تحقيق: شوقي رافع - غسان حبال - التاريخ:
04 مارس 1998
سألنا رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري (لنفترض أن اسرائيل
سحبت قواتها من جنوب لبنان هل يمكن أن تسمح باستخدام أراضي لبنان لضرب
اسرائيل ؟ ورد الرئيس الحريري: (اذا أرادت اسرائيل أن تنسحب من جنوب لبنان
فإنها تعرف الطريق, لاتحتاج لمن يدلها عليها, وليس هناك داع لنشغل أنفسنا
بالبحث عن مخرج لها, هناك قرار دولي هو القرار 425 واسرائيل لم تعترف حتى
الآن بهذا القرار, فإذا كان هناك جدية عندهم في الانسحاب, فليعترفوا
بالقرار, الآن أنت تطلب مني أن أقول ماذا سأفعل إذا انسحبت اسرائيل من
الجنوب؟ عليها أولاً أن تعترف بالقرار, إذا شاءت الانسحاب على أساسه, لقد
عقدنا 11 جولة من المحادثات في واي بلانتيشن كان خلالها الوفد الاسرائيلي
يرفض أن يلفظ عبارة القرار رقم ,425 مجرد لفظها. ان الاعتراف بهذا القرار
ربما يكون بداية الحل, وكما تلاحظ فإن إسرائيل تعترف بالقرارين 242 و338
وإن كان لها تفسيرها الخاص لهما ولكنها على الأقل تعترف بهما أما القرار
425 فهي لاتعترف به نهائيا, وبالتالي فإن الاعتراف أولاً قد يكون بداية
الحل (هذا الحوار مع الرئيس الحريري جرى في مقره في قريطم يوم السادس من
ديسمبر الماضي).
وبعد مرور اقل من ستة اسابيع اعترفت اسرائيل بالقرار وفي
27 يناير الماضي تقدم المندوب الاسرائيلي في الامم المتحدة دوري جولد
برسالة الى الامين العام كوفي عنان يقول فيها ان القرار رقم 425, كما تراه
اسرائيل, (لاينص على انسحاب اسرائيلي غير مشروط من لبنان) , ودعت اسرائيل
لبنان الى مفاوضات وطلبت ضمانات.. وهو ما اعتبره وزير الاعلام اللبناني
باسم السبع (محاولة لتفخيخ القرار وتلغيمه وشحنه بالمواد المتفجرة) . (الفخ
الاسرائيلي) يحمل اكثر من عنوان, ولكن ابرز هذه العناوين واكثرها خبثا هو
(جزين اولا) وجزين لمن لايعرفها هي بوابة الجنوب, والسيناريو الاسرائيلي
يريد تحويلها الى (بوابة الجحيم) عبر خلق فتنة بين سكانها المسيحيين
الصامدين, او من بقي منهم, وبين مقاتلي المقاومة الاسلامية ــ الجناح
العسكري لحزب الله - ويأمل العدو ان تمتد نيران هذه الفتنة الى لبنان كله.
هذا ما تؤكده القيادة السورية, حيث ينقل عنها زوار دمشق من المسؤولين
اللبنانيين ان احتمالات الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب او من مناطق فيه
واردة بشدة بهدف ارباك الوضع الداخلي اولا في لبنان, وثانيا محاولة طرح فصل
المسارين اللبناني والسوري في المفاوضات. اذن, بعد 20 عاما على صدور
القرار رقم 425, وذكراه تصادف في 18 الشهر الجاري, فإن المعركة باتت مفتوحة
وساحتها اليوم جزين المحكومة برجال ميليشيات الجنوبي والمخابرات
الاسرائيلية ومنها نبدأ. الأهالي يسألون عن توطين الفلسطينيين: عدد السكان
انخفض من 80 الفا الى 8 آلاف جزين ارض محتلة. وكما في كل ارض محتلة فان
قانون الصمت يحكم الناس (بلا الصورة وبلا الاسم) عبارة تتكرر بينما العيون
يسكنها القلق وهي تنظر الى الخلف, يقول مواطن من المدينة قبل ان ترجع
الدولة ما فينا نحكي. ومع ذلك نجمع من حصيلة الحديث مع الاهالي بعض
المعلومات هنا ابرزها. كان عدد السكان في قضاء جزين يصل قبل الاحتلال الى
80 الف نسمة اليوم ان العدد ثمانية آلاف نسمة فقط, ومن هؤلاء اربعة آلاف
نسمة صامدون في مدينة جزين, وكان عددهم في المدينة حوالي 60 الفا, يقول
واحد (هل تعتقد ان هناك مشروعا لتوطين الفلسطينيين في منطقتنا بعد تهجيرنا)
؟ الهجرة الى لبنان المستقل يضم قضاء جزين خمس بلديات هي: جزين, روم,
صيدون, بتدين اللقش وبكاسين, ومع ان في المنطقة 21 مدرسة رسمية الا انه من
بين هذه المدارس هناك اثنتان فقط تعملان حاليا هما مدرسة جزين الرسمية وتضم
201 طالب ومدرسة روم الرسمية وتضم 87 طالبا فقط, يضاف اليهما ثلاث مدارس
خاصة هي مدرسة مشموشة, مدرسة راهبات جزين وفرع للمدرسة نفسها في بلدة
بكاسين, ويبلغ مجموع الطلاب في هذه المدارس جميعها 1640 طالبا وطالبه بينهم
(1430) طالبا في المرحلة الابتدائية, وهذا يعني كما يقول احدهم (اما ان
نتخلى عن الارض, او نتخلى عن الاولاد. نحن مع الخيار الثاني واولادنا بعد
الابتدائية نرسلهم الى لبنان المستقل) . اما على الصعيد المهني فهناك مدرسة
مهنية واحدة ما زالت تعمل وفيها 120 طالبا. نعيش وحدنا حالة حرب تعتمد
منطقة جزين المحتلة منذ العام 1983 على سنترالات الهاتف الخاصة فالهاتف
الحكومي مقطوع منذ ذلك التاريخ, وكذلك المياه, حيث كانت المنطقة تعتمد على
مياه نبع الطاسة, وهذه قطعت مع الاحتلال, وبات الاهالي يعتمدون اليوم على
مياه الآبار الارتوازية, اما الكهرباء فهي تعتمد على نظام تقنين مشدد
(كأننا مازلنا نعيش وحدنا حالة الحرب) كما يقول احدهم. في مدينة جزين
مستشفى واحد هو اقرب الى مستوصف, كان قبل الاحتلال يحمل اسم المستشفى
الحكومي وكان يستقبل المرضى والحالات الصعبة من جميع المناطق اما اليوم
فانه لا يوفر الا الاسعافات الاولية, وهو ما يضع الحوامل والمرضى المزمنين
في حالة قلق دائم, خاصة وان الطريق الى مستشفى مرجعيون محفوف بالمخاطر
اضافة الى وعورة المسالك الجبلية وبعد المسافة, ويعلق مواطن معبر (كفر
فالوس) للحوامل مثل بوابة الجنة لأنه يضمن ان المولود لن يسقط على الطريق) .
كان عدد المزارعين في جزين قبل الاحتلال 250 مزارعا فانخفض العدد الى
حوالي 100 مزارع, كما انخفض الانتاج من التفاح وهو المحصول الرئيسي للمنط
قة من 120 الف صندوق الى 60 الفا. 80 منزلا جديدا فقط جزين منطقة اصطياف
ترتفع عن سطح البحر 900 متر, وتشتهر بالحرف والصناعات اليدوية, واشهرها
الخنجر الجزيني وقد انخفض عدد العاملين في هذه الحرف من 300 عامل قبل
الاحتلال الى 30 عاملا في الوقت الراهن ويعلق مواطن بسخرية مريرة (كنا نصدر
الخناجر واليوم صرنا ضحيتها... ومن الجميع) . على مدى 16 عاما من الاحتلال
لم تشهد منطقة جزين سوى بناء 80 منزلا, وهذا الرقم كما يقول احد الاهالي,
كنا نحققه في ستة اشهر قبل الاحتلال. ويبقى ان اهالي جزين يسددون الضرائب
للحكومة كما هو حال المواطنين في باقي المناطق اللبنانية ويخضعون للقضاء
اللبناني, ومازالت المؤسسات الرسمية الامنية والقضائية والعدلية والاحوال
الشخصية تقوم بعملها (ولكن ما ننتظره هو وصول الجيش اللبناني.... وعلى احر
من الجمر) يقولها مواطن بصوت خافت وهو يلقي نظرات سريعة حوله خوفا من
الميليشيات وقهر الاحتلال. تحقيق: شوقي رافع - غسان حبال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق