من الملف السياسي، بقلم شوقي رافع - التاريخ: 11 فبراير 2000
اصرف مافي الجيب.. يأتي ما في الغيب شعار يفتقد بالتأكيد الى
الحكمة الاقتصادية, مع ذلك, فان عددا من كبار الاقتصاديين يعتبره شعار
المرحلة ويدافع عنه بالارقام والاحصاءات.(انت غني بمقدار ما تصرف وليس
بمقدار ما تقبض, والاستهلاك وليس الدخل الفردي هو معيار الغني والفقر) هذا
ما يؤكده كتاب صدر في الولايات المتحدة مؤخرا تحت عنوان (اساطير الغنى
والفقر: لماذا نحن في حال افضل مما نتصور). مؤلفا الكتاب هما مايكل كوكس,
نائب مدير بنك الاحتياط الفيدرالي في دالاس (هل تذكرون المسلسل وكل ابطاله
اغنياء؟) والثاني ريتشارد الم المحرر الاقتصادي في جريدة (دالاس مورنتغ
نيوز).
الكتاب اثار نقاشا اقتصاديا وسياسيا واسعا, لانه على حد وصف خصومه, لا يتعامل ببراءة مع الارقام والاحصاءات بل يهدف الى تقليص عدد الفقراء في امريكا تمهيدا لحرمانهم من برامج المساعدات(!) المؤلفان لايذكران التهمة, بل يعترفان بها علنا, ويؤكدان في مقال نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) ان الفقراء ليس في امريكا وحدها, بل في العالم كله تقريبا يتناقصون عددا ويزدادون غنى, ليس لان دخلهم الفردي نسبة الى الناتج القومي, يرتفع بل لان استهلاكهم يزيد(!) مداخيل غير منظورة ولكن كيف يزيد الاستهلاك بينما الدخل الفردي ثابت, او لعله يتناقص؟ يستند المؤلفان في ردهما الى الاحصاءات, فيشيران الى انه في عام 1997 فان خمس العائلات المدقعة وكل عائلة تضم 4 افراد. كان دخلها السنوي لايزيد عن سبعة آلاف و68 دولار سنويا, ولكنها كانت تصرف 14ر670 دولار سنويا, اي اكثر من ضعف دخلها تقريبا. اما من اين تعطي هذه العائلات الفرق بين الدخل والانفاق فيشير المؤلفان الى: الضمان الاجتماعي والصحي وضمان الشيخوخة, طوابع الطعام التي توزعها السلطات على الفقراء, وجبة الغذاء المجانية في المدارس للاطفال, والدعم الحكومي في دفع بدل الايجار واخيرا المدخرات, اي عش البيض واذا كان المتقاعدون غالبا يحصلون على دخل منخفض, فلا ننسى ان هؤلاء يملكون منازل واثاثا وسيارات مدفوعة الثمن بالكامل, ولم تعد عليهم اية اقساط واستنادا الى الاحصاءات فان ما يزيد عن 302 الف اسرة في عام 1993 لم يكن يزيد دخلها السنوى عن 20 الف دولار ولكنها كانت تقيم في منازل يبلغ ثمن المنزل الواحد منها 300 الف دولار... ولكن هذه الامتيازات, او المداخيل غير المنظورة, تتجاهلها الاحصاءات الرسمية التي ترسم الخط الفاصل بين الغني والفقير. ومن هنا يحتج المؤلفان على الحكومة الامريكية التي طرحت مؤخرا ان ترفع حد الفقر للاسرة الواحدة من اربعة اشخاص الى مبلغ 19ر55 دولار, بينما هو حاليا 16ر600 دولارا, ما يعني زيادة عدد الفقراء 12 مليونا دفعة واحدة (وهو امر لا يستند الى الواقع ولا الى الاقتصاد) كما يقول المؤلفان. الشراء وحد الفقر ما هو مقياس الفقر اذن؟ الجواب وبايجاز هو: عندما تكون فقيرا فان كل ما تراه من حولك هو شىء لا تستطيع ان تشتريه, ولكن على مدى السنين الاخيرة فان الفقراء حصلوا على تسهيلات شراء المزيد من البضائع, وتشير الاحصاءات الى ان كثيرا من العائلات باتت تملك حاجات وسلعا كانت باستمرار تقترن بحياة الطبقة الوسطى, وهنا امثلة. ان نسبة العائلات التي تمتلك غسالة كهربائية ارتفعت الى 72 بالمئة في العام 1996 بينما كانت النسبة 58 في المئة في العام ,1984 وامتلاك نشافة للغسيل ارتفع في الفترة نفسها من 36 بالمئة الى 50 بالمئة. وهناك نسبة ثلثين من العائلات الفقيرة باتت تملك فرن مايكروويف في ,1996 بعد ان كانت عائلة واحدة بين كل ثماني عائلات تمتلك هذا الفرن, ان 97 بالمئة من العائلات الفقيرة لديها اجهزة تلفزيون ملونة, وثلاثة ارباع هذه العائلات يملك جهاز فيديو, ومن بين كل 4 عائلات فقيرة هناك ثلاث تمتلك سيارة واحدة على الاقل. الفقيرة يزداد غنى يضيف المؤلفان: ان الفقراء على مستوى الحياة اليومية, وهذا هو ما يهم, يزدادون غنى, وفي الواقع فان العائلات الفقيرة في التسعينات هي في حال افضل من العائلات المتوسطة في السبعينيات, اذ ان ثلثي هذه العائلات صار لديها مكيفات في العام 1997 مقارنة مع ثلث واحد من جميع العائلات الامريكية كانت تملك مكيفات في العام ,1971 ولم تكن برامج الرعاية الاجتماعية هي ما وفر كل هذا للفقراء بل اقتصاد السوق الذي طرح وبابداع باهر منتجات جديدة ادت الى خفض الاسعار وجعل هذه الادوات في متناول الفقراء نقدا وتقسيطا. ان الاستهلاك يكشف كيف ان العائلات الفقيرة تستطيع ان تمتلك المزيد مما يأسر الطبقة المتوسطة, ومع ذلك فانها تبقي احصائيا, في خانة العائلات الفقيرة ويتشبث المؤلفان بالواقع وبالارقام فيكتبان: في عام 1995 فان نفقات الطعام, الملابس, والمأوى, وهي ابرز الضرورات, كانت تستهلك 37 بالمئة من دخل هذه العائلات مقارنة مع 52 بالمئة من دخلها قبل عقدين من الزمن, و57 بالمئة في عام 1950 و 75 بالمئة في عام 1920 وبالتالي فان الفقراء باتوا يمتلكون دخلا حقيقا اكثر مما كانوا يملكونه في الماضي. كم تأكل؟ ان هذه الاحصاءات مهمة لانها تساعدنا على تحليل ظاهرة الفقر, وقد بدأت هذه الاحصاءات في منتصف الستينات باعتبارها الماركة المسجلة للرئيس جونسون الذي رفع شعار (الحرب على الفقر) وما كان يريد ان يعرفه الامريكيون في تلك الفترة, وما زالوا يريدون ان يعرفوه اليوم, وهو ما اذا كانوا قد نجحوا في تقليص عدد العائلات التي تصارع للحصول على الحاجات الضرورية للحياة. والجواب هو: نعم ان العدد يتناقص, ففي دراسة اعدتها مؤسسة هيرتيج حول المشاكل التي تلازم الفقر: سوء التغذية, السكن المزدحم, وغياب التسهيلات للرعاية الطبية, تستنتج الدراسة, ان 8ر7 ملايين امريكي, ما نسبته 3ر7 بالمئة فقط من السكان هم من الفقراء فعلا, ويؤكد المؤلفان ان النقود نفسها كوحدة قياس ومع وجود التضخم, قد لا تكون دقيقة, وبالتالي فقد اعاد في العام 1993 الباحث الاقتصادي في جامعة تكساس دانيال سلزينك تقدير مستوى الفقر اعتمادا على الانفاق وليس على الدخل, ووضع لهذه الغاية مقياسا جديدا للدخل يساوي ثلاثة أضعاف التكلفة الغذائية للشخص الواحد في العائلة, وقد أثبتت نتائج البحث ان العائلات الفقيرة في أمريكا, استنادا إلى الاستهلاك, قد تناقصت من 31 بالمئة في عام 1949 إلى 13 بالمئة في عام 1965 إلى 2 بالمئة في الثمانينيات. الانتاج هو المهم اذن هل يصبح شعار (اصرف ما في الجيب.. ) وفي المطلق باعتبار ان خط الفقر وهمي, وان الدخل هو مسألة نظرية, وان الفقراء هم أقلية الأقلية وانه ليس هناك من يموت جوعا في العالم الصناعي على الأقل؟ وماذا عن العالم الثالث؟ مراسل مجلة (الايكونوميست البريطانية في واشنطن, يحدد في تقرير عن العالم في عام 2000 مؤشرات رئيسية للانفاق والادخار, فيربط أولا بين الاستهلاك وبين الانتاج, ويؤكد على ان انتاج العامل الأمريكي يزداد, ثم يقول ان الأمريكي بات يشعر في العقد الأخير انه صار أكثر غنى وبالتالي فقد زاد انفاقه وقلت مدخراته, ففي العام 1993 كانت نسبة الادخار لدى العائلات من دخلها الصافي هي 7 بالمائة, ولكن في عام 1999 فإن نسبة الادخار انحدرت إلى 2 بالمئة فقط من صافي الدخل وإذا استمر هذا التوجه فإن الأمريكي سوف يصل مرحلة يصبح انفاقه فيها أكثر من مدخوله, وهو أمر لا يمكن ان يستمر على المدى البعيد, ومن هنا فإن الاستهلاك سوف يتناقص في العام 2000 لمصلحة الادخار, ولكن هذا التوجه سوف يدفع بالمستثمرين الأجانب, وتزيد استثماراتهم عن 400 مليار دولار, إلى البحث عن أسواق بديلة بعد ان يكتشفوا ان أمريكا صارت تستخدم رؤوس أموالهم لتشجيع صغار المدخرين, بدلا من تشجيع الاستثمار, وسوف يؤدي خروج هذ الرساميل, بسبب التقشف الاستهلاكي إلى انخفاض قيمة الدولار, ولكن هذا يمكن تعويضه بزيادة الصادرات الأمريكية التي سوف تصبح أكثر رخصا وأكثر قدرة على المنافسة. احذروا التقشف وهذا ما يقودنا إلى العالم الثالث, فالاستهلاك هو أحد مظاهر التطور, كما تؤكد وكالة التنمية التابعة للأمم المتحدة, في تقريرها العام الماضي, ولكن هذا الاستهلاك لابد ان يتوافق مع زيادة الانتاج, ومن دون الانتاج يمكن ان يصبح الاستهلاك انتحاريا كما في بعض دول الخليج على المستوى الاقتصادي, الأهم من ذلك هو ان شعار التقشف الذي ترفعه بعض الدول, ومن بينها لبنان وعشرات أخرى من الحكومات الفقيرة, يقوم بمهمة معاكسة, ويؤدي إلى هروب الرساميل والاستثمارات الأجنبية, بينما العكس هو المطلوب. وإذا جمعنا الاستهلاك إلى الانتاج تحت راية (اصرف ما في الجيب...) ربما تتحقق المعجزة, ولا يعود الدخل الفردي هو المهم بل...
الكتاب اثار نقاشا اقتصاديا وسياسيا واسعا, لانه على حد وصف خصومه, لا يتعامل ببراءة مع الارقام والاحصاءات بل يهدف الى تقليص عدد الفقراء في امريكا تمهيدا لحرمانهم من برامج المساعدات(!) المؤلفان لايذكران التهمة, بل يعترفان بها علنا, ويؤكدان في مقال نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) ان الفقراء ليس في امريكا وحدها, بل في العالم كله تقريبا يتناقصون عددا ويزدادون غنى, ليس لان دخلهم الفردي نسبة الى الناتج القومي, يرتفع بل لان استهلاكهم يزيد(!) مداخيل غير منظورة ولكن كيف يزيد الاستهلاك بينما الدخل الفردي ثابت, او لعله يتناقص؟ يستند المؤلفان في ردهما الى الاحصاءات, فيشيران الى انه في عام 1997 فان خمس العائلات المدقعة وكل عائلة تضم 4 افراد. كان دخلها السنوي لايزيد عن سبعة آلاف و68 دولار سنويا, ولكنها كانت تصرف 14ر670 دولار سنويا, اي اكثر من ضعف دخلها تقريبا. اما من اين تعطي هذه العائلات الفرق بين الدخل والانفاق فيشير المؤلفان الى: الضمان الاجتماعي والصحي وضمان الشيخوخة, طوابع الطعام التي توزعها السلطات على الفقراء, وجبة الغذاء المجانية في المدارس للاطفال, والدعم الحكومي في دفع بدل الايجار واخيرا المدخرات, اي عش البيض واذا كان المتقاعدون غالبا يحصلون على دخل منخفض, فلا ننسى ان هؤلاء يملكون منازل واثاثا وسيارات مدفوعة الثمن بالكامل, ولم تعد عليهم اية اقساط واستنادا الى الاحصاءات فان ما يزيد عن 302 الف اسرة في عام 1993 لم يكن يزيد دخلها السنوى عن 20 الف دولار ولكنها كانت تقيم في منازل يبلغ ثمن المنزل الواحد منها 300 الف دولار... ولكن هذه الامتيازات, او المداخيل غير المنظورة, تتجاهلها الاحصاءات الرسمية التي ترسم الخط الفاصل بين الغني والفقير. ومن هنا يحتج المؤلفان على الحكومة الامريكية التي طرحت مؤخرا ان ترفع حد الفقر للاسرة الواحدة من اربعة اشخاص الى مبلغ 19ر55 دولار, بينما هو حاليا 16ر600 دولارا, ما يعني زيادة عدد الفقراء 12 مليونا دفعة واحدة (وهو امر لا يستند الى الواقع ولا الى الاقتصاد) كما يقول المؤلفان. الشراء وحد الفقر ما هو مقياس الفقر اذن؟ الجواب وبايجاز هو: عندما تكون فقيرا فان كل ما تراه من حولك هو شىء لا تستطيع ان تشتريه, ولكن على مدى السنين الاخيرة فان الفقراء حصلوا على تسهيلات شراء المزيد من البضائع, وتشير الاحصاءات الى ان كثيرا من العائلات باتت تملك حاجات وسلعا كانت باستمرار تقترن بحياة الطبقة الوسطى, وهنا امثلة. ان نسبة العائلات التي تمتلك غسالة كهربائية ارتفعت الى 72 بالمئة في العام 1996 بينما كانت النسبة 58 في المئة في العام ,1984 وامتلاك نشافة للغسيل ارتفع في الفترة نفسها من 36 بالمئة الى 50 بالمئة. وهناك نسبة ثلثين من العائلات الفقيرة باتت تملك فرن مايكروويف في ,1996 بعد ان كانت عائلة واحدة بين كل ثماني عائلات تمتلك هذا الفرن, ان 97 بالمئة من العائلات الفقيرة لديها اجهزة تلفزيون ملونة, وثلاثة ارباع هذه العائلات يملك جهاز فيديو, ومن بين كل 4 عائلات فقيرة هناك ثلاث تمتلك سيارة واحدة على الاقل. الفقيرة يزداد غنى يضيف المؤلفان: ان الفقراء على مستوى الحياة اليومية, وهذا هو ما يهم, يزدادون غنى, وفي الواقع فان العائلات الفقيرة في التسعينات هي في حال افضل من العائلات المتوسطة في السبعينيات, اذ ان ثلثي هذه العائلات صار لديها مكيفات في العام 1997 مقارنة مع ثلث واحد من جميع العائلات الامريكية كانت تملك مكيفات في العام ,1971 ولم تكن برامج الرعاية الاجتماعية هي ما وفر كل هذا للفقراء بل اقتصاد السوق الذي طرح وبابداع باهر منتجات جديدة ادت الى خفض الاسعار وجعل هذه الادوات في متناول الفقراء نقدا وتقسيطا. ان الاستهلاك يكشف كيف ان العائلات الفقيرة تستطيع ان تمتلك المزيد مما يأسر الطبقة المتوسطة, ومع ذلك فانها تبقي احصائيا, في خانة العائلات الفقيرة ويتشبث المؤلفان بالواقع وبالارقام فيكتبان: في عام 1995 فان نفقات الطعام, الملابس, والمأوى, وهي ابرز الضرورات, كانت تستهلك 37 بالمئة من دخل هذه العائلات مقارنة مع 52 بالمئة من دخلها قبل عقدين من الزمن, و57 بالمئة في عام 1950 و 75 بالمئة في عام 1920 وبالتالي فان الفقراء باتوا يمتلكون دخلا حقيقا اكثر مما كانوا يملكونه في الماضي. كم تأكل؟ ان هذه الاحصاءات مهمة لانها تساعدنا على تحليل ظاهرة الفقر, وقد بدأت هذه الاحصاءات في منتصف الستينات باعتبارها الماركة المسجلة للرئيس جونسون الذي رفع شعار (الحرب على الفقر) وما كان يريد ان يعرفه الامريكيون في تلك الفترة, وما زالوا يريدون ان يعرفوه اليوم, وهو ما اذا كانوا قد نجحوا في تقليص عدد العائلات التي تصارع للحصول على الحاجات الضرورية للحياة. والجواب هو: نعم ان العدد يتناقص, ففي دراسة اعدتها مؤسسة هيرتيج حول المشاكل التي تلازم الفقر: سوء التغذية, السكن المزدحم, وغياب التسهيلات للرعاية الطبية, تستنتج الدراسة, ان 8ر7 ملايين امريكي, ما نسبته 3ر7 بالمئة فقط من السكان هم من الفقراء فعلا, ويؤكد المؤلفان ان النقود نفسها كوحدة قياس ومع وجود التضخم, قد لا تكون دقيقة, وبالتالي فقد اعاد في العام 1993 الباحث الاقتصادي في جامعة تكساس دانيال سلزينك تقدير مستوى الفقر اعتمادا على الانفاق وليس على الدخل, ووضع لهذه الغاية مقياسا جديدا للدخل يساوي ثلاثة أضعاف التكلفة الغذائية للشخص الواحد في العائلة, وقد أثبتت نتائج البحث ان العائلات الفقيرة في أمريكا, استنادا إلى الاستهلاك, قد تناقصت من 31 بالمئة في عام 1949 إلى 13 بالمئة في عام 1965 إلى 2 بالمئة في الثمانينيات. الانتاج هو المهم اذن هل يصبح شعار (اصرف ما في الجيب.. ) وفي المطلق باعتبار ان خط الفقر وهمي, وان الدخل هو مسألة نظرية, وان الفقراء هم أقلية الأقلية وانه ليس هناك من يموت جوعا في العالم الصناعي على الأقل؟ وماذا عن العالم الثالث؟ مراسل مجلة (الايكونوميست البريطانية في واشنطن, يحدد في تقرير عن العالم في عام 2000 مؤشرات رئيسية للانفاق والادخار, فيربط أولا بين الاستهلاك وبين الانتاج, ويؤكد على ان انتاج العامل الأمريكي يزداد, ثم يقول ان الأمريكي بات يشعر في العقد الأخير انه صار أكثر غنى وبالتالي فقد زاد انفاقه وقلت مدخراته, ففي العام 1993 كانت نسبة الادخار لدى العائلات من دخلها الصافي هي 7 بالمائة, ولكن في عام 1999 فإن نسبة الادخار انحدرت إلى 2 بالمئة فقط من صافي الدخل وإذا استمر هذا التوجه فإن الأمريكي سوف يصل مرحلة يصبح انفاقه فيها أكثر من مدخوله, وهو أمر لا يمكن ان يستمر على المدى البعيد, ومن هنا فإن الاستهلاك سوف يتناقص في العام 2000 لمصلحة الادخار, ولكن هذا التوجه سوف يدفع بالمستثمرين الأجانب, وتزيد استثماراتهم عن 400 مليار دولار, إلى البحث عن أسواق بديلة بعد ان يكتشفوا ان أمريكا صارت تستخدم رؤوس أموالهم لتشجيع صغار المدخرين, بدلا من تشجيع الاستثمار, وسوف يؤدي خروج هذ الرساميل, بسبب التقشف الاستهلاكي إلى انخفاض قيمة الدولار, ولكن هذا يمكن تعويضه بزيادة الصادرات الأمريكية التي سوف تصبح أكثر رخصا وأكثر قدرة على المنافسة. احذروا التقشف وهذا ما يقودنا إلى العالم الثالث, فالاستهلاك هو أحد مظاهر التطور, كما تؤكد وكالة التنمية التابعة للأمم المتحدة, في تقريرها العام الماضي, ولكن هذا الاستهلاك لابد ان يتوافق مع زيادة الانتاج, ومن دون الانتاج يمكن ان يصبح الاستهلاك انتحاريا كما في بعض دول الخليج على المستوى الاقتصادي, الأهم من ذلك هو ان شعار التقشف الذي ترفعه بعض الدول, ومن بينها لبنان وعشرات أخرى من الحكومات الفقيرة, يقوم بمهمة معاكسة, ويؤدي إلى هروب الرساميل والاستثمارات الأجنبية, بينما العكس هو المطلوب. وإذا جمعنا الاستهلاك إلى الانتاج تحت راية (اصرف ما في الجيب...) ربما تتحقق المعجزة, ولا يعود الدخل الفردي هو المهم بل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق