حكايات سياسية: بقلم-شوقي رافع - التاريخ: 16 أكتوبر 1998
تانجو جعفر بن المرثوم بن تانجو بن عبدالرحمن هو اسم(الملك
الاسمى)الحاكم في ماليزيا اليوم, وهو حفيد ذلك الامير الهارب من مملكة
(جوهر)الذي لجأ الى مالاقا واقام فيها في مطلع القرن الرابع عشر للميلاد
مملكة مترامية الاطراف, تميّزت عن سواها بانها كانت على دين ملوكها وهو
الاسلام, وقد جاء هذا الاسلام عبر التجار العرب الذين وصلوا الهند, وانتقل
الى مملكة (جوهر) ومنها حملة الامير الى مملكة مالاقا التي صمدت ما يزيد عن
قرن وربع القرن قبل ان يجتاحها الاسطول البرتغالي. الحرب ليست مع التاريخ
واذا كان كثيرون اليوم لا يعرفون ان (الملك الاسمى) مازال يحكم في ماليزيا
فالسبب هو ان ماليزيا, من بين دول الارض كلها, لا تملك مخطوطات مكتوبة تكشف
عن تاريخها, كما انه ليس فيها آثار ولا حفريات يمكن ان تثبت صحة نسبة
الملك الى ذلك الامير الهارب من مملكة جوهر.
مع ذلك فان التاريخ ليس السبب الرئيسي لتغييب الملك الذي لا يظهر الا على منصة الاحتفالات في يوم الاستقلال وخلال العرض العسكري, بل السبب هو ان رئيس الوزراء داتوك سري مهاتير بن محمد اشعل في عام 1982 حربا غير مقدسة ضد السلالة الملكية, استنفر خلالها الشعب والاحزاب والبرلمان, وانتهت بتحويل الملك الاسمى الى رمز, يملك ولا يحكم, ولكن حقوقه وحقوق اسرته محفوظة في بند المخصصات من ميزانية الدولة, ثم انه, وعلى خلاف الملوك في سائر اصقاع الارض يتم انتخاب ملك بديل عنه كل خمس سنوات, اما الناخبون فهم (مجلس السلالات) (!). والملك الاسمى هو واحد فحسب من ضحايا الدكتور مهاتير محمد, اذ في عام 1987 ثار الحزب الحاكم على ديكتاتورية الدكتور وكاد يطيحه في اقتراع امام البرلمان, ولكن الدكتور لم يمهل المنشقين فأطلق قوات الشرطة والاستخبارات في اثرهم, وفي ليلة واحدة, تم اعتقال 106 شخصيات من كبار السياسيين والاكاديميين والناشطين في مجال حقوق الانسان, ولم يكن الدكتور في حاجة الى توجيه تهمة لاعتقالهم, اذ انه نبش قانونا موروثا عن الاستعمار البريطاني يقضي بالحجز الاداري على كل مشبوه بارتكاب اعمال ارهابية, وهو القانون البريطاني نفسه الذي تستخدمه السلطات الاسرائيلية في اعتقال الفلسطينيين اداريا (!). ضربوني من دون وعي مع ان ماليزيا دولة فيدرالية ديمقراطية ذات ملكية دستورية الا ان الديمقراطية, وكذلك الفيدرالية فيها مازالت قشرة رقيقة, فقد انفصلت عنها سنغافورة في العام 1965 وأقامت دولة مستقلة, اما على صعيد الديمقراطية فتكفي الاشارة الى ان الدكتور مهاتير بن محمد سمح بظهور نائبه السابق انور ابراهيم في قاعة المحكمة والخدوش تغطي وجهه بالاضافة الى كدمة سوداء تحيط باحدى عينيه, وعندما صرخ انور: ان رجال الشرطة ضربوني ومن دون وعي, ردّ مهاتير: ان هذا يحدث احيانا عندما يقوم السجين باستفزاز رجال الشرطة (!). نائب رئيس الوزراء السابق ورفيق العمر انور ابراهيم كان يحزم حقائبه للسفر الى واشنطن, كي يترأس احدى الجلسات المشتركة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبحضور ما يزيد عن 2000 شخصية من رجال المال والاعمال والسياسة, ولكن الرئيس مهاتير لم يمهله, اذ اعتقله بخمس تهم, من بينها اللواط مع شقيقه بالتبني, ومع شخص ثالث, وهي تهمة في مجتمع محافظ قادرة على ان تقصم ظهر البعير. الدكتور مهاتير راقب ما جرى في اندونيسيا المجاورة واستخلص الدرس والعبرة بسرعة قياسية, وبدل ان ينتظر انور ابراهيم كي يقوم بالدور الذي قام به حبيبي مع سوهارتو, انقض على ربيبه وتغداه قبل ان يتعشى به, على ما يقول المثل. حروب المواطنين والمجنسين وربما كنا نظلم الدكتور مهاتير بن محمد ونتعسّف في الحكم عليه عندما نطالبه بممارسة الديمقراطية على الطريقة الغربية, اذ ان ماليزيا التي يحكمها دولة مثقلة بالتناقضات والحروب الداخلية العرقية والدينية الموروثة. ففي عام 1947 قرر المستعمر البريطاني مكافأة التجار والعمال الصينيين والهنود الذين تعاونوا معه على تسيير شؤون ماليزيا بمنحهم الجنسية الماليزية, غير ان الاغلبية الملاوية المسلمة قامت بمسيرات احتجاج وتظاهرات عاصفة انتهت باسقاط القانون, كان الصراع بين المواطنين والوافدين هو صراع اقتصادي في الاساس اذ ان الصينيين خاصة كانوا يسيطرون على التجارة, في وقت لم يكن فيه صناعة او خدمات, وبالتالي كان المواطن هامشيا يحصل على( الفتات من خيرات بلده, ولكن في انتخابات العام 1955 جرت محاولة لتجاوز هذه الحرب العنصرية, فتم تشكيل من احزاب هي منظمة الملاويين الوطنية المتحدة, ثم الرابطة الملاوية الصينية, وكذلك المؤتمر الملاوي الهندي, ودخلت هذه الاحزاب في ائتلاف واحد وحققت فوزا كبيرا, وتم اثر هذه الانتخابات منح الجنسية لعدد كبير من الصينيين والهنود المقيمين, غير انه وفي عام 1960 عادت المعارك لتشتعل مجددا عندما طالبت الاغلبية الملاوية بتوطين اللغة والتعليم, وتجددت هذه الاشتباكات في عام 1969 حيث سقط ما يزيد عن 200 قتيل في العاصمة كوالا لامبور. مما دفع اول رئيس وزراء وهو تانكو عبدالرحمن ان يفرض قوانين جديدة تعتبر التحريض العنصري او الديني جريمة يعاقب عليها القانون, بالاضافة الى وضع سياسة تهدف الى رفع مستوى الحياة في صفوف الاغلبية الملاوية ومنحها الاولوية في خطط التنمية. وقد تعززت هذه السياسة مع وصول رئيس الوزراء الثاني داتوك حسين اون الذي حكم منذ 1974 وحتى عام 1981, وفي ذلك العام كان الدهر يبتسم لنائبه مهاتير بن محمد فتولى من بعده رئاسة الحكومة... ومازال يحكم حتى يومنا هذا. رفاق الزنزانة يوم الاحد الاسبق وامام مقر الحزب الاسلامي في ضواحي العاصمة احتشد عشرات الالوف من مؤيدي الاطاحة بالدكتور مهاتير محمد, احد هؤلاء كان من بينهما حزب الشعب المعارض سيد حسين علي, وهو كان نزيلا في زنزانة واحدة مع انور ابراهيم, عندما كان هذا الاخير زعيما لاتحاد الطلاب, والمفارقة ان انور ابراهيم خرج من السجن ليلتحق بالحكومة وليصل بمساعدة الدكتور مهاتير الى منصب نائب رئيس الحكومة, بينما تابع سيد حسين علي نشاطه في صفوف المعارضة. يقول سيد علي (نعم انا معارض ولن ادافع عن رموز الحكومة, ولكن اعتقال انور ابراهيم بموجب قانون بريطاني جائر لا يخدم الديمقراطية ولا العدالة.. وعلى رئيس الوزراء ان يستقيل طوعا... وان يستفيد من تجربة اندونيسيا) . اما مجلة (الايكونويست) البريطانية فتقول ان الدخل القومي لماليزيا بلغ عام 1997 حوالي 194 مليار دولار.. وهو منذ ذلك الحين ينزلق بشدة, واذا نجح الدكتور مهاتير في وقف الانزلاق فان اهتمام الناخبين ربما ينصبّ على سوق الاسهم وليس على نزلاء السجون.
مع ذلك فان التاريخ ليس السبب الرئيسي لتغييب الملك الذي لا يظهر الا على منصة الاحتفالات في يوم الاستقلال وخلال العرض العسكري, بل السبب هو ان رئيس الوزراء داتوك سري مهاتير بن محمد اشعل في عام 1982 حربا غير مقدسة ضد السلالة الملكية, استنفر خلالها الشعب والاحزاب والبرلمان, وانتهت بتحويل الملك الاسمى الى رمز, يملك ولا يحكم, ولكن حقوقه وحقوق اسرته محفوظة في بند المخصصات من ميزانية الدولة, ثم انه, وعلى خلاف الملوك في سائر اصقاع الارض يتم انتخاب ملك بديل عنه كل خمس سنوات, اما الناخبون فهم (مجلس السلالات) (!). والملك الاسمى هو واحد فحسب من ضحايا الدكتور مهاتير محمد, اذ في عام 1987 ثار الحزب الحاكم على ديكتاتورية الدكتور وكاد يطيحه في اقتراع امام البرلمان, ولكن الدكتور لم يمهل المنشقين فأطلق قوات الشرطة والاستخبارات في اثرهم, وفي ليلة واحدة, تم اعتقال 106 شخصيات من كبار السياسيين والاكاديميين والناشطين في مجال حقوق الانسان, ولم يكن الدكتور في حاجة الى توجيه تهمة لاعتقالهم, اذ انه نبش قانونا موروثا عن الاستعمار البريطاني يقضي بالحجز الاداري على كل مشبوه بارتكاب اعمال ارهابية, وهو القانون البريطاني نفسه الذي تستخدمه السلطات الاسرائيلية في اعتقال الفلسطينيين اداريا (!). ضربوني من دون وعي مع ان ماليزيا دولة فيدرالية ديمقراطية ذات ملكية دستورية الا ان الديمقراطية, وكذلك الفيدرالية فيها مازالت قشرة رقيقة, فقد انفصلت عنها سنغافورة في العام 1965 وأقامت دولة مستقلة, اما على صعيد الديمقراطية فتكفي الاشارة الى ان الدكتور مهاتير بن محمد سمح بظهور نائبه السابق انور ابراهيم في قاعة المحكمة والخدوش تغطي وجهه بالاضافة الى كدمة سوداء تحيط باحدى عينيه, وعندما صرخ انور: ان رجال الشرطة ضربوني ومن دون وعي, ردّ مهاتير: ان هذا يحدث احيانا عندما يقوم السجين باستفزاز رجال الشرطة (!). نائب رئيس الوزراء السابق ورفيق العمر انور ابراهيم كان يحزم حقائبه للسفر الى واشنطن, كي يترأس احدى الجلسات المشتركة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبحضور ما يزيد عن 2000 شخصية من رجال المال والاعمال والسياسة, ولكن الرئيس مهاتير لم يمهله, اذ اعتقله بخمس تهم, من بينها اللواط مع شقيقه بالتبني, ومع شخص ثالث, وهي تهمة في مجتمع محافظ قادرة على ان تقصم ظهر البعير. الدكتور مهاتير راقب ما جرى في اندونيسيا المجاورة واستخلص الدرس والعبرة بسرعة قياسية, وبدل ان ينتظر انور ابراهيم كي يقوم بالدور الذي قام به حبيبي مع سوهارتو, انقض على ربيبه وتغداه قبل ان يتعشى به, على ما يقول المثل. حروب المواطنين والمجنسين وربما كنا نظلم الدكتور مهاتير بن محمد ونتعسّف في الحكم عليه عندما نطالبه بممارسة الديمقراطية على الطريقة الغربية, اذ ان ماليزيا التي يحكمها دولة مثقلة بالتناقضات والحروب الداخلية العرقية والدينية الموروثة. ففي عام 1947 قرر المستعمر البريطاني مكافأة التجار والعمال الصينيين والهنود الذين تعاونوا معه على تسيير شؤون ماليزيا بمنحهم الجنسية الماليزية, غير ان الاغلبية الملاوية المسلمة قامت بمسيرات احتجاج وتظاهرات عاصفة انتهت باسقاط القانون, كان الصراع بين المواطنين والوافدين هو صراع اقتصادي في الاساس اذ ان الصينيين خاصة كانوا يسيطرون على التجارة, في وقت لم يكن فيه صناعة او خدمات, وبالتالي كان المواطن هامشيا يحصل على( الفتات من خيرات بلده, ولكن في انتخابات العام 1955 جرت محاولة لتجاوز هذه الحرب العنصرية, فتم تشكيل من احزاب هي منظمة الملاويين الوطنية المتحدة, ثم الرابطة الملاوية الصينية, وكذلك المؤتمر الملاوي الهندي, ودخلت هذه الاحزاب في ائتلاف واحد وحققت فوزا كبيرا, وتم اثر هذه الانتخابات منح الجنسية لعدد كبير من الصينيين والهنود المقيمين, غير انه وفي عام 1960 عادت المعارك لتشتعل مجددا عندما طالبت الاغلبية الملاوية بتوطين اللغة والتعليم, وتجددت هذه الاشتباكات في عام 1969 حيث سقط ما يزيد عن 200 قتيل في العاصمة كوالا لامبور. مما دفع اول رئيس وزراء وهو تانكو عبدالرحمن ان يفرض قوانين جديدة تعتبر التحريض العنصري او الديني جريمة يعاقب عليها القانون, بالاضافة الى وضع سياسة تهدف الى رفع مستوى الحياة في صفوف الاغلبية الملاوية ومنحها الاولوية في خطط التنمية. وقد تعززت هذه السياسة مع وصول رئيس الوزراء الثاني داتوك حسين اون الذي حكم منذ 1974 وحتى عام 1981, وفي ذلك العام كان الدهر يبتسم لنائبه مهاتير بن محمد فتولى من بعده رئاسة الحكومة... ومازال يحكم حتى يومنا هذا. رفاق الزنزانة يوم الاحد الاسبق وامام مقر الحزب الاسلامي في ضواحي العاصمة احتشد عشرات الالوف من مؤيدي الاطاحة بالدكتور مهاتير محمد, احد هؤلاء كان من بينهما حزب الشعب المعارض سيد حسين علي, وهو كان نزيلا في زنزانة واحدة مع انور ابراهيم, عندما كان هذا الاخير زعيما لاتحاد الطلاب, والمفارقة ان انور ابراهيم خرج من السجن ليلتحق بالحكومة وليصل بمساعدة الدكتور مهاتير الى منصب نائب رئيس الحكومة, بينما تابع سيد حسين علي نشاطه في صفوف المعارضة. يقول سيد علي (نعم انا معارض ولن ادافع عن رموز الحكومة, ولكن اعتقال انور ابراهيم بموجب قانون بريطاني جائر لا يخدم الديمقراطية ولا العدالة.. وعلى رئيس الوزراء ان يستقيل طوعا... وان يستفيد من تجربة اندونيسيا) . اما مجلة (الايكونويست) البريطانية فتقول ان الدخل القومي لماليزيا بلغ عام 1997 حوالي 194 مليار دولار.. وهو منذ ذلك الحين ينزلق بشدة, واذا نجح الدكتور مهاتير في وقف الانزلاق فان اهتمام الناخبين ربما ينصبّ على سوق الاسهم وليس على نزلاء السجون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق