الملف السياسي ـا لتاريخ: 12 أكتوبر 2001
حوار الحضارات عبارة «حمّالة أوجه» فهي قد تحمل معنى الخروف
ومعنى الجزار في آن واحد. ولا يملك المحاور دائما حرية اختيار من يكون.؟
كان اسمه «لاري» وقد جاء من مدينة نيواورليانز في الغرب الامريكي، وهي
المدينة التي تضرب ارقاما قياسية في عدد القتلى والمجرمين، كان يقول إن
السبب في هذه الظاهرة هو ارتفاع درجات الحرارة فيها صيفا، فمعظم الجرائم
تقع في فصل الصيف، وكان يقول ايضا: ان الحرارة تجعل المسافة بين الاصبع
والزناد قصيرة لذلك فان معظم الجرائم التي تقع في تلك المدينة لاترتكب عمدا
ومع سبق الاصرار، بل تقع فورا ولاسباب تافهة غالبا.
وقد غادر لاري مدينته الى العاصمة واشنطن على الساحل الشرقي ليعمل سائقا في احدى السفارات الخليجية، هاربا، كما يقول من ضريبة الدم، ويضيف: ولكن بعد ثلاث سنوات من العمل في السفارة اكتشفت ان واشنطن، رغم ان الحرارة معتدلة فيها صيفا وباردة شتاء، لا تقل دموية عن المدينة التي تركتها، ومن هنا فقد بدأ لاري يبحث عن فرصة اخرى، وامريكا هي ارض الفرص، ووجد فرصته بسهولة شديدة، فقد كانت السفارة تكلفه في الاسبوع ثلاث او اربع مرات ان يذهب ويشتري عدة رؤوس من الاغنام مذبوحة على الطريقة الاسلامية، اي ما يسمونه الذبح الحلال، وكان لاري يبحث لدى الباكستانيين والافغان والهنود عن تلك الخرفان الحلال، فيحملها الى احد المطاعم حيث يتم تجهيزها حشوا وشويا، الى ان تنضج فيعود بها الى حفل الغداء او العشاء الذي اقامته السفارة لضيوفها. ويقول لاري: وفي احد الايام هبطت علي الفكرة من السماء فسألت نفسي: لماذا لا افتح مزرعة لخرفان اللحم الحلال، فقد حفظت قراءة سورة الفاتحة بالعربية، وتعلمت طريقة الذبح، والمسلمون في واشنطن كثر والعمل وفير .. وهكذا ترك لاري عمله في السفارة بعد ان عثر على قطعة ارض قريبة من بلدة فيينا في فيرجينيا وهي لاتبعد اكثر من حوالي 40 كيلومترا عن العاصمة وحولها الى مزرعة للخرفان، يتم الذبح فيها على الطريقة الاسلامية، وهكذا تحول لاري الى احد المعالم البارزة في المطبخ الاسلامي، يقصد المسلمون مزرعته في نهاية الاسبوع، ويختارون خروفهم المفضل والسعر عند لاري محدود، اذ سواء كان الخروف صغيرا في حجم الارنب او كبيرا في حجم العجل فإن ثمنه هو 70 دولارا ـ كان ذلك في منتصف الثمانينيات، وقد ارتفع في منتصف التسعينيات الى 90 دولارا، وكان لاري يتقاضى 10 دولارات عن ذبح الخروف الواحد. أنا أمريكي اذن أنا مسلم؟ ازدهرت تجارة لاري ونمت معها امواله ومعارفه، وتردد بين الجاليات الاسلامية انه اشهر اسلامه، وعندما سألته عن حقيقة الخبر قال: لا حاجة لان اشهر اسلامي فانا مسلم بالفطرة، واضاف موضحا: اسمع، اعتقد ان كل امريكي هو مسلم، لاننا في امريكا نؤمن اشد مانؤمن بالمساواة بين البشر، وهو مايؤكد عليه الاسلام بشكل رئيسي، انا لست مثقفا ولكن من احاورهم من المسلمين يكشفون لي دائما ان الحلال ليس في اللحم فقط بل في العمل الشريف البعيد عن الغش والسرقة والخداع، وهذا ما نؤمن به نحن الامريكيين. وسألت لاري: تقصد ان تقول انا امريكي اذن انا مسلم؟ صمت برهة وقال بفرح طفولي: تماما، وسوف احفظ هذه العبارة. الأفغاني كان الافغان، وعددهم كان يتزايد باستمرار في تلك الفترة، يقصدون مزرعة لاري جماعات، ويختارون على عكس اهل الخليج، اكبر خروف في المزرعة، وكانوا يرفضون ان يقوم لاري بذبح الخروف، فقد كانوا يقومون بهذه المهمة بانفسهم، وببراعة اكبر، كانوا يذبحون الخروف، ثم ينفخونه، ويسلخون جلده من دون اي تشويه، ويقطعون الاقدام وينظفون الكروش والامعاء ويحملون كل هذا معهم فلا يبقى من الخروف سوى قرونه ودمائه بينما باقي المسلمين يكتفون باللحم فقط ويلقون بالباقي في مستوعب النفايات. وفي احدى المرات فوجئت ان لاري اختار مساعدا له يقوم بالذبح والسلخ والتقطيع وبكفاءة عالية، قال لاري: ان اسمه طويل ومعقد، لذلك اتفقت معه ان اناديه «الافغاني» وهو لايمانع، واضاف: هل تعلم ان هذا الافغاني منجم ذهب حقيقي؟ انه يسلخ الجلد ويقوم بتمليحه، وينظف الرأس والاحشاء والاقدام وكل هذا يباع ويرغب به المسلمون، بينما كنت ألقيه في القمامة. انه منجم فعلا، وكم اتمنى لو اكتشفته من قبل، ربما في المستقبل سأجعله شريكي. في عام 1995 عدت الى الولايات المتحدة، وزرت مزرعة لاري، استقبلني شريكه الافغاني بضحكة عريضة، قال: لقد اشترينا الارض المجاورة، وخصصناها للعجول، اعمالنا كبرت وسوف نتحول الى الصناعة ان لدينا الكثير من الجلود والامعاء والكروش وهذه ارباحها صافية، انها تكاد لا تكلف شيئا، ولكن حتى الامريكيين يتهافتون على شرائها، والفضل في ذلك لهذا الافغاني. اضاف مداعبا: ولكن لدي مشكلة معه، فالزبائن يطلبون على الهاتف غالبا الافغاني، فأسألهم، هل تقصدون الخروف ام الرجل؟ «كانوا يسيرون خلفي وكنت خائفة، لم اكن محجبة ولكنني كنت خائفة. قال احدهم سوف نذبح المسلمين في هذا البلد». من شهادة طالبة جامعية مسلمة مازالت تدرس في امريكا. بقلم: شوقي رافع
وقد غادر لاري مدينته الى العاصمة واشنطن على الساحل الشرقي ليعمل سائقا في احدى السفارات الخليجية، هاربا، كما يقول من ضريبة الدم، ويضيف: ولكن بعد ثلاث سنوات من العمل في السفارة اكتشفت ان واشنطن، رغم ان الحرارة معتدلة فيها صيفا وباردة شتاء، لا تقل دموية عن المدينة التي تركتها، ومن هنا فقد بدأ لاري يبحث عن فرصة اخرى، وامريكا هي ارض الفرص، ووجد فرصته بسهولة شديدة، فقد كانت السفارة تكلفه في الاسبوع ثلاث او اربع مرات ان يذهب ويشتري عدة رؤوس من الاغنام مذبوحة على الطريقة الاسلامية، اي ما يسمونه الذبح الحلال، وكان لاري يبحث لدى الباكستانيين والافغان والهنود عن تلك الخرفان الحلال، فيحملها الى احد المطاعم حيث يتم تجهيزها حشوا وشويا، الى ان تنضج فيعود بها الى حفل الغداء او العشاء الذي اقامته السفارة لضيوفها. ويقول لاري: وفي احد الايام هبطت علي الفكرة من السماء فسألت نفسي: لماذا لا افتح مزرعة لخرفان اللحم الحلال، فقد حفظت قراءة سورة الفاتحة بالعربية، وتعلمت طريقة الذبح، والمسلمون في واشنطن كثر والعمل وفير .. وهكذا ترك لاري عمله في السفارة بعد ان عثر على قطعة ارض قريبة من بلدة فيينا في فيرجينيا وهي لاتبعد اكثر من حوالي 40 كيلومترا عن العاصمة وحولها الى مزرعة للخرفان، يتم الذبح فيها على الطريقة الاسلامية، وهكذا تحول لاري الى احد المعالم البارزة في المطبخ الاسلامي، يقصد المسلمون مزرعته في نهاية الاسبوع، ويختارون خروفهم المفضل والسعر عند لاري محدود، اذ سواء كان الخروف صغيرا في حجم الارنب او كبيرا في حجم العجل فإن ثمنه هو 70 دولارا ـ كان ذلك في منتصف الثمانينيات، وقد ارتفع في منتصف التسعينيات الى 90 دولارا، وكان لاري يتقاضى 10 دولارات عن ذبح الخروف الواحد. أنا أمريكي اذن أنا مسلم؟ ازدهرت تجارة لاري ونمت معها امواله ومعارفه، وتردد بين الجاليات الاسلامية انه اشهر اسلامه، وعندما سألته عن حقيقة الخبر قال: لا حاجة لان اشهر اسلامي فانا مسلم بالفطرة، واضاف موضحا: اسمع، اعتقد ان كل امريكي هو مسلم، لاننا في امريكا نؤمن اشد مانؤمن بالمساواة بين البشر، وهو مايؤكد عليه الاسلام بشكل رئيسي، انا لست مثقفا ولكن من احاورهم من المسلمين يكشفون لي دائما ان الحلال ليس في اللحم فقط بل في العمل الشريف البعيد عن الغش والسرقة والخداع، وهذا ما نؤمن به نحن الامريكيين. وسألت لاري: تقصد ان تقول انا امريكي اذن انا مسلم؟ صمت برهة وقال بفرح طفولي: تماما، وسوف احفظ هذه العبارة. الأفغاني كان الافغان، وعددهم كان يتزايد باستمرار في تلك الفترة، يقصدون مزرعة لاري جماعات، ويختارون على عكس اهل الخليج، اكبر خروف في المزرعة، وكانوا يرفضون ان يقوم لاري بذبح الخروف، فقد كانوا يقومون بهذه المهمة بانفسهم، وببراعة اكبر، كانوا يذبحون الخروف، ثم ينفخونه، ويسلخون جلده من دون اي تشويه، ويقطعون الاقدام وينظفون الكروش والامعاء ويحملون كل هذا معهم فلا يبقى من الخروف سوى قرونه ودمائه بينما باقي المسلمين يكتفون باللحم فقط ويلقون بالباقي في مستوعب النفايات. وفي احدى المرات فوجئت ان لاري اختار مساعدا له يقوم بالذبح والسلخ والتقطيع وبكفاءة عالية، قال لاري: ان اسمه طويل ومعقد، لذلك اتفقت معه ان اناديه «الافغاني» وهو لايمانع، واضاف: هل تعلم ان هذا الافغاني منجم ذهب حقيقي؟ انه يسلخ الجلد ويقوم بتمليحه، وينظف الرأس والاحشاء والاقدام وكل هذا يباع ويرغب به المسلمون، بينما كنت ألقيه في القمامة. انه منجم فعلا، وكم اتمنى لو اكتشفته من قبل، ربما في المستقبل سأجعله شريكي. في عام 1995 عدت الى الولايات المتحدة، وزرت مزرعة لاري، استقبلني شريكه الافغاني بضحكة عريضة، قال: لقد اشترينا الارض المجاورة، وخصصناها للعجول، اعمالنا كبرت وسوف نتحول الى الصناعة ان لدينا الكثير من الجلود والامعاء والكروش وهذه ارباحها صافية، انها تكاد لا تكلف شيئا، ولكن حتى الامريكيين يتهافتون على شرائها، والفضل في ذلك لهذا الافغاني. اضاف مداعبا: ولكن لدي مشكلة معه، فالزبائن يطلبون على الهاتف غالبا الافغاني، فأسألهم، هل تقصدون الخروف ام الرجل؟ «كانوا يسيرون خلفي وكنت خائفة، لم اكن محجبة ولكنني كنت خائفة. قال احدهم سوف نذبح المسلمين في هذا البلد». من شهادة طالبة جامعية مسلمة مازالت تدرس في امريكا. بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق