس الاغنام لبيعها في المزاد. المجموعة شعرت بالذهول
عندما بدأ المزاد, اذ ان سعر الخروف لم يزد عن 25 بنساً(ربع جنيه
استرليني). المزارع ما يرث تادفيني , قال: هذا مستحيل لن ابيع (!). سألناه:
ماذا ستفعل اذن؟ قال: سأصرف الراعي, وارعى القطيع بنفسي, بانتظار فرصة
افضل للبيع. انهيار اسعار الخرفان لا يقارن بانهيار اسعار النفط, ولكن
النتائج قد تكون متشابهة في الايجابيات، نفايات دول الرفاه ولعلّ أقسام
خدمات النفايات في بلديات مجلس التعاون في دول الخليج هي آخر من يشكو من
انهيار اسعار النفط, بل لعل بلديات دبي والرياض والكويت سوف تستثمر هذا
الانهيار في تعزيز خططها الاستراتيجية للتخلص من... النفايات.
والعلاقة بين دولة الرفاه والرعاية وبين المواطنين فيها تندرج تحت عنوان (النفايات) اذ كلما ازدادت الرعاية وارتفع مستوى الرفاه تكاثرت النفايات وانتصبت (الزبالة) كثباناً وتلالاً امام ابواب (الرعية) , ويقول بعضهم بيقين: ان الله يحب ان تظهر نعمته على عبده, في اشارة اقتصادية الى أن كثرة الزبالة هي من مظاهر النعمة والرفاه, والعكس صحيح, بدليل ان بلدية القاهرة تفاخر بأنها البلدية الوحيدة ــ او البلديات ــ التي لا يوجد فيها عادم, اي ان كل شيء يستهلك, وحتى بقايا الخضروات والفواكه تحملها العربات الى مزارع الحيوانات والدواجن, اي ان ابن القاهرة ليس لديه ما يرميه, اي خالٍ من الزبالة. بالطبع حكاية بلدية القاهرة مبالغ فيها, لان ما تقدمه الحكومة من خدمات ورعاية للمواطنين يبقى منه ما يكفي من الزبالة والنفايات, مع ان الجاحدين يزعمون انه كله زبالة, وهو ما يضطرنا للعودة الى الارقام. دبي تنافس امريكا في احصائية صدرت عن قسم خدمات النفايات في بلدية دبي العام الماضي تبيّن ان حصيلة كل فرد من الزبالة تصل سنوياً الى 725 كيلوجراماً بالتمام والكمال, اي حوالي كيلوجرامين تقريباً, وهو رقم قياسي ولا ينافسه في القرب الا اهل امريكا حيث تصل حصة المواطن من النفايات سنوياً الى 750 كيلوجراماً, مع فارق هو أن نفايات الامريكي خالية تماماً من... الغذاء, فالامريكي يعتقد ان معدته, على صعيد الطعام, يمكن ان تلعب وبكفاءة دور صندوق النفايات, بل هو يفاخر بأنه يأكل النفايات او ما يسمونه (الزبالة Junke Food) . وفي اليابان نصيب الفرد من الزبالة لا يزيد عن 380 كيلوجراماً في السنة, وينقص في السويد ليصل الى 320 كيلوجراماً, اما في بريطانيا فهو لا يزيد عن 300 كيلوجرام في العام. وقبل ان نكشف عن (اللغز) الذي تطرحه هذه الارقام لابد من نقلة سريعة الى المملكة العربية السعودية وبالذات الى الرياض حيث يشكو مدير شؤون البلدية فيها أحمد التويجري من أن متوسط النفايات للفرد السعودي يبلغ (2,5) كيلوجرامين ونصف الكيلو يوميا, اي 912,5 كيلوجرام في العام, وهو رقم قياسي على مستوى العالم يستحق ان يدخل موسوعة جينز بجدارة. اللغز (!) ما هي دلالة هذه الأرقام, وكيف يمكن تفسير هذا التفاوت الهائل بين مواطن في بريطانيا او في السويد يحمل يوميا كيساً صغيراً يقل ما فيه عن كيلوجرام واحد ليلقيه في الزبالة, بينما مواطن آخر في الخليج لا يكتفي بأقل من ثلاثة اكياس لكل فرد في العائلة, تحملها الخادمة الاسيوية يومياً ولا تستطيع رفعها الى مستوعبات الزبالة فتلقيها ارضا؟ ربما يصلح السؤال موضوعاً لمسابقة تلفزيونية في رمضان الكريم جداً... ولعل متسابقاً مثقفاً من أنصار فضائية الشارقة الملتزمة يرد على الفور: فتّش عن دولة الرعاية والرفاه, فهذه الدولة تقوم برعاية المواطن من المهد الى اللحد, فتوفر له التعليم والصحة والوظيفة والمسكن والزوجة ونفقات الأولاد, مع اكثر من رخصة لمزاولة الاعمال الحرة وتأسيس الشركات, وهي بالتالي لا تستطيع ان تمنعه من ان يرمي ما يرى انه نال كفايته منه سواء كان طعاماً او ثياباً او... سيارة (!). ولكن لهذا المتسابق من انصار فضائية الشارقة الملتزمة يمكن ان نقول: ان السويد هي من أكثر الدول رعاية لمواطنيها في العالم, حتى ان برلمانها يناقش حالياً حق المواطن في (الموت الرحيم) اي الانتحار, ودور الدولة في مساعدته وتوفير الادوات الطبية الملائمة لرحلته الأخيرة, ومع ذلك فان زبالة المواطن المدعوم في السويد تقل ثلاث مرات عن زبالة المواطن المدعوم في السعودية, فكيف تفسر هذا اللغز؟ ولماذا تنجح دولة الرفاه والرعاية الاجتماعية في السويد في تحويل المواطنين الى موظفين وعمال منتجين, بينما تنتشر في دول الخليج ما يسمى (البطالة المقنعة) ؟ وكيف تستطيع السويد ان تقيم صناعة عالمية وان تنشىء شركات دولية, بينما يحترف كثيرون في الخليج تأجير رخصهم وشركاتهم من الباطن, لينتهوا غالباً غارقين في ديون لا تتسع اصحابها السجون المحلية؟ يقول الحكيم الصيني ولعل الاجابة هذه المرة تأتي من الصين, طالما اننا في عصر الفضائيات, حيث يقول الحكيم الصيني: لا تطعم ابنك السمك من السوق, بل علّمه كيف يصطاد السمك من النهر,... لأنك اذا اطعمت ابنك السمك من السوق, خسرته وخسرت السمك والسوق, اما اذا علمته كيف يصطاد من النهر فانك تكسب ابنك والسمك و.. النهر. ولمتابعة هذه المسابقة ربما من المفيد رصد الشعار الذي طرحته بلدية دبي لعام 2000 وهو ان لا تزيد حصة المواطن من الزبالة سنوياً عن 555 كيلوجراماً, وهذا رقم اذا تحقق, سوف يكشف عن ان النقمة يمكن ان تتحول نعمة أيضاً. ... بانتظار ان يصرف المزارع راعي الغنم وأن يرعى القطيع بنفسه.
والعلاقة بين دولة الرفاه والرعاية وبين المواطنين فيها تندرج تحت عنوان (النفايات) اذ كلما ازدادت الرعاية وارتفع مستوى الرفاه تكاثرت النفايات وانتصبت (الزبالة) كثباناً وتلالاً امام ابواب (الرعية) , ويقول بعضهم بيقين: ان الله يحب ان تظهر نعمته على عبده, في اشارة اقتصادية الى أن كثرة الزبالة هي من مظاهر النعمة والرفاه, والعكس صحيح, بدليل ان بلدية القاهرة تفاخر بأنها البلدية الوحيدة ــ او البلديات ــ التي لا يوجد فيها عادم, اي ان كل شيء يستهلك, وحتى بقايا الخضروات والفواكه تحملها العربات الى مزارع الحيوانات والدواجن, اي ان ابن القاهرة ليس لديه ما يرميه, اي خالٍ من الزبالة. بالطبع حكاية بلدية القاهرة مبالغ فيها, لان ما تقدمه الحكومة من خدمات ورعاية للمواطنين يبقى منه ما يكفي من الزبالة والنفايات, مع ان الجاحدين يزعمون انه كله زبالة, وهو ما يضطرنا للعودة الى الارقام. دبي تنافس امريكا في احصائية صدرت عن قسم خدمات النفايات في بلدية دبي العام الماضي تبيّن ان حصيلة كل فرد من الزبالة تصل سنوياً الى 725 كيلوجراماً بالتمام والكمال, اي حوالي كيلوجرامين تقريباً, وهو رقم قياسي ولا ينافسه في القرب الا اهل امريكا حيث تصل حصة المواطن من النفايات سنوياً الى 750 كيلوجراماً, مع فارق هو أن نفايات الامريكي خالية تماماً من... الغذاء, فالامريكي يعتقد ان معدته, على صعيد الطعام, يمكن ان تلعب وبكفاءة دور صندوق النفايات, بل هو يفاخر بأنه يأكل النفايات او ما يسمونه (الزبالة Junke Food) . وفي اليابان نصيب الفرد من الزبالة لا يزيد عن 380 كيلوجراماً في السنة, وينقص في السويد ليصل الى 320 كيلوجراماً, اما في بريطانيا فهو لا يزيد عن 300 كيلوجرام في العام. وقبل ان نكشف عن (اللغز) الذي تطرحه هذه الارقام لابد من نقلة سريعة الى المملكة العربية السعودية وبالذات الى الرياض حيث يشكو مدير شؤون البلدية فيها أحمد التويجري من أن متوسط النفايات للفرد السعودي يبلغ (2,5) كيلوجرامين ونصف الكيلو يوميا, اي 912,5 كيلوجرام في العام, وهو رقم قياسي على مستوى العالم يستحق ان يدخل موسوعة جينز بجدارة. اللغز (!) ما هي دلالة هذه الأرقام, وكيف يمكن تفسير هذا التفاوت الهائل بين مواطن في بريطانيا او في السويد يحمل يوميا كيساً صغيراً يقل ما فيه عن كيلوجرام واحد ليلقيه في الزبالة, بينما مواطن آخر في الخليج لا يكتفي بأقل من ثلاثة اكياس لكل فرد في العائلة, تحملها الخادمة الاسيوية يومياً ولا تستطيع رفعها الى مستوعبات الزبالة فتلقيها ارضا؟ ربما يصلح السؤال موضوعاً لمسابقة تلفزيونية في رمضان الكريم جداً... ولعل متسابقاً مثقفاً من أنصار فضائية الشارقة الملتزمة يرد على الفور: فتّش عن دولة الرعاية والرفاه, فهذه الدولة تقوم برعاية المواطن من المهد الى اللحد, فتوفر له التعليم والصحة والوظيفة والمسكن والزوجة ونفقات الأولاد, مع اكثر من رخصة لمزاولة الاعمال الحرة وتأسيس الشركات, وهي بالتالي لا تستطيع ان تمنعه من ان يرمي ما يرى انه نال كفايته منه سواء كان طعاماً او ثياباً او... سيارة (!). ولكن لهذا المتسابق من انصار فضائية الشارقة الملتزمة يمكن ان نقول: ان السويد هي من أكثر الدول رعاية لمواطنيها في العالم, حتى ان برلمانها يناقش حالياً حق المواطن في (الموت الرحيم) اي الانتحار, ودور الدولة في مساعدته وتوفير الادوات الطبية الملائمة لرحلته الأخيرة, ومع ذلك فان زبالة المواطن المدعوم في السويد تقل ثلاث مرات عن زبالة المواطن المدعوم في السعودية, فكيف تفسر هذا اللغز؟ ولماذا تنجح دولة الرفاه والرعاية الاجتماعية في السويد في تحويل المواطنين الى موظفين وعمال منتجين, بينما تنتشر في دول الخليج ما يسمى (البطالة المقنعة) ؟ وكيف تستطيع السويد ان تقيم صناعة عالمية وان تنشىء شركات دولية, بينما يحترف كثيرون في الخليج تأجير رخصهم وشركاتهم من الباطن, لينتهوا غالباً غارقين في ديون لا تتسع اصحابها السجون المحلية؟ يقول الحكيم الصيني ولعل الاجابة هذه المرة تأتي من الصين, طالما اننا في عصر الفضائيات, حيث يقول الحكيم الصيني: لا تطعم ابنك السمك من السوق, بل علّمه كيف يصطاد السمك من النهر,... لأنك اذا اطعمت ابنك السمك من السوق, خسرته وخسرت السمك والسوق, اما اذا علمته كيف يصطاد من النهر فانك تكسب ابنك والسمك و.. النهر. ولمتابعة هذه المسابقة ربما من المفيد رصد الشعار الذي طرحته بلدية دبي لعام 2000 وهو ان لا تزيد حصة المواطن من الزبالة سنوياً عن 555 كيلوجراماً, وهذا رقم اذا تحقق, سوف يكشف عن ان النقمة يمكن ان تتحول نعمة أيضاً. ... بانتظار ان يصرف المزارع راعي الغنم وأن يرعى القطيع بنفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق