من الملف السياسي،حكايات سياسية : التاريخ: 24 يوليو 1998
الاحداث الكبرى في حياة الشعوب تحمل ذاكرة الايام الاتية لانها
بمقدار ماهي ماض تنظر الى الخلف كي تفهمه, فانها مستقبل نتطلع الى الامام
كي نستوعب تداعياته المقبلة وثورة يوليو هي واحدة من هذه الاحداث الكبرى .
ومن هنا فان العودة الى كتاب (قصة الوحدة والانفصال) كما يرويها نقيب
الصحافة اللبنانية رياض طه, وقد سقط اغتيالا فيما بعد, تكشف عن (تجربة
انسان عربي خلال احداث 1955 ـ 1961) والنقيب طه, وكان يسميه الاعلاميون في
مصر (هيكل بتاع لبنان) يتميّز عن سواه ممن عايشوا تجربة الوحدة والانفصال
بين مصر وسوريا بانه رجل (المساحات الرمادية) فهو ناصري حتى النخاع, كما
يقول عن نفسه, ولكنه في الوقت نفسه لا يملك الا ان ينتقد التجربة الناصرية
التي ادت في النهاية الى الانفصال, فقد تسلطت دولة المخابرات على الحكم
فسقطت الدولة كلها.. الذين احبوا عبدالناصر واختاروه فقدوا حرية تأييده
فانقلبوا عليه.
يا سيادة الرئيس.. النقيب طه التقى الرئيس جمال عبدالناصر مرات عديدة, كان اولها في مطلع عام 1955, اي بعد ثلاث سنوات فقط على قيام الثورة, وكان في كل مرة يسأل الرئيس: متى ستعلنون الوحدة مع سوريا؟ ولكن بعد قيام الوحدة, كان طه احد الرواد القلائل في اطلاق صيحة التحذير من انهيارها. هنا يروي النقيب مقابلة جمال عبدالناصر في 8 يونيو عام 1959, فيقول: (بدأ الرئيس الكلام, فاعتذر لتأخير الموعد, فقال انه لا يهتم بأولاده كما يجب الا يوم الجمعة, وانه ارجأ مقابلتي كي يحضر معهم (فيلم سينما) وتبادلنا احاديث شتى, فرأيت ان اصارح الرئيس بكل ما اسمع, وقلت: يا سيادة الرئيس, انا لست سوريا وليس لي في سوريا اي ملك, ولا انتمى الى اي حزب.. ليس لي في سوريا سواك انت والوحدة واظن الرئيس عجبه, وتساءلت ملامحه عما جرى من بعد. ان الوحدة ليست متينة, وان العواصف بدأت تهب عليها من صانعيها انفسهم, ان السوريين عندما التفوا حولك كانوا يظنون انهم سيتخلصون من الحكم البوليسي, فاذا بهم يظلون تحت حكم عبدالحميد السراج (وزير الداخلية) ولقد سبق للسوريين ان ذاقوا طعم الحريات الديمقراطية وتعودوها... ثم انهم بايعوك يا سيادة الرئيس باجماع منقطع النظير, واحبوك حتى العبادة, فلماذا يعانون حكم الارهاب والكبت والتعسف؟ الديمقراطية سور الوحدة رد عبدالناصر, فتحدث عن الشروط التي وضعها قبل اقرار الوحدة, ومنها حل الاحزاب, وابعاد الجيش عن السياسة, وقال ان الضباط الذين كانوا يتعاطون السياسة قد نقلوا من سوريا الى مصر, فقامت الضجة.. ويعود النقيب طه الى الحوار مع الرئيس, فيقول (لا يمكن ان يحمي الوحدة مثل الضابط الذي ساهم في بنائها وفرضها, وليس من حل لهذه المعضلة, سوى في اعطاء الاقليم الشمالي قدرا من الحريات الديمقراطية, وفي تسليم الحكم للسوريين كي يحكموا انفسهم بانفسهم, فتظل انت, يا سيادة الرئيس, الحكم والبطل المحبوب. قال عبدالناصر: وهل يجوز ان تحكم سوريا بنظام وتحكم مصر بنظام اخر؟ الا تعلم ان هناك اناسا (يدوّخون) الحاكم بنكته؟.. ... ويطول الحوار, والمفارقة فيه, انه يكشف عن (ديمقراطية) عبدالناصر وسعة صدره في تقبل النقد الى حد وصف نظامه بانه (حكم الارهاب والكبت والتعسف) , دون ان يوجه الى النقيب ولا (صفعة) على الاقل, وفق التقليد العصري, بل ان النقيب طه, لا يجد حرجا في تذكير عبدالناصر بما يسميه (عبرة الارجنتين) حيث كان الجنرال بيرون رئيسا شعبيا محبوبا, ففاجأه انقلاب عسكري اضطره الى مغادرة البلاد, واجرى الانقلابيون استفتاء حول النظام الجديد فدعا بيرون الشعب, من الخارج, الى مقاطعة الاستفتاء فاستجابت الاكثرية, عندئذ عقد بيرون مؤتمرا صحافيا, قال فيه: انا اخطأت مع شعب الارجنتين, لاني لم اترك له حرياته الديمقراطية, لكي يحفظ بها نظامي. معاوية ملك سوريا ... وتستمر المفارقة عندما يقابل النقيب طه وزير الدولة كمال رفعت, فيقول (رويت له ما جرى من حديث مع الرئيس حول الوحدة ولكنه لم يعلّق بحرف. ومضيت استفز برودته, فقلت: ان الفتح الاسلامي لم يستطع ان يحكم سوريا, الا عندما تحول معاوية من خليفة الى ملك سوري. عندئذ قال رفعت: والسراج.. انه ملك سوري. واجبت: لا... السراج جلاد سوري وذكرت بعض الوقائع عن حكم المباحث في الاقليم الشمالي, فقال لي الوزير ان المحامين في حلب قدّموا اليه شكوى, بسبب اقدام المباحث على ضرب احدهم لانه ناقش رئيسهم في قضية, وقال رفعت: ان مثل هذا الحادث لا يمكن ان يجري في مصر لاننا نحرص على القانون هنا مهما كلف الامر. الانفصال والخوف ثم وقع الانفصال في 28 سبتمبر 1961. مكتب النقيب في مجلة (الاحد) التي يملكها: لا تخافوا من الحرية, اما الكلام عن الاستعمار والرجعية والخيانة.. اما هذه الاشباح التي كانت دائما قائمة, فانها لم تفعل بالوحدة ما فعله بها ابناؤها. ورغم هذا النقد (المتميز) وربما بسبب هذا النقد, فقد حرص الرئيس عبدالناصر, بعد ذلك بعامين على توفير محاضر محادثات الوحدة التي اعقبت الانفصال بين مصر وسوريا والعراق, للنقيب طه الذي بادر الى نشرها كي يعرف الناس من كان يريد ان يطمع الوحدة ومن كان يريد ان يمنعها.. وصارت الحقيقة ملكا للجماهير. البطولة و.. الجماهير اما ما يمنح النقيب طه لقب (الرجل الرمادي) عن جدارة, فهو ذلك الاعتراف المبكر بانه امام ظاهرة عبدالناصر كان يجتمع فيه النقيضان: محبة البطل الى حد العبادة والخوف منه في الوقت ذاته, ويكتب في عام 1956: (ان تخبط الانقلابيين العسكريين في سوريا حملني على مشاركة الزعماء والاحزاب هناك في اعتناق افكار ديمقراطية ليبرالية, غير ان تلك المبادئ النظرية ما لبثت ان توارت في الزوايا المعتمة, بعدما انبهرنا جميعا بشخصية عبدالناصر التي كادت تمحو سائر الشخصيات وتطمس كل رأي او فكر لا يقر الزعامة الجديدة الضخمة التي اخذ المتحمسون يغالون في تقييمها فيقارنونها بشخصية.. الخلفاء الراشدين وخالد بن الوليد وصلاح الدين الايوبي. ويضيف: وفيما كنا نشترك بتلك التظاهرة الشعبية الكبرى وهي شكلت زحفا هادرا من الاقطار العربية كلها انطلق صوت جريء من القاهرة يحذر من الغوغائية وعبادة الاشخاص وحكم الفرد وعصر الابطال. كان ذلك قلم الكاتب العربي عبدالله القصيمي الذي اخذ يراسل (الاحد) بمقالات نظرية عامة تغري كل متأدب بنشرها.. وقد نشرت (الاحد) مقالا للقصيمي في 17 ــ 6 ــ 1956 بعنوان: الحاكم القوي والشعب الضعيف. ومما جاء فيه: ان اعمال الحاكم القوي المنتصر على الشعب ليست انتاجا بل استهلاكاً, الحكام الاقوياء يستهلكون طاقات الشعوب ولا ينتجونها, يعتصرون كل امكانياتها ويحولوها الى زينات واعلام وطبول لتحتفل بمواكبهم. الراكعون العاجزون ثم نشرت (الاحد) في 9 ــ 9 ــ 1956 مقالا اخر للقصيمي تحت عنوان (احذروا عصر الابطال) . وجاء فيه: (البطل هو انسان متفوق في ارادته او في قسوته او في احدى الخصائص الاخرى التي تجعله مرهوبا او مطاعا, تجعله مسيطرا, وتجعل الجماهير تمشي خلفه بلا وقار او امامه مذعورة.. ومن اجل وجود بطل واحد يجب وجود جمهور كبير من الراكعين والعاجزين والمحتقرين لانفسهم, والمعاني القوية في الجماهير القوية تنفي وجود التفوق المسيطر المعبود... ... والناس يخضعون للبطل القوي اما خوفا او اعجابا او بحثا عن القائد المنقذ, هم يؤمنون بأفراد متفوقين ويعطونهم احتمالات التفوق لانهم يريدون الفرار من انفسهم ويشكون في قدراتهم... ... والابطال يذلّون مشاعر الجماعات ويدمرونها لانهم يخيفونها ويذمونها ويفسدونها بقوتهم وتفوقهم عليها وفي تفردهم في حكمها والتدمير لها. ... والمجتمعات هي التي تصنع ابطالها دون العكس فالعاجزون عن حمل انفسهم يصنعون ابطالهم اما الاقوياء والذين لا يجبنون عن تحمل الحرية فلا يمكن ان يخلقوا بطلا, فالابطال حاجة من حاجات الضعفاء والجبناء. ... وكلما طال عهد البطل تمكنت اسباب الضعف والاتكال والخوف من الحرية والعجز عن مواجهتها... واذا انتهى عهده الطويل تكشفت حينئذ المأساة... وصولا الى العراق ويعقب النقيب طه قائلا: كان البعض يتعجبون كيف تكون (الاحد) مجلة الثورة التي تنادي ببطولة عبدالناصر, ثم تنشر في الوقت نفسه مقالات القصيمي تلك.. واعترف انني كنت اشعر بالتناقض في مشاعري وافكاري عندما كنت اناقش هذه المسألة, وهو التناقض نفسه الذي احسست به عندما نشرت مقالات القصيمي المعادية للبطولة في حين كنت اتحمس لبطولة عبدالناصر... ... وتبقى ميزة هذا الشاهد الرمادي على عصر عبدالناصر انه لم يحذر فقط من المأساة التي تعقب وفاة البطل بل من المآسي التي مازال يستولدها الابطال المزعومين, ولن يكون صدام اسيراً.
يا سيادة الرئيس.. النقيب طه التقى الرئيس جمال عبدالناصر مرات عديدة, كان اولها في مطلع عام 1955, اي بعد ثلاث سنوات فقط على قيام الثورة, وكان في كل مرة يسأل الرئيس: متى ستعلنون الوحدة مع سوريا؟ ولكن بعد قيام الوحدة, كان طه احد الرواد القلائل في اطلاق صيحة التحذير من انهيارها. هنا يروي النقيب مقابلة جمال عبدالناصر في 8 يونيو عام 1959, فيقول: (بدأ الرئيس الكلام, فاعتذر لتأخير الموعد, فقال انه لا يهتم بأولاده كما يجب الا يوم الجمعة, وانه ارجأ مقابلتي كي يحضر معهم (فيلم سينما) وتبادلنا احاديث شتى, فرأيت ان اصارح الرئيس بكل ما اسمع, وقلت: يا سيادة الرئيس, انا لست سوريا وليس لي في سوريا اي ملك, ولا انتمى الى اي حزب.. ليس لي في سوريا سواك انت والوحدة واظن الرئيس عجبه, وتساءلت ملامحه عما جرى من بعد. ان الوحدة ليست متينة, وان العواصف بدأت تهب عليها من صانعيها انفسهم, ان السوريين عندما التفوا حولك كانوا يظنون انهم سيتخلصون من الحكم البوليسي, فاذا بهم يظلون تحت حكم عبدالحميد السراج (وزير الداخلية) ولقد سبق للسوريين ان ذاقوا طعم الحريات الديمقراطية وتعودوها... ثم انهم بايعوك يا سيادة الرئيس باجماع منقطع النظير, واحبوك حتى العبادة, فلماذا يعانون حكم الارهاب والكبت والتعسف؟ الديمقراطية سور الوحدة رد عبدالناصر, فتحدث عن الشروط التي وضعها قبل اقرار الوحدة, ومنها حل الاحزاب, وابعاد الجيش عن السياسة, وقال ان الضباط الذين كانوا يتعاطون السياسة قد نقلوا من سوريا الى مصر, فقامت الضجة.. ويعود النقيب طه الى الحوار مع الرئيس, فيقول (لا يمكن ان يحمي الوحدة مثل الضابط الذي ساهم في بنائها وفرضها, وليس من حل لهذه المعضلة, سوى في اعطاء الاقليم الشمالي قدرا من الحريات الديمقراطية, وفي تسليم الحكم للسوريين كي يحكموا انفسهم بانفسهم, فتظل انت, يا سيادة الرئيس, الحكم والبطل المحبوب. قال عبدالناصر: وهل يجوز ان تحكم سوريا بنظام وتحكم مصر بنظام اخر؟ الا تعلم ان هناك اناسا (يدوّخون) الحاكم بنكته؟.. ... ويطول الحوار, والمفارقة فيه, انه يكشف عن (ديمقراطية) عبدالناصر وسعة صدره في تقبل النقد الى حد وصف نظامه بانه (حكم الارهاب والكبت والتعسف) , دون ان يوجه الى النقيب ولا (صفعة) على الاقل, وفق التقليد العصري, بل ان النقيب طه, لا يجد حرجا في تذكير عبدالناصر بما يسميه (عبرة الارجنتين) حيث كان الجنرال بيرون رئيسا شعبيا محبوبا, ففاجأه انقلاب عسكري اضطره الى مغادرة البلاد, واجرى الانقلابيون استفتاء حول النظام الجديد فدعا بيرون الشعب, من الخارج, الى مقاطعة الاستفتاء فاستجابت الاكثرية, عندئذ عقد بيرون مؤتمرا صحافيا, قال فيه: انا اخطأت مع شعب الارجنتين, لاني لم اترك له حرياته الديمقراطية, لكي يحفظ بها نظامي. معاوية ملك سوريا ... وتستمر المفارقة عندما يقابل النقيب طه وزير الدولة كمال رفعت, فيقول (رويت له ما جرى من حديث مع الرئيس حول الوحدة ولكنه لم يعلّق بحرف. ومضيت استفز برودته, فقلت: ان الفتح الاسلامي لم يستطع ان يحكم سوريا, الا عندما تحول معاوية من خليفة الى ملك سوري. عندئذ قال رفعت: والسراج.. انه ملك سوري. واجبت: لا... السراج جلاد سوري وذكرت بعض الوقائع عن حكم المباحث في الاقليم الشمالي, فقال لي الوزير ان المحامين في حلب قدّموا اليه شكوى, بسبب اقدام المباحث على ضرب احدهم لانه ناقش رئيسهم في قضية, وقال رفعت: ان مثل هذا الحادث لا يمكن ان يجري في مصر لاننا نحرص على القانون هنا مهما كلف الامر. الانفصال والخوف ثم وقع الانفصال في 28 سبتمبر 1961. مكتب النقيب في مجلة (الاحد) التي يملكها: لا تخافوا من الحرية, اما الكلام عن الاستعمار والرجعية والخيانة.. اما هذه الاشباح التي كانت دائما قائمة, فانها لم تفعل بالوحدة ما فعله بها ابناؤها. ورغم هذا النقد (المتميز) وربما بسبب هذا النقد, فقد حرص الرئيس عبدالناصر, بعد ذلك بعامين على توفير محاضر محادثات الوحدة التي اعقبت الانفصال بين مصر وسوريا والعراق, للنقيب طه الذي بادر الى نشرها كي يعرف الناس من كان يريد ان يطمع الوحدة ومن كان يريد ان يمنعها.. وصارت الحقيقة ملكا للجماهير. البطولة و.. الجماهير اما ما يمنح النقيب طه لقب (الرجل الرمادي) عن جدارة, فهو ذلك الاعتراف المبكر بانه امام ظاهرة عبدالناصر كان يجتمع فيه النقيضان: محبة البطل الى حد العبادة والخوف منه في الوقت ذاته, ويكتب في عام 1956: (ان تخبط الانقلابيين العسكريين في سوريا حملني على مشاركة الزعماء والاحزاب هناك في اعتناق افكار ديمقراطية ليبرالية, غير ان تلك المبادئ النظرية ما لبثت ان توارت في الزوايا المعتمة, بعدما انبهرنا جميعا بشخصية عبدالناصر التي كادت تمحو سائر الشخصيات وتطمس كل رأي او فكر لا يقر الزعامة الجديدة الضخمة التي اخذ المتحمسون يغالون في تقييمها فيقارنونها بشخصية.. الخلفاء الراشدين وخالد بن الوليد وصلاح الدين الايوبي. ويضيف: وفيما كنا نشترك بتلك التظاهرة الشعبية الكبرى وهي شكلت زحفا هادرا من الاقطار العربية كلها انطلق صوت جريء من القاهرة يحذر من الغوغائية وعبادة الاشخاص وحكم الفرد وعصر الابطال. كان ذلك قلم الكاتب العربي عبدالله القصيمي الذي اخذ يراسل (الاحد) بمقالات نظرية عامة تغري كل متأدب بنشرها.. وقد نشرت (الاحد) مقالا للقصيمي في 17 ــ 6 ــ 1956 بعنوان: الحاكم القوي والشعب الضعيف. ومما جاء فيه: ان اعمال الحاكم القوي المنتصر على الشعب ليست انتاجا بل استهلاكاً, الحكام الاقوياء يستهلكون طاقات الشعوب ولا ينتجونها, يعتصرون كل امكانياتها ويحولوها الى زينات واعلام وطبول لتحتفل بمواكبهم. الراكعون العاجزون ثم نشرت (الاحد) في 9 ــ 9 ــ 1956 مقالا اخر للقصيمي تحت عنوان (احذروا عصر الابطال) . وجاء فيه: (البطل هو انسان متفوق في ارادته او في قسوته او في احدى الخصائص الاخرى التي تجعله مرهوبا او مطاعا, تجعله مسيطرا, وتجعل الجماهير تمشي خلفه بلا وقار او امامه مذعورة.. ومن اجل وجود بطل واحد يجب وجود جمهور كبير من الراكعين والعاجزين والمحتقرين لانفسهم, والمعاني القوية في الجماهير القوية تنفي وجود التفوق المسيطر المعبود... ... والناس يخضعون للبطل القوي اما خوفا او اعجابا او بحثا عن القائد المنقذ, هم يؤمنون بأفراد متفوقين ويعطونهم احتمالات التفوق لانهم يريدون الفرار من انفسهم ويشكون في قدراتهم... ... والابطال يذلّون مشاعر الجماعات ويدمرونها لانهم يخيفونها ويذمونها ويفسدونها بقوتهم وتفوقهم عليها وفي تفردهم في حكمها والتدمير لها. ... والمجتمعات هي التي تصنع ابطالها دون العكس فالعاجزون عن حمل انفسهم يصنعون ابطالهم اما الاقوياء والذين لا يجبنون عن تحمل الحرية فلا يمكن ان يخلقوا بطلا, فالابطال حاجة من حاجات الضعفاء والجبناء. ... وكلما طال عهد البطل تمكنت اسباب الضعف والاتكال والخوف من الحرية والعجز عن مواجهتها... واذا انتهى عهده الطويل تكشفت حينئذ المأساة... وصولا الى العراق ويعقب النقيب طه قائلا: كان البعض يتعجبون كيف تكون (الاحد) مجلة الثورة التي تنادي ببطولة عبدالناصر, ثم تنشر في الوقت نفسه مقالات القصيمي تلك.. واعترف انني كنت اشعر بالتناقض في مشاعري وافكاري عندما كنت اناقش هذه المسألة, وهو التناقض نفسه الذي احسست به عندما نشرت مقالات القصيمي المعادية للبطولة في حين كنت اتحمس لبطولة عبدالناصر... ... وتبقى ميزة هذا الشاهد الرمادي على عصر عبدالناصر انه لم يحذر فقط من المأساة التي تعقب وفاة البطل بل من المآسي التي مازال يستولدها الابطال المزعومين, ولن يكون صدام اسيراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق