الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ: 23 نوفمبر 2001
«انت هارب عقوبتك الاعدام . خذوه الى الجدار» بهذه العبارات
يبدأ فيلم «وداعا للسلاح» وخلال ثوان يتهاوى جسد المتهم ممزقا بالرصاص، ذلك
كان يحدث في الحرب العالمية الثانية خلال ما كان يسمى «المحاكم الميدانية»
وهو مرشح ان يتكرر اليوم مع اختلاف الابطال، فالقاضي العسكري لن يكون
نازيا، او فاشيا، بل ضابط امريكي، اما المتهم فهو غالبا اما عربي او مسلم
او من رعايا العالم الثالث. وتهمته الارهاب، ان القوات الامريكية تتحول الى
ميليشيا و .. بقرار من الرئيس.
يوم 13 نوفمبر الجاري دخل تاريخ البيت الابيض باعتباره «الثلاثاء الاسود» ففيه وقع الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش قرارا تنفيذيا يقضي بتشكيل محاكم عسكرية تعقد ميدانيا وتقوم بمحاكمة «الاجانب» المتهمين بالارهاب، وقد اثار القانون الرئاسي السري موجة عارمة من الغضب لدى منظمات الحريات المدنية في امريكا كما في اوروبا، وقال الاوروبيون في رسالة موجهة الى الرئيس بوش: ان هذه السابقة سوف تكون نموذجا ربما تحتذيه دول اخرى. الرسالة واضحة فهذه الدول الاخرى هي دول عربية واسلامية تعيش شعوبها في ظل نظام طواريء واحكام عرفية فرضت منذ عقود ومازالت مستمرة، ويحاكم فيها المتهمون امام المحاكم العسكرية او محاكم أمن الدولة، مع انهم مدنيون. وكانت منظمات حقوق الانسان والدفاع عن الحريات المدنية، في هذه الدول كما في امريكا نفسها، ترفع الصوت عاليا وهي تطالب بالغاء الاحكام العرفية وقوانين الطواريء وقوانين امن الدولة .. قبل ان يصدر عن البيت الابيض امر يدعم سلطان وسلطات هذه الانظمة ويزف اليها البشرى بان ام الديمقراطيات في العالم، قررت ان تحكي اللغة نفسها ليس مع شعوبهم فحسب بل ومع شعبها ايضا وان تقيم المحاكم العسكرية ميدانيا وفي اربع زوايا الارض. ماذا لو قبضنا على ابن لادن؟ لماذا المحاكم الميدانية الامريكية وكيف تعمل، واين تعقد جلساتها ومن هو الذي يقرر ان المتهم هو ارهابي لابد ان يحاكم امامها؟ ننقل من وسائل الاعلام الامريكية الاجابات التالية: ان الرئيس الامريكي استخدم حقوقه الدستورية باعتباره القائد الاعلى للجيوش الامريكية، فأمر بتشكيل هذه المحاكم، والرئيس شخصيا هو من يقرر اذا كان المشتبه به ارهابيا، وبالتالي لابد ان يمثل امام هذه المحاكم، وليس من الضروري ان تكون الجلسات التي تعقدها هذه المحاكم علنية، بل يمكن ان تكون سرية، وان تعمل هذه المحاكم في باكستان او في افغانستان نفسها. ويطرح احد المسئولين السؤال التالي: ـ ماذا تفعل اذا القيت القبض على اسامة بن لادن؟ ان الامر الرئاسي يوفر لك خيارا آخر وغير تقليدي. ويضيف المسئولون الامريكيون، ان محاكمة ابن لادن علنا وفي جلسات مطولة سوف تجعل منه شهيدا، وهو ماسوف يستدعي المزيد من الاعمال الارهابية. ويبقى سؤال آخر: ـ هل هذه المحاكم عسكرية ام ميدانية وماهو الفرق بين الاثنين؟ صحيفة «نيويورك تايمز» تنقل عن خبراء في القوانين العسكرية قولهم ان هذه المحاكم تقيد حقوق المتهم اكثر مما تفعل المحاكم العسكرية، انها لاتطلب ادلة دامغة بل تكتفي بأن تكون الشبهات منطقية ومعقولة وهي لا تحتاج الى سلسلة البراهين التي تطلبها المحاكم العسكرية او المدنية. ويقول مدير معهد العدالة العسكرية يوجين فيدل: ان المتهم يفقد امام هذه المحاكم، وبشكل واسع، الحقوق التي تمنحه اياها المحاكم العسكرية، وهي تبتعد كليا عن العدالة التي يوفرها القانون للمتهمين. الاتحاد الامريكي للدفاع عن الحريات المدنية وصف الامر الرئاسي بانه «مقلق جدا ويقدم دليلا اضافيا على ان الادارة غير راغبة على الاطلاق في الخضوع لأية رقابة لا تقوم ديمقراطيتنا من دونها». نائب الرئيس ديك تشيني كان الاكثر بلاغة في الدفاع عن المحاكم الميدانية قال: ان هؤلاء الذين يقتلون الامريكيين الابرياء سوف يتلقون المعاملة التي نعتقد انهم يستحقونها، ان هؤلاء البشر لا تسري عليهم الضمانات نفسها التي تحمي حقوق المواطن الامريكي العادي. ويستشهد نائب الرئيس بسابقة في التاريخ الامريكي فيشير الى ان الرئيس فرانكلين روزفلت امر بمحاكمة ثمانية متهمين من المخربين النازيين اثناء الحرب امام محكمة ميدانية عقدت سرا وقضت باعدام ستة منهم، وقد اعتبرت المحكمة العليا ان قيام هذه المحكمة لايخالف الدستور. وعلى هذه النقطة بالذات يركز نائب المدعي العام اثناء حرب الخليج جورج تيرويلجر فيقول في محاضرة له: ان الارهابيين لا يستحقون اية حماية دستورية. هنا يبدو ان تجريد المتهم من حقوقه القانونية في الدفاع عن نفسه يقتصر على الاجانب في الخارج، او هذا ما ارادت الادارة الامريكية ان توحي به، ولكن الصورة تبدو اكثر وضوحا امام الاتحاد الامريكي للدفاع عن الحريات المدنية فهو يربط بين الامر الرئاسي وبين قرارين صدرا عن وزارة العدل مؤخرا، القرار الاول يقضي باستدعاء خمسة الاف شخص دخلوا الولايات المتحدة بداية من يناير العام 2000 للشهادة امام المحققين، وهؤلاء «المطلوبون» دخلوا امريكا باعتبارهم سياحا او طلابا او رجال اعمال، ومكثوا فيها بهذه الصفة، واعمارهم تتراوح بين 18 الى 33 عاما، وكلهم من الذكور، وزارة العدل، كما تقول «نيويورك تايمز» لم تذكر الدول التي قدم منها هؤلاء المطلوبون للشهادة ومقابلة المحققين، ولكن معظمهم من بلدان شرق اوسطية. والقرار الثاني صدر عن وزارة العدل ايضا ويبيح لهيئات التحقيق ان تتنصت على المكالمات الهاتفية الخاصة التي تدور بين معتقلين في السجون وبين المحامين الموكلين بالدفاع عنهم. ومعظم المعتقلين حاليا هم اما من الامريكيين من اصول عربية، او من العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة. ويقول الناطق القانوني باسم الاتحاد الامريكي للدفاع عن الحريات: ان هذا التوجه العدواني للادارة سوف يزيد من احتمالات الفصل العنصري في اختيار المطلوبين او المشبوهين. الى اين نصل من كل هذا؟ عودة سريعة الى القرن التاسع عشر والحروب الاهلية في القرن العشرين تكشف ان المحاكم الميدانية هي من تقاليد الميليشيات والاحزاب السرية، اذ كان يكفي «القائد» ان يصدر حكما بالاعدام على واحد من خصومه حتى تسارع الذراع العسكرية للحزب او الميليشيا الى تنفيذ الحكم، وهو تقليد بلغ قاع انحطاطه مع المافيا وحروب العائلات. «ان هذه المحاكم قد تكون دستورية ولكن هذا لا يعني انها ذكية لانها تهدد كل القيم التي يقاتل الامريكيون من اجل حمايتها، ودفاعا عنها» يقولها الاتحاد الامريكي للدفاع عن الحريات المدنية، ويضيف: «انها تدمر مشروعيتنا في داخل بلادنا وفي الخارج ايضا». بقلم: شوقي رافع
يوم 13 نوفمبر الجاري دخل تاريخ البيت الابيض باعتباره «الثلاثاء الاسود» ففيه وقع الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش قرارا تنفيذيا يقضي بتشكيل محاكم عسكرية تعقد ميدانيا وتقوم بمحاكمة «الاجانب» المتهمين بالارهاب، وقد اثار القانون الرئاسي السري موجة عارمة من الغضب لدى منظمات الحريات المدنية في امريكا كما في اوروبا، وقال الاوروبيون في رسالة موجهة الى الرئيس بوش: ان هذه السابقة سوف تكون نموذجا ربما تحتذيه دول اخرى. الرسالة واضحة فهذه الدول الاخرى هي دول عربية واسلامية تعيش شعوبها في ظل نظام طواريء واحكام عرفية فرضت منذ عقود ومازالت مستمرة، ويحاكم فيها المتهمون امام المحاكم العسكرية او محاكم أمن الدولة، مع انهم مدنيون. وكانت منظمات حقوق الانسان والدفاع عن الحريات المدنية، في هذه الدول كما في امريكا نفسها، ترفع الصوت عاليا وهي تطالب بالغاء الاحكام العرفية وقوانين الطواريء وقوانين امن الدولة .. قبل ان يصدر عن البيت الابيض امر يدعم سلطان وسلطات هذه الانظمة ويزف اليها البشرى بان ام الديمقراطيات في العالم، قررت ان تحكي اللغة نفسها ليس مع شعوبهم فحسب بل ومع شعبها ايضا وان تقيم المحاكم العسكرية ميدانيا وفي اربع زوايا الارض. ماذا لو قبضنا على ابن لادن؟ لماذا المحاكم الميدانية الامريكية وكيف تعمل، واين تعقد جلساتها ومن هو الذي يقرر ان المتهم هو ارهابي لابد ان يحاكم امامها؟ ننقل من وسائل الاعلام الامريكية الاجابات التالية: ان الرئيس الامريكي استخدم حقوقه الدستورية باعتباره القائد الاعلى للجيوش الامريكية، فأمر بتشكيل هذه المحاكم، والرئيس شخصيا هو من يقرر اذا كان المشتبه به ارهابيا، وبالتالي لابد ان يمثل امام هذه المحاكم، وليس من الضروري ان تكون الجلسات التي تعقدها هذه المحاكم علنية، بل يمكن ان تكون سرية، وان تعمل هذه المحاكم في باكستان او في افغانستان نفسها. ويطرح احد المسئولين السؤال التالي: ـ ماذا تفعل اذا القيت القبض على اسامة بن لادن؟ ان الامر الرئاسي يوفر لك خيارا آخر وغير تقليدي. ويضيف المسئولون الامريكيون، ان محاكمة ابن لادن علنا وفي جلسات مطولة سوف تجعل منه شهيدا، وهو ماسوف يستدعي المزيد من الاعمال الارهابية. ويبقى سؤال آخر: ـ هل هذه المحاكم عسكرية ام ميدانية وماهو الفرق بين الاثنين؟ صحيفة «نيويورك تايمز» تنقل عن خبراء في القوانين العسكرية قولهم ان هذه المحاكم تقيد حقوق المتهم اكثر مما تفعل المحاكم العسكرية، انها لاتطلب ادلة دامغة بل تكتفي بأن تكون الشبهات منطقية ومعقولة وهي لا تحتاج الى سلسلة البراهين التي تطلبها المحاكم العسكرية او المدنية. ويقول مدير معهد العدالة العسكرية يوجين فيدل: ان المتهم يفقد امام هذه المحاكم، وبشكل واسع، الحقوق التي تمنحه اياها المحاكم العسكرية، وهي تبتعد كليا عن العدالة التي يوفرها القانون للمتهمين. الاتحاد الامريكي للدفاع عن الحريات المدنية وصف الامر الرئاسي بانه «مقلق جدا ويقدم دليلا اضافيا على ان الادارة غير راغبة على الاطلاق في الخضوع لأية رقابة لا تقوم ديمقراطيتنا من دونها». نائب الرئيس ديك تشيني كان الاكثر بلاغة في الدفاع عن المحاكم الميدانية قال: ان هؤلاء الذين يقتلون الامريكيين الابرياء سوف يتلقون المعاملة التي نعتقد انهم يستحقونها، ان هؤلاء البشر لا تسري عليهم الضمانات نفسها التي تحمي حقوق المواطن الامريكي العادي. ويستشهد نائب الرئيس بسابقة في التاريخ الامريكي فيشير الى ان الرئيس فرانكلين روزفلت امر بمحاكمة ثمانية متهمين من المخربين النازيين اثناء الحرب امام محكمة ميدانية عقدت سرا وقضت باعدام ستة منهم، وقد اعتبرت المحكمة العليا ان قيام هذه المحكمة لايخالف الدستور. وعلى هذه النقطة بالذات يركز نائب المدعي العام اثناء حرب الخليج جورج تيرويلجر فيقول في محاضرة له: ان الارهابيين لا يستحقون اية حماية دستورية. هنا يبدو ان تجريد المتهم من حقوقه القانونية في الدفاع عن نفسه يقتصر على الاجانب في الخارج، او هذا ما ارادت الادارة الامريكية ان توحي به، ولكن الصورة تبدو اكثر وضوحا امام الاتحاد الامريكي للدفاع عن الحريات المدنية فهو يربط بين الامر الرئاسي وبين قرارين صدرا عن وزارة العدل مؤخرا، القرار الاول يقضي باستدعاء خمسة الاف شخص دخلوا الولايات المتحدة بداية من يناير العام 2000 للشهادة امام المحققين، وهؤلاء «المطلوبون» دخلوا امريكا باعتبارهم سياحا او طلابا او رجال اعمال، ومكثوا فيها بهذه الصفة، واعمارهم تتراوح بين 18 الى 33 عاما، وكلهم من الذكور، وزارة العدل، كما تقول «نيويورك تايمز» لم تذكر الدول التي قدم منها هؤلاء المطلوبون للشهادة ومقابلة المحققين، ولكن معظمهم من بلدان شرق اوسطية. والقرار الثاني صدر عن وزارة العدل ايضا ويبيح لهيئات التحقيق ان تتنصت على المكالمات الهاتفية الخاصة التي تدور بين معتقلين في السجون وبين المحامين الموكلين بالدفاع عنهم. ومعظم المعتقلين حاليا هم اما من الامريكيين من اصول عربية، او من العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة. ويقول الناطق القانوني باسم الاتحاد الامريكي للدفاع عن الحريات: ان هذا التوجه العدواني للادارة سوف يزيد من احتمالات الفصل العنصري في اختيار المطلوبين او المشبوهين. الى اين نصل من كل هذا؟ عودة سريعة الى القرن التاسع عشر والحروب الاهلية في القرن العشرين تكشف ان المحاكم الميدانية هي من تقاليد الميليشيات والاحزاب السرية، اذ كان يكفي «القائد» ان يصدر حكما بالاعدام على واحد من خصومه حتى تسارع الذراع العسكرية للحزب او الميليشيا الى تنفيذ الحكم، وهو تقليد بلغ قاع انحطاطه مع المافيا وحروب العائلات. «ان هذه المحاكم قد تكون دستورية ولكن هذا لا يعني انها ذكية لانها تهدد كل القيم التي يقاتل الامريكيون من اجل حمايتها، ودفاعا عنها» يقولها الاتحاد الامريكي للدفاع عن الحريات المدنية، ويضيف: «انها تدمر مشروعيتنا في داخل بلادنا وفي الخارج ايضا». بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق