الملف السياسي ـ حكايات سياسية - التاريخ: 27 سبتمبر 2002
الجمعة 20 رجب 1423 هـ الموافق 27 سبتمبر 2002 يتقاضى كاتب
خطابات الرئيس في البيت الأبيض الراتب الثاني، بعد الرئيس، وهو أعلى من
راتب كبير الموظفين، وفي أيام الرئيس رونالد ريغان كان راتب الرئيس حوالي
(130) ألف دولار سنوياً، بينما كان راتب كاتب خطاباته حوالي (124) ألف
دولار، وراتب كبير الموظفين حوالي (122) ألف دولار، والسبب في هذا الدلال
الفاحش الذي يتمتع به كاتب الخطابات، هو أنّ مواصفات عديدة لا بُد أن تتوفر
فيه، من بينها أن يكون مؤرّخاً واقتصادياً وعالماً اجتماعياً وطبيباً
نفسياً ولغوياً ينافس شكسبير، وفي الوقت نفسه أن يتحدث بلغة قومه، وهي
مواصفات ليس من السهولة أن تتوفر في شخص واحد.
وتخرج من بين يدي كاتب خطابات الرئيس جميع الكلمات التي سوف تخرج من بين شفتي الرئيس سواء كانت شفهية لتلقى في جمع عام أو مكتوبة وموجهة إلى جهات محددة، ومن بينها رجال الكونغرس. وعلى هذه الخلفية يمكن قراءة «استراتيجية الأمن القومي الأميركي» التي قدمها الرئيس جورج دبليو بوش إلى الكونغرس، الأسبوع الماضي، ونختار منها عبارتين تختزنان تاريخاً كانت الجزيرة العربية طرفاً في كتابته. الرق والقرصنة قال الرئيس بوش في «استراتيجيته القومية»: إننا سوف نشن حرب أفكار للانتصار في المعركة ضد الإرهاب الدولي، ويشمل ذلك: ـ استغلال نفوذ الولايات المتحدة الكامل والعمل بصورة وثيقة مع الحلفاء والأصدقاء لإيضاح أن كافة الأعمال الإرهابية تعدّ غير مشروعة، وسينظر إليها كما ينظر إلى الرّق والقرصنة والإبادة البشرية باعتبارها سلوكاً مارقاً لا تقبل به أية دولة ويجب معارضته بشكل مطلق. ـ مساندة الدول المعتدلة والعصرية الحديثة، خاصة في العالم الإسلامي، لضمان أن الظروف والأيديولوجيات التي تشجع على الإرهاب لا تجد لهما أرضاً خصبة في أية دولة. نتوقف أمام هاتين العبارتين أو الفقرتين من استراتيجية الرئيس لأنهما تقرعان في ذاكرة العالم المعاصر أكثر من جرس، فعبارة «الإبادة البشرية» ترتبط في الذاكرة المعاصرة بالهولوكوست أو المحرقة اليهودية، وهو ما يحرص اليهود على تذكير العالم به صبحاً وعشية. ولكن ماذا عن «الرّق والقرصنة» وقد جعلهما الرئيس الأميركي مترادفتين؟ ليس في العالم المعاصر وتاريخ نصف القرن الماضي ما يجعل من القرصنة والرّق مشكلة. ومن السذاجة أن نعتقد أن المفردتين وردتا عرضاً لأن كاتب خطابات الرئيس يستحق راتبه، خاصة وأن الحديث عن العالم الإسلامي جاء خلفهما مباشرة لتوضيح الصورة. وهذه ليست محاولة للتحريض على الرئيس الأميركي، بقدر ما هي محاولة لردّ التحريض الغربي ضدنا منذ عشرات العقود، وهو ما زال مستمراً. وإنصافاً للولايات المتحدة فإنها لم تقف يوماً ضد الإسلام كدين، بل إنها في بعض المراحل اختارت إدارتها أن تكون حاضنة له، فقد كان هنري كيسنجر أول من اقترح، وقبل أن يصير وزيراً للخارجية في إدارة نيكسون، إقامة «حزام إسلامي» على تخوم الاتحاد السوفييتي، يطوّقه ويمنع تمدده ويساهم في خنقه، ومع اجتياح الجيش الأحمر لأفغانستان بات الواقع يتجاوز أكثر أحلام كيسنجر طموحاً، فالمسلمون لم يعودوا يواجهون «الإلحاد» الشيوعي في المساجد بل على خطوط النار، وكم كان الرئيس رونالد ريغان، وبدعم من الائتلاف المسيحي والأغلبية الأخلاقية المسيحية سعيداً وهو يستقبل وفد المجاهدين الأفغان في البيت الأبيض، ويطلق عليهم لقب «مقاتلو الحرية». العدالة و... حزب العدالة للانصاف أيضاً، فإن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وعد بتسويق الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأكد في استراتيجيته القومية «ان الدولة التي تلتزم بحماية حقوق الانسان الاساسية وضمن الحرية السياسية والاقتصادية ستكون قادرة على اطلاق طاقات شعوبها وضمان ازدهارها المستقبلي... وواجب حماية هذه القيم ضد الاعداء يقع على عاتق كل محبي الحرية في جميع انحاء العالم عبر كل العصور». كلمات بليغة أليس كذلك؟ ولكن كاتب خطابات الرئيس فاته انه في اليوم نفسه الذي كان يقدم فيه استراتيجيته للكونغرس، كان أكثر الحلفاء في الشرق الأوسط، قرباً منه بعد اسرائيل، وهو تركيا يمنع زعيم حزب العدالة والترّقي أربكان من ترشيح نفسه للانتخابات المقبلة، بسبب قصيدة ألقاها، قبل ثلاث سنوات، عندما كان عمدة لمدينة اسطنبول، وصفتها المحكمة بأنها تثير العداء الديني، وجاء فيها: «ان المساجد ملجأنا، والقباب خوذتنا، والمؤمنين جنودنا». وتقول «نيويورك تايمز» حول هذا الموضوع: «ان قائد أكثر الاحزاب شعبية في تركيا لن يكون قادراً على تسلّم منصب رئيس الوزراء حتى ولو ربح حزبه الانتخابات». بينما يقول الرئيس بوش في استراتيجيته: «يجب ان تقف الولايات المتحدة بثبات الى جانب المطالب غير القابلة للتفاوض بالكرامة الانسانية وحكم القانون ووضع القيود على القوة المطلقة للدولة، وحرية التعبير وحرية العبادة والعدالة للجميع...». ... ولعل كاتب خطابات الرئيس يدافع عن العدالة عندما لا تكون حزباً وخارج منطقة الشرق الأوسط. بقلم: شوقي رافع
وتخرج من بين يدي كاتب خطابات الرئيس جميع الكلمات التي سوف تخرج من بين شفتي الرئيس سواء كانت شفهية لتلقى في جمع عام أو مكتوبة وموجهة إلى جهات محددة، ومن بينها رجال الكونغرس. وعلى هذه الخلفية يمكن قراءة «استراتيجية الأمن القومي الأميركي» التي قدمها الرئيس جورج دبليو بوش إلى الكونغرس، الأسبوع الماضي، ونختار منها عبارتين تختزنان تاريخاً كانت الجزيرة العربية طرفاً في كتابته. الرق والقرصنة قال الرئيس بوش في «استراتيجيته القومية»: إننا سوف نشن حرب أفكار للانتصار في المعركة ضد الإرهاب الدولي، ويشمل ذلك: ـ استغلال نفوذ الولايات المتحدة الكامل والعمل بصورة وثيقة مع الحلفاء والأصدقاء لإيضاح أن كافة الأعمال الإرهابية تعدّ غير مشروعة، وسينظر إليها كما ينظر إلى الرّق والقرصنة والإبادة البشرية باعتبارها سلوكاً مارقاً لا تقبل به أية دولة ويجب معارضته بشكل مطلق. ـ مساندة الدول المعتدلة والعصرية الحديثة، خاصة في العالم الإسلامي، لضمان أن الظروف والأيديولوجيات التي تشجع على الإرهاب لا تجد لهما أرضاً خصبة في أية دولة. نتوقف أمام هاتين العبارتين أو الفقرتين من استراتيجية الرئيس لأنهما تقرعان في ذاكرة العالم المعاصر أكثر من جرس، فعبارة «الإبادة البشرية» ترتبط في الذاكرة المعاصرة بالهولوكوست أو المحرقة اليهودية، وهو ما يحرص اليهود على تذكير العالم به صبحاً وعشية. ولكن ماذا عن «الرّق والقرصنة» وقد جعلهما الرئيس الأميركي مترادفتين؟ ليس في العالم المعاصر وتاريخ نصف القرن الماضي ما يجعل من القرصنة والرّق مشكلة. ومن السذاجة أن نعتقد أن المفردتين وردتا عرضاً لأن كاتب خطابات الرئيس يستحق راتبه، خاصة وأن الحديث عن العالم الإسلامي جاء خلفهما مباشرة لتوضيح الصورة. وهذه ليست محاولة للتحريض على الرئيس الأميركي، بقدر ما هي محاولة لردّ التحريض الغربي ضدنا منذ عشرات العقود، وهو ما زال مستمراً. وإنصافاً للولايات المتحدة فإنها لم تقف يوماً ضد الإسلام كدين، بل إنها في بعض المراحل اختارت إدارتها أن تكون حاضنة له، فقد كان هنري كيسنجر أول من اقترح، وقبل أن يصير وزيراً للخارجية في إدارة نيكسون، إقامة «حزام إسلامي» على تخوم الاتحاد السوفييتي، يطوّقه ويمنع تمدده ويساهم في خنقه، ومع اجتياح الجيش الأحمر لأفغانستان بات الواقع يتجاوز أكثر أحلام كيسنجر طموحاً، فالمسلمون لم يعودوا يواجهون «الإلحاد» الشيوعي في المساجد بل على خطوط النار، وكم كان الرئيس رونالد ريغان، وبدعم من الائتلاف المسيحي والأغلبية الأخلاقية المسيحية سعيداً وهو يستقبل وفد المجاهدين الأفغان في البيت الأبيض، ويطلق عليهم لقب «مقاتلو الحرية». العدالة و... حزب العدالة للانصاف أيضاً، فإن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وعد بتسويق الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأكد في استراتيجيته القومية «ان الدولة التي تلتزم بحماية حقوق الانسان الاساسية وضمن الحرية السياسية والاقتصادية ستكون قادرة على اطلاق طاقات شعوبها وضمان ازدهارها المستقبلي... وواجب حماية هذه القيم ضد الاعداء يقع على عاتق كل محبي الحرية في جميع انحاء العالم عبر كل العصور». كلمات بليغة أليس كذلك؟ ولكن كاتب خطابات الرئيس فاته انه في اليوم نفسه الذي كان يقدم فيه استراتيجيته للكونغرس، كان أكثر الحلفاء في الشرق الأوسط، قرباً منه بعد اسرائيل، وهو تركيا يمنع زعيم حزب العدالة والترّقي أربكان من ترشيح نفسه للانتخابات المقبلة، بسبب قصيدة ألقاها، قبل ثلاث سنوات، عندما كان عمدة لمدينة اسطنبول، وصفتها المحكمة بأنها تثير العداء الديني، وجاء فيها: «ان المساجد ملجأنا، والقباب خوذتنا، والمؤمنين جنودنا». وتقول «نيويورك تايمز» حول هذا الموضوع: «ان قائد أكثر الاحزاب شعبية في تركيا لن يكون قادراً على تسلّم منصب رئيس الوزراء حتى ولو ربح حزبه الانتخابات». بينما يقول الرئيس بوش في استراتيجيته: «يجب ان تقف الولايات المتحدة بثبات الى جانب المطالب غير القابلة للتفاوض بالكرامة الانسانية وحكم القانون ووضع القيود على القوة المطلقة للدولة، وحرية التعبير وحرية العبادة والعدالة للجميع...». ... ولعل كاتب خطابات الرئيس يدافع عن العدالة عندما لا تكون حزباً وخارج منطقة الشرق الأوسط. بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق