حكايات سياسية، التاريخ:
30 أبريل 1999
الديمقراطية في تركيا هي ألعاب نارية, والالعاب النارية في اللغة التركية يقال لها(شنليك) في بلاد الشام يقولونها على طريقة غوار (شنّيك) اما في الخليج فيدللونها باسم شلّك . الانتخابات التركية شنليك وشنّيك وشلّك ومع ذلك فهي مهمة, ليس لانها تعكس مزاج المجتمع المدني, بل لانها تكشف عن نوايا العسكر.
العسكر في تركيا انقلبوا على الديمقراطية عام ,1961 وعام 1971 وعام ,1981 يعني كان نفسهم قصيرا, ولكنهم, مع التجربة, لم يعودوا مضطرين لاستخدام الذخيرة الحية في مناوراتهم, فالشنليك يكفي, واسقاط حكومة نجم الدين اربكان في العام 97 جاء بالضربة القاضية وعن طريق القضاء خير شاهد. ان عسكر تركيا صاروا محترفين في تفصيل ازياء المجتمع المدني بعيدا عن العمامة والحجاب والطربوش. تاريخ الذئاب من هنا السؤال: لماذا اختار العسكر عودة (الذئاب الرمادية) وهو الاسم الشعبي لحزب الحركة القومية, ومن هي الضحية المحتملة لتطرح قربانا في معلف الذئاب بعد ان تم ترويضها وتدريبها في الثكنات؟ الاجابة تقتضي العودة الى تاريخ الذئاب. في الساعة الخامسة والدقيقة الثانية عشرة, بتوقيت روما, يوم 13 مايو عام 1981 كانت ساحة القديس بطرس تغص بالمؤمنين من كل انحاء العالم لمشاهدة البابا والاستماع الى عظته الاسبوعية. كان البابا يسير, كالعادة, بين الجموع بسيارته المكشوفة, وفجأة انطلقت رصاصات, وهوى البابا, بين يدي حراسه, مضرجا بالدماء, اصيبت في الوقت نفسه سائحتان احداهما امريكية والاخرى من جامايكا. كاميرات التلفزيون كانت جاهزة في الساحة لتصوير البابا وهو يلقي عظته, وقد التقطت احداها صورة الرجل وهو يطلق النار من مسدس. كان المجرم, كما تبين فيما بعد هو محمد علي أقجه أو آغا. من هو محمد علي؟ السؤال تردد في غرف عمليات مراكز الاستخبارات في العالم كله, بينما الزلزال كان يتفجر براكين غضب في العالم الكاثوليكي, وجاء الجواب سريعا من تركيا: محمد علي آغا يميني متطرف ينتمي الى جماعة (الذئاب الرمادية) في تركيا, وكان مسجونا, ولكنه تمكن من الهرب من سجنه, والسلطات تقوم بالتحقيق في هذه الواقعة. قاتلان و... روايتان كانت تلك البرقيات الاولى, ثم ظهرت افلام اخرى كالعادة مع هواة كانوا في ساحة القديس بطرس لحظة وقوع الحادث, أحد تلك الافلام ظهر فيه شاب يطلق النار من مسدس. ولم يكن محمد علي (!). وتجاهل الاعلام هذا الفيلم الاخير, ولكن مجلة (كاونتر سباي ــ الجاسوسية المضادة) التي تصدر في الولايات المتحدة, جعلت من هذا الفيلم قضيتها, وفي تحقيق موسع شارك فيه اعلاميون ودبلوماسيون دعموا وجهات نظرهم بوثائق امريكية وشهادات, أظهرت رواية متناقضة تماما مع الروايات الرسمية, سواء في امريكا او ايطاليا او تركيا, وهذه الرواية يمكن ان نختصرها بعبارة واحدة: ان وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) شاركت في محاولة اغتيال البابا (!) . ومجلة ((كاونتر سباي) ليست مجلة اثارة وقد دعمت روايتها بعشرات الوقائع والوثائق, ومن ضمنها وثيقة عن رجال اعلام يعملون مع السي.اي.ايه في واشنطن وكان قد تم استدعاؤهم للعاصمة الايطالية على عجل ليقوموا بتغطية حدث مهم. على اية حال جاءت الرواية الثانية متأخرة, لأن الرواية الرسمية قالت ان محمد علي العضو السابق في الذئاب الرمادية هرب من سجنه بمساعدة يساريين اتراك ولجأ الى بلغاريا بهوية مزورة, وهناك تم تجنيده وتدريبه للعمل مع الشيوعية العالمية وكانت مهمته اغتيال البابا لان الشيوعية ضد الدين الذي تعتبره (افيون الشعوب) ووقع محمد علي على هذه الاعترافات. رواية مجلة (كاونتر سباي) قالت فيما بعد, ان الرئيس الامريكي رونالد ريجان كان يستعد لاطلاق شعاره عن (امبراطورية الشر) السوفييتية, ولعل محاولة اغتيال البابا على يد شيوعي مسلم تضرب اكثر من عصفور بحجر واحد, فهناك الجمهورية الاسلامية في ايران وتراث ازمة الرهائن الامريكيين في صفوف الشعب الامريكي, واذا اضيف اليها (امبراطورية الشر) السوفييتية, فعندئذ يمكن ان تتولى هوليوود صناعة باقي السيناريو. ونظرية (المؤامرة) مازالت تتناسل وعودة الذئاب الرمادية لتشارك في السلطة او لتقودها في تركيا تزيد هذه النظرية حضرية. ايران اكثر ديمقراطية من سوء حظ جنرالات تركيا (العلمانية) او من سوء تدبيرهم ان الغرب مازال يتعامل مع تركيا باعتبارها (دولة اسلامية) وفي تعليق نشرته مجلة (الايكونوميست) البريطانية تحت عنوان (الديمقراطية والاسلام) قبل الانتخابات التركية, قالت ان الديمقراطية والاسلام لايمكن ان يمتزجا معا, هذا ما تقوله تجربة الجيش في الجزائر وفي تركيا, ان الجيش في الجزائر أفسد الانتخابات, وهو ماينبغي على تركيا الا تفعله!!. ولكنها فعلته, والمفارقة الكبرى هي ان المجلة الرصينة قارنت بين السلطة (العلمانية) في تركيا والسلطة (الاسلامية) في طهران واكتشفت ان الجمهورية الاسلامية في ايران في عهد الرئيس خاتمي, باتت اكثر ديمقراطية من تركيا (العلمانية) . ونعيد السؤال: من هي الضحية المقبلة التي سوف يحاول العسكر تقديمها للذئاب الرمادية؟ فتش عن دول الجوار, فالتحالف مع اسرائيل هو تحالف الذئاب, وشهية الجنرالات مفتوحة على اتساعها, بعد ان تحول العرب الى فرق او يكادون؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق