من الملف السياسي: ، بقلم شوقي رافع - التاريخ: 10 ديسمبر 1999
تدخل دولة الامارات الالفية الثالثة بتجربة فريدة من نوعها,
ورائدة في عالم الدول النامية, فهي نجحت في تحقيق اول وحدة عربية في
التاريخ الحديث, كما يقول وزير الدفاع السوري العماد اول مصطفى طلاس,
ولانها شهادة من عسكري فانها تحمل قيمة مزدوجة للمؤسسات الحديثة التي قامت
على الاتحاد وساهمت في رعاية مسيرته في ظل القيادة السياسية للدولة الفتية
وهي تجربة تستحق الدراسة المتأنية لانها تشق طريقها في عالم مضطرب, متصارع,
تنهار فيه امبراطوريات, وتتفتت عند منعطفاته دول, وتتواجه فيه شعوب
بالسلاح, مع انها وعبر عقود كانت تستظل بعلم واحد. وليس سرا ان نجاح هذه
التجربة الرائدة يقوم على افتتاحها على العصر وإعادة تجديد وتطوير مؤسساتها
استجابة للتحديات وفي طليعتها العولمة, وهي في كل هذا تتمتع بخصوصية غنية
عن التعريف, يصح ان نسميها وعلى الطريقة الامريكية, بانها (المصّهر) يخرج
منه الافراد, على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم, مواطنين يحملون ملامح
الماضي وأحلام المستقبل والوطن.
ومن هنا ربما كان من المفيد العودة الى تجارب شعوب اخرى اختارت طريق الوحدة, ونجحت في الحفاظ على الثوابت في عالم متحول, وليس مثل التجربة الامريكية منجما لهذه التجارب, وهي لم تتوقف يوما عن محاولة اغناء الثوابت التي قامت عليها وفي طليعتها مؤسسة الاحصاء وهي التي اختارها الاباء المؤسسون قاعدة للديمقراطية الغربية. كم يبلغ عددكم؟ في العام 1790 كانت الولايات المتحدة الامريكية اول دولة عصرية تجعل من الاحصاء مهمة روتينية تقوم بها الحكومة دوريا. مفهوم الاحصاء بحد ذاته كان ثوريا في ذلك الوقت وقد تبناه الدستور انطلاقا من ان الحكومة المنتخبة اذا كانت سوف تعبر فعلا عن الناس فلابد اذن ان تقوم بجهود منظمة لتعرف كم يبلغ عدد هؤلاء الناس الذين سوف ينتخبونها وسوف تمثلهم, هذا ما يبدأ به تقرير نشرته مجلة (الايكونومست) البريطانية. اذن فان الاحصاء هو احدى دعائم الديمقراطية, واذا كان مجلس الشيوخ تم تأسيسه لتمثيل مصالح الولايات, فان مهمة مجلس النواب كانت تمثيل مصالح الافراد. ويؤكد الدستور الامريكي على انه بعد نهاية كل عقد من الزمن يعاد تحديد حصة ممثلي كل ولاية اعتمادا على الحجم النسبي للسكان فيها اي لابد من احصاء كل عشر سنوات وعلى ضوء نتائجه يحدد من يمثل من في الكونجرس. ومع تحرك السكان من مواقعهم وتنقلهم بين الولايات, كانت تتنقل بالتالي مراكز القوى فالولايات الغنية مثلا او التي يتم اكتشاف الثروات فيها كانت تستأثر بنفوذ اكبر من الولايات الفقيرة التي يغادرها سكانها بحثا عن فرص للرزق في ولاية اخرى, ومن هنا فان الاحصاء كان يتمتع بأهمية سياسية كبيرة وبالتالي كان موضع خلاف سياسي باستمرار, جورج واشنطن بطل الاستقلال, لم يكن سعيدا بأول احصاء لعدد السكان الامريكيين, فقد رأى ان العدد ضئيل جدا قياسا لما توقعه, ومن هنا واعتمادا على هذا التقليد العريق فان الاحصاء الذي سوف يتم في العام 2000 سوف يكون الاهم منذ العام 1920 عندما رفض ممثلو المزارعين في مجلس النواب الموافقة على تقليص عددهم بعد ان بينت الاحصاءات ان عددا كبيرا من الامريكيين انتقل الى المدن ولم يعد يعيش في الارياف. مدن وقرى وهنا لابد من وقفة ثانية مع التقرير اذ ان العدد في الاحصاء مهم ولكن الاهم انه يكشف عن حالة اجتماعية تبحث عن من يمثلها في الكونجرس, فاذا انتقل ابن الريف الى المدينة لا يحتاج الى من يمثله في الكونجرس كمزارع بل الى من يمثله باعتباره ابنا للمدينة, بينما في دول العالم الثالث, ومن بينها لبنان فان تقسيم الدوائر الانتخابية يعتمد على احصاءات قديمة اولا, ومشكوك في دقتها ثانيا, وترد اهل المدن الى اصولهم الريفية, وبالتالي بدل ان تخدم عملية التطور.. تلغيها (!), وعندما تقرر السلطة في العراق اخراج الاف الاسر من العاصمة بغداد واعادة توزيعها في الارياف التي خرجت منها فانها تعتمد المبدأ نفسه ولكن ميدانيا هذه المرة (!) ان الديمقراطية الشكلية ترد المواطن الى اصوله (ديمقراطيا) بينما النظام الاستبدادي يرده قسرا وعنوة, وفي الحالتين فان اعادة المواطن الى اصوله قاسم مشترك بين النظامين. العدد بالرأس ام بالعيّنة يقول التقرير ان الحزبين الجمهوري والديمقراطي يخوضون حاليا المعركة حول نظام الاحصاء وليس حول الاحصاء نفسه فهل يكون الاحصاء تقليدا يتم فيه عد الرؤوس رأسا برأس ام عبر اخذ عينات؟ والسؤال لا علاقة له بالميزانية او بالتوفير, اذ ان المبلغ المخصص لعملية الاحصاء هو ملياران و600 مليون دولار, (اي اكثر من 20 دولارا لاحصاء الرأس الواحد), وفي احصاء العام 1990 كانت المشكلة هي ان حوالي عشرة ملايين شخص لم يتم احصاؤهم ومعظم هؤلاء من الاقليات والفئات الهامشية التي تميل الى الحزب الديمقراطي, ومن هنا فإن مكتب الاحصاء اقترح للتغلب على هذه المشكلة ان يتم احصاء السكان تقليديا على ان تشكل النتائج 90%, ثم يضاف اليها 10% (غير المسجلين) ووفق اعتماد العينات الناتجة عن التعداد الحقيقي التقليدي للمواطنين.. وهنا قامت قيامة الجمهوريين ولم تقعد بعد الى حد ان الناطق السابق باسم الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب نيوت غينتفريتش اعتبر ان استخدام العينات في الاحصاء هو (مسدس موجه الى قلب) الاغلبية الجمهورية, ورفع شكوى الى المحكمة العليا التي امرت مكتب الاحصاء ان يعتمد الطريقة التقليدية, اي احصاء الرؤوس رأسا برأس. ومع ان هناك ميزانية اعلانية بمبلغ 100 مليون دولار لدعوة الامريكيين الى التعاون مع فرق الاحصاء والتجاوب في ملء الاستمارات الا ان المتوقع هو ان تكون النتائج اقل عددا من الواقع في الاحصاء المقبل, خاصة وان عدم الثقة بالحكومة والرغبة في المحافظة على الخصوصية سوف تدفع بعضهم لعدم الاستجابة والغياب عن تسجيل اسمه في الاحصاء. اكثر من ذلك, ان تنوع موجات الهجرة التي شهدتها الولايات المتحدة مؤخرا يعني: ان حاجزاً لغويا كبيرا سوف يقوم امام الجهود التي يبذلها مكتب الاحصاء. اذن فان الصراع هنا سوف يضطر الحزب الديمقراطي الى اعلان حالة التأهب والاستنفار في كل الجيوب (المعزولة) سواء في المدن او في الارياف ليدفع سكانها الى تسجيل انفسهم, وهي خطوة سوف تساهم بالتأكيد في تقدم المجتمع وتنميته, اعتمادا على الواقع الميداني وليس على الافتراضات النظرية, وهذه احدى محاسن الديمقراطية. الاعراق تختلط واذا تجاوزنا هذه المسألة, فان كاتب التقرير يؤكد ان الاحصاءات الجديدة سوف تكشف عن امة اكثر تعقيدا على الصعيد الاثني والعنصري من اي وقت سابق, اذ ان الولايات المتحدة في عام 2000 سوف تزيد حمولتها من أبناء امريكا اللاتينية (الجنوبية) الذين سوف يحصلون على الجنسية باعداد كبيرة بسبب التضييق عليهم في النصف الاول من العقد الحالي. ثم ان هذا الاحصاء سوف يكون بداية النهاية للقواعد التقليدية التي اعتمدتها امريكا رسميا في الاحصاء على مر تاريخها, وهي انه وللمرة الاولى سوف يكون باستطاعة الامريكيين ان يعرفوا انفسهم باعتبارهم (متعددي العروق) وهو امر لم يحصل من قبل. الحل هنا قد لا يبدو مثاليا ولكن مكتب الاحصاء سوف يسمح وللمرة الاولى ان يحدد الامريكي خيارا واحدا او اربعة خيارات دفعة واحدة في التعريف بنفسه, عبر استمارة تسأله: هل انت افريقي ـ امريكي, ام ابيض, ام اسيوي ـ باسيفيكي من الجزر, ام امريكي ـ هندي, الاسكاوي, نسبة لآلاسكا؟ سابقا كان مكتب الاحصاء يطلب تحديد هوية واحدة من الخيارات المطروحة اما في الاحصاء المقبل فان صاحب الاستمارة يستطيع ان يطرح الخيارات الاربعة معا في تعريف نفسه مع ملاحظة ان الامريكيين من اصل اسباني لا يخضعون لهذا التعريف العنصري لانهم قومية قائمة بذاتها ولا تخضع لهذه المواصفات. الامريكي المتعدد ان الوصول الى (تعدد الاعراق) جاء بعد ثلاث سنوات من النقاش الساخن والوجداني بين الدعاة الى الاعتراف بتعدد العروق وبين اللوبي التقليدي المدافع عن الحقوق المدنية للاقليات, وقد رفضت ادارة الرئيس بيل كلينتون اقتراحا بجمع متعددي العروق في تصنيف واحد واختارت تسوية تقوم على الجمع بين المواصفات التقليدية السائدة في التصنيفات الاربعة وبين تعدد العروق. ومع ان التعديل يبدو طفيفا, فإن الاعتراف باصحاب العروق المتعددة سوف يؤثر على السياسات الكبرى من نوع قانون المساواة بين العروق وترسيم الحدود الانتخابية لدوائر الاقليات, ولكن اهم النتائج على المدى البعيد سوف تكون الربكة الادارية, وهي ربما تقترب من حد الفوضى, اذ ليس من الواضح على الاطلاق وحتى الآن كيف يمكن ان تستخدم مسألة تعدد الاعراق, فهل تعتبر ابنة الافريقي ـ الامريكي من ام بيضاء/ سوداء عندما يحاول المسئولون رسم حدود الدوائر الانتخابية التي يسيطر عليها السود؟ وماذا عن مواطن امريكي يقول انه مزيج من الاسود والآسيوي والابيض, هل تصنفه الحكومة مع كل هذه الاعراق ام انه يختلف عنها جميعا وبالتالي فهو عرق جديد؟ اكثر من ذلك ان احصاءات العام 2000 المرتقبة لن تسجل نسبة كبيرة في ارتفاع عدد الآسيويين المهاجرين لامريكا مقارنة باحصائية العام 1990, اذ ان تجربة احصائية اجريت في عام 1996 تبين خلالها ان 30 بالمئة من الاسيويين الامريكيين يعرفون انفسهم بانهم متعددو الاعراق. ولا حاجة هنا للتوضيح ان التعدد العرقي يعني التنوع الثقافي وليس اللون وحده. ومع ان مكتب الاحصاء لايتوقع ان يختار الامريكيون اكثر من تصنيف واحد, فانه يلاحظ ان السياسة السابقة شجعت على اختيار ميراث واحد اكثر من سواه, بينما في السياسة الجديدة فان حرية الاختيار باتت اوسع امام الامريكي ليختار هويته العرقية وبالتالي الاجتماعية والثقافية. الزواج .. الزواج ان متعددي الاعراق من الامريكيين باتوا اكثر ظهورا, وغدا وجودهم قويا, اذ انه, ومنذ عام 1970 فان الاطفال نتيجة الزواج المختلط ارتفع عددهم اربع مرات في العام 1990 وبين اعوام 1960 ـ 1990 فإن عدد الزيجات التي كانت تعتبر غير شرعية لانها تكسر الحاجز العنصري ارتفعت بنسبة 900 بالمئة وفي كاليفورنيا حاليا, فإن واحدة من بين كل ست ولادت هي نتيجة اختلاط عرقي. الاباء المؤسسون يطلقون على الولايات المتحدة لقب (المصهر) حيث تذوب الاعراق وتندمج ليخرج منها جميعا ما يسمى المواطن الامريكي, ولعل احصاء العام 2000 سوف يعلن اكتشاف امريكا رسميا ومجددا للحرية ليس في الاعتراف بماضيها وتراثها فقط ولكن بورثة المستقبل ايضا.
ومن هنا ربما كان من المفيد العودة الى تجارب شعوب اخرى اختارت طريق الوحدة, ونجحت في الحفاظ على الثوابت في عالم متحول, وليس مثل التجربة الامريكية منجما لهذه التجارب, وهي لم تتوقف يوما عن محاولة اغناء الثوابت التي قامت عليها وفي طليعتها مؤسسة الاحصاء وهي التي اختارها الاباء المؤسسون قاعدة للديمقراطية الغربية. كم يبلغ عددكم؟ في العام 1790 كانت الولايات المتحدة الامريكية اول دولة عصرية تجعل من الاحصاء مهمة روتينية تقوم بها الحكومة دوريا. مفهوم الاحصاء بحد ذاته كان ثوريا في ذلك الوقت وقد تبناه الدستور انطلاقا من ان الحكومة المنتخبة اذا كانت سوف تعبر فعلا عن الناس فلابد اذن ان تقوم بجهود منظمة لتعرف كم يبلغ عدد هؤلاء الناس الذين سوف ينتخبونها وسوف تمثلهم, هذا ما يبدأ به تقرير نشرته مجلة (الايكونومست) البريطانية. اذن فان الاحصاء هو احدى دعائم الديمقراطية, واذا كان مجلس الشيوخ تم تأسيسه لتمثيل مصالح الولايات, فان مهمة مجلس النواب كانت تمثيل مصالح الافراد. ويؤكد الدستور الامريكي على انه بعد نهاية كل عقد من الزمن يعاد تحديد حصة ممثلي كل ولاية اعتمادا على الحجم النسبي للسكان فيها اي لابد من احصاء كل عشر سنوات وعلى ضوء نتائجه يحدد من يمثل من في الكونجرس. ومع تحرك السكان من مواقعهم وتنقلهم بين الولايات, كانت تتنقل بالتالي مراكز القوى فالولايات الغنية مثلا او التي يتم اكتشاف الثروات فيها كانت تستأثر بنفوذ اكبر من الولايات الفقيرة التي يغادرها سكانها بحثا عن فرص للرزق في ولاية اخرى, ومن هنا فان الاحصاء كان يتمتع بأهمية سياسية كبيرة وبالتالي كان موضع خلاف سياسي باستمرار, جورج واشنطن بطل الاستقلال, لم يكن سعيدا بأول احصاء لعدد السكان الامريكيين, فقد رأى ان العدد ضئيل جدا قياسا لما توقعه, ومن هنا واعتمادا على هذا التقليد العريق فان الاحصاء الذي سوف يتم في العام 2000 سوف يكون الاهم منذ العام 1920 عندما رفض ممثلو المزارعين في مجلس النواب الموافقة على تقليص عددهم بعد ان بينت الاحصاءات ان عددا كبيرا من الامريكيين انتقل الى المدن ولم يعد يعيش في الارياف. مدن وقرى وهنا لابد من وقفة ثانية مع التقرير اذ ان العدد في الاحصاء مهم ولكن الاهم انه يكشف عن حالة اجتماعية تبحث عن من يمثلها في الكونجرس, فاذا انتقل ابن الريف الى المدينة لا يحتاج الى من يمثله في الكونجرس كمزارع بل الى من يمثله باعتباره ابنا للمدينة, بينما في دول العالم الثالث, ومن بينها لبنان فان تقسيم الدوائر الانتخابية يعتمد على احصاءات قديمة اولا, ومشكوك في دقتها ثانيا, وترد اهل المدن الى اصولهم الريفية, وبالتالي بدل ان تخدم عملية التطور.. تلغيها (!), وعندما تقرر السلطة في العراق اخراج الاف الاسر من العاصمة بغداد واعادة توزيعها في الارياف التي خرجت منها فانها تعتمد المبدأ نفسه ولكن ميدانيا هذه المرة (!) ان الديمقراطية الشكلية ترد المواطن الى اصوله (ديمقراطيا) بينما النظام الاستبدادي يرده قسرا وعنوة, وفي الحالتين فان اعادة المواطن الى اصوله قاسم مشترك بين النظامين. العدد بالرأس ام بالعيّنة يقول التقرير ان الحزبين الجمهوري والديمقراطي يخوضون حاليا المعركة حول نظام الاحصاء وليس حول الاحصاء نفسه فهل يكون الاحصاء تقليدا يتم فيه عد الرؤوس رأسا برأس ام عبر اخذ عينات؟ والسؤال لا علاقة له بالميزانية او بالتوفير, اذ ان المبلغ المخصص لعملية الاحصاء هو ملياران و600 مليون دولار, (اي اكثر من 20 دولارا لاحصاء الرأس الواحد), وفي احصاء العام 1990 كانت المشكلة هي ان حوالي عشرة ملايين شخص لم يتم احصاؤهم ومعظم هؤلاء من الاقليات والفئات الهامشية التي تميل الى الحزب الديمقراطي, ومن هنا فإن مكتب الاحصاء اقترح للتغلب على هذه المشكلة ان يتم احصاء السكان تقليديا على ان تشكل النتائج 90%, ثم يضاف اليها 10% (غير المسجلين) ووفق اعتماد العينات الناتجة عن التعداد الحقيقي التقليدي للمواطنين.. وهنا قامت قيامة الجمهوريين ولم تقعد بعد الى حد ان الناطق السابق باسم الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب نيوت غينتفريتش اعتبر ان استخدام العينات في الاحصاء هو (مسدس موجه الى قلب) الاغلبية الجمهورية, ورفع شكوى الى المحكمة العليا التي امرت مكتب الاحصاء ان يعتمد الطريقة التقليدية, اي احصاء الرؤوس رأسا برأس. ومع ان هناك ميزانية اعلانية بمبلغ 100 مليون دولار لدعوة الامريكيين الى التعاون مع فرق الاحصاء والتجاوب في ملء الاستمارات الا ان المتوقع هو ان تكون النتائج اقل عددا من الواقع في الاحصاء المقبل, خاصة وان عدم الثقة بالحكومة والرغبة في المحافظة على الخصوصية سوف تدفع بعضهم لعدم الاستجابة والغياب عن تسجيل اسمه في الاحصاء. اكثر من ذلك, ان تنوع موجات الهجرة التي شهدتها الولايات المتحدة مؤخرا يعني: ان حاجزاً لغويا كبيرا سوف يقوم امام الجهود التي يبذلها مكتب الاحصاء. اذن فان الصراع هنا سوف يضطر الحزب الديمقراطي الى اعلان حالة التأهب والاستنفار في كل الجيوب (المعزولة) سواء في المدن او في الارياف ليدفع سكانها الى تسجيل انفسهم, وهي خطوة سوف تساهم بالتأكيد في تقدم المجتمع وتنميته, اعتمادا على الواقع الميداني وليس على الافتراضات النظرية, وهذه احدى محاسن الديمقراطية. الاعراق تختلط واذا تجاوزنا هذه المسألة, فان كاتب التقرير يؤكد ان الاحصاءات الجديدة سوف تكشف عن امة اكثر تعقيدا على الصعيد الاثني والعنصري من اي وقت سابق, اذ ان الولايات المتحدة في عام 2000 سوف تزيد حمولتها من أبناء امريكا اللاتينية (الجنوبية) الذين سوف يحصلون على الجنسية باعداد كبيرة بسبب التضييق عليهم في النصف الاول من العقد الحالي. ثم ان هذا الاحصاء سوف يكون بداية النهاية للقواعد التقليدية التي اعتمدتها امريكا رسميا في الاحصاء على مر تاريخها, وهي انه وللمرة الاولى سوف يكون باستطاعة الامريكيين ان يعرفوا انفسهم باعتبارهم (متعددي العروق) وهو امر لم يحصل من قبل. الحل هنا قد لا يبدو مثاليا ولكن مكتب الاحصاء سوف يسمح وللمرة الاولى ان يحدد الامريكي خيارا واحدا او اربعة خيارات دفعة واحدة في التعريف بنفسه, عبر استمارة تسأله: هل انت افريقي ـ امريكي, ام ابيض, ام اسيوي ـ باسيفيكي من الجزر, ام امريكي ـ هندي, الاسكاوي, نسبة لآلاسكا؟ سابقا كان مكتب الاحصاء يطلب تحديد هوية واحدة من الخيارات المطروحة اما في الاحصاء المقبل فان صاحب الاستمارة يستطيع ان يطرح الخيارات الاربعة معا في تعريف نفسه مع ملاحظة ان الامريكيين من اصل اسباني لا يخضعون لهذا التعريف العنصري لانهم قومية قائمة بذاتها ولا تخضع لهذه المواصفات. الامريكي المتعدد ان الوصول الى (تعدد الاعراق) جاء بعد ثلاث سنوات من النقاش الساخن والوجداني بين الدعاة الى الاعتراف بتعدد العروق وبين اللوبي التقليدي المدافع عن الحقوق المدنية للاقليات, وقد رفضت ادارة الرئيس بيل كلينتون اقتراحا بجمع متعددي العروق في تصنيف واحد واختارت تسوية تقوم على الجمع بين المواصفات التقليدية السائدة في التصنيفات الاربعة وبين تعدد العروق. ومع ان التعديل يبدو طفيفا, فإن الاعتراف باصحاب العروق المتعددة سوف يؤثر على السياسات الكبرى من نوع قانون المساواة بين العروق وترسيم الحدود الانتخابية لدوائر الاقليات, ولكن اهم النتائج على المدى البعيد سوف تكون الربكة الادارية, وهي ربما تقترب من حد الفوضى, اذ ليس من الواضح على الاطلاق وحتى الآن كيف يمكن ان تستخدم مسألة تعدد الاعراق, فهل تعتبر ابنة الافريقي ـ الامريكي من ام بيضاء/ سوداء عندما يحاول المسئولون رسم حدود الدوائر الانتخابية التي يسيطر عليها السود؟ وماذا عن مواطن امريكي يقول انه مزيج من الاسود والآسيوي والابيض, هل تصنفه الحكومة مع كل هذه الاعراق ام انه يختلف عنها جميعا وبالتالي فهو عرق جديد؟ اكثر من ذلك ان احصاءات العام 2000 المرتقبة لن تسجل نسبة كبيرة في ارتفاع عدد الآسيويين المهاجرين لامريكا مقارنة باحصائية العام 1990, اذ ان تجربة احصائية اجريت في عام 1996 تبين خلالها ان 30 بالمئة من الاسيويين الامريكيين يعرفون انفسهم بانهم متعددو الاعراق. ولا حاجة هنا للتوضيح ان التعدد العرقي يعني التنوع الثقافي وليس اللون وحده. ومع ان مكتب الاحصاء لايتوقع ان يختار الامريكيون اكثر من تصنيف واحد, فانه يلاحظ ان السياسة السابقة شجعت على اختيار ميراث واحد اكثر من سواه, بينما في السياسة الجديدة فان حرية الاختيار باتت اوسع امام الامريكي ليختار هويته العرقية وبالتالي الاجتماعية والثقافية. الزواج .. الزواج ان متعددي الاعراق من الامريكيين باتوا اكثر ظهورا, وغدا وجودهم قويا, اذ انه, ومنذ عام 1970 فان الاطفال نتيجة الزواج المختلط ارتفع عددهم اربع مرات في العام 1990 وبين اعوام 1960 ـ 1990 فإن عدد الزيجات التي كانت تعتبر غير شرعية لانها تكسر الحاجز العنصري ارتفعت بنسبة 900 بالمئة وفي كاليفورنيا حاليا, فإن واحدة من بين كل ست ولادت هي نتيجة اختلاط عرقي. الاباء المؤسسون يطلقون على الولايات المتحدة لقب (المصهر) حيث تذوب الاعراق وتندمج ليخرج منها جميعا ما يسمى المواطن الامريكي, ولعل احصاء العام 2000 سوف يعلن اكتشاف امريكا رسميا ومجددا للحرية ليس في الاعتراف بماضيها وتراثها فقط ولكن بورثة المستقبل ايضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق