الملف السياسي ـ التاريخ: 28 يونيو 2002
السيدة تيري بارتون (38 سنة) تعمل في مصلحة الغابات الاميركية
في ولاية كولورادو ومن مهماتها ان تقوم بدوريات عبر الغابات لاطلاق انذار
مبكر حين اكتشاف اي حريق. وفي يوم (8) يونيو الجاري تلقت السيدة بارتون
رسالة حزينة من زوجها قبل ان تنطلق في دوريتها، اعادت قراءة الرسالة وشعرت
بالمزيد من التعاسة فأحرقتها وكانت تلك بداية حريق هائل التهم ملايين
الاشجار، وبلغت خسائره خلال الاسبوع الاول فقط حوالي 100 مليون دولار. قالت
السيدة بارتون امام قاضي التحقيق: «ما ان شممت رائحة شيء يحترق حتى اطلقت
الانذار المبكر، ولكنها اعترفت في النهاية: لقد بدأت الحريق كي انال الشرف
في الابلاغ عنه وإخماده».
اذن السيدة بارتون وفي ذروة تعاستها كانت تبحث عن بطولة وعن ترقية فانتقلت من الخاص الى العام ومن قضية شخصية الى قضية عامة حولت ولاية كولورادو الى جحيم مازالت نيرانه تشتعل حتى اليوم وسوف تحصل اذا ثبتت التهمة على (65) عاما في السجن. ... ونيران الشرق الاوسط السيدة بارتون ربما كانت سيئة الحظ فقط وربما يكون هناك من هو افضل منها حظا في تحقيق احلامه الشخصية عبر اشعال نيران لاتخمد جذوتها في مناطق اخرى ابرزها الشرق الاوسط وان اقتضى ذلك احراق غابات من البشر في فلسطين وهي ارض بعيدة على اية حال، بينما الناخب اليهودي يقيم داخل الارض الاميركية ويحتل مساحة سياسية واسعة وبامتياز. ونقتبس هنا مقاطع من حوار تلفزيوني بين زعيم الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب الاميركي ريتشارد آرمي وبين الاعلامي كريس ماثيوز، جرى في الاول من مايو الماضي عشية اصدار الكونغرس قراره الداعم لاسرائيل وننقل الترجمة عن جريدة «النهار» اللبنانية (12 مايو). ـ ماثيوز: هناك قتال بين العرب والاسرائيليين حول من يملك كل فلسطين، هل تؤيد فكرة وجود دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل اذا كانت دولة تحترم حدود الآخرين؟ ـ آرمي: اكون راضيا تماما بوجود دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل اذا كانت دولة تحترم حدود الآخرين. ـ ماثيوز: انت تختلف (180) درجة مع طوم ديلاي (جمهوري في مجلس النواب) الذي قال هذا الاسبوع ان الضفة الغربية كلها تنتمي الى اسرائيل، الى تلك الدولة التي ليست دولة عربية. ـ آرمي: أنا... ـ ماثيوز: يجب الا تكون هناك دولة؟ ـ آرمي: لا. اكون راضيا تماما بدولة فلسطينية لكنني لا ارضى بالتنازل عن اي جزء من اسرائيل من اجل دولة فلسطينية. ـ ماثيوز: لحظة. طوم ديلاي قال ان كل الضفة الغربية ويسميها يهودا والسامرة تنتمي الى اسرائيل... ـ آرمي: اكون راضيا بأن تأخذ اسرائيل الضفة الغربية، واكون راضيا ايضا بأن يحصل الفلسطينيون على وطن، وحتى بأن يكون هذا الوطن في مكان ما قرب اسرائيل... ـ اين تضع الدولة الفلسطينية .. في النرويج؟ عندما يأخذ الاسرائيليون الضفة الغربية لن يكون هناك مكان آخر للفلسطينيين يقيمون عليه دولة. ـ آرمي: لا.لا. هذا ليس صحيحا هناك دول عربية كثيرة لديها مساحات شاسعة. ـ ماثيوز: يعني انك تنقل الفلسطينيين من فلسطين الى مكان آخر ثم تسميه دولتهم؟ ـ آرمي: معظم الاشخاص الذين يعيشون في اسرائيل الآن نقلوا من مختلف انحاء العالم الى تلك الأرض وجعلوها وطنهم ويمكن للفلسطينيين ان يفعلوا الشيء نفسه... ـ ماثيوز: السؤال هو: ماهو مستقبل الفلسطينيين الذين يقاتلون اسرائيل الآن؟ هل تقول ان الحل برحيل الفلسطينيين؟ ـ آرمي: صحيح. فالفلسطينيون يقولون ان الحل هو برحيل الاسرائيليين. ـ ماثيوز: فلنكرر: اذن انت تعتقد ان الفلسطينيين الذين يعيشون الآن في الضفة الغربية يجب ان يخرجوا منها؟ ـ آرمي: نعم. المهم في هذا الحوار، وهو مطول وقد اقتبسنا مقاطع منه فقط هو ان زعيم الاغلبية الجمهورية الحاكمة يستطيع ان يوفق، والاصح ان يلفق بين قيام دولة فلسطينية وبين طرد الفلسطينيين من ديارهم في آن واحد، مع ان الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش مازال يعتمد الوصف الاميركي الرسمي منذ العام 1967 وهو ان الضفة الغربية «ارض محتلة». ولكن هذا كله لايعود مهما، فالسياسة الداخلية والمحلية هي الاساس وارضاء اللوبي اليهودي هو القضية والحريق يشب في مكان آخر يقع ما بين فلسطين و.. النرويج (!). شقيق الرئيس و... كوبا .. والامر نفسه ينطبق على سياسات الرئيس جورج دبليو بوش، فالانتخابات التشريعية في نوفمبر المقبل، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية في العام 2004 هي هاجس الرئيس، كما كانت هاجس كل رئيس سبقه، ما يعني ان السياسة الخارجية لاتقوم بالضرورة على المصالح القومية البعيدة المدى بل على قبول الناخب المحلي لها، فهي مفيدة بمقدار ما يستطيع المطبخ المحلي ان يجعل منها وجبة يقبل عليها الجمهور وأصحاب المصالح. ولنأخذ زيارة الرئيس الاسبق جيمي كارتر الى كوبا ولقاءه مع زعيمها فيديل كاسترو. فقد ترددت روايات في الاعلام الاميركي ان زيارة الرئيس كارتر لم تأت من فراغ وانما كانت تمهيدا مقبولا من البيت الابيض والادارة الاميركية الجمهورية لتحسين العلاقات ورفع بعض العقوبات عن كوبا في سياق نهاية الحرب الباردة التي جعلت من فيتنام، وقد سقط فيها (55) الف قتيل اميركي، دولة صديقة. ولكن الزيارة انتهت الى نتائج معاكسة تماما وبدلا من تخفيف العقوبات فقد زادت تشددا، لماذا؟ بالصدفة وقع في يد احد سكان واشنطن كومبيوتر ومعه (ديسك) تبين انه يخص البيت الابيض، في الديسك الجمهوري وضع مساعد الرئيس للشئون الاستراتيجية كارل روف خطة الحزب للانتخابات التشريعية المقبلة وفي سياق الخطة كانت هناك ملاحظة حول احتمال سقوط حاكم فلوريدا شقيق الرئيس جب بوش في الانتخابات. ولان المنفيين الكوبيين في ولاية فلوريدا يشكلون كتلة انتخابية تكاد تكون الابرز والاهم فقد تغير موقف الرئيس من كوبا ولان ارضاء الناخب المحلي هو الاساس فقد طارت زيارة الرئيس كارتر وبعثرتها رياح الانتخابات المقبلة. ومثل هذا حصل عندما قرر الرئيس التنازل عن مبدأ حرية التجارة مع ان اميركا هي ابرز المدافعين عنه وفرض حماية الحديد والصلب ارضاء لنقابات العمال في وجه احتجاج العالم كله. وحصل ايضا عندما قررت الادارة الاميركية الضرب عرض الحائط ببروتوكول «كيوتو» ارضاء لأصحاب المصانع ولن نتحدث عن برنامج حرب النجوم الذي اعيد احياؤه ارضاء للصناعات العسكرية في مواجهة اسامة بن لادن(!). أليس مخيفا ان تتحول الامبراطورية الى مطعم للوجبات السريعة يقوم على ضفة نهر الباتوماك في بلدة صغيرة اسمها واشنطن؟ بقلم: شوقي رافع
اذن السيدة بارتون وفي ذروة تعاستها كانت تبحث عن بطولة وعن ترقية فانتقلت من الخاص الى العام ومن قضية شخصية الى قضية عامة حولت ولاية كولورادو الى جحيم مازالت نيرانه تشتعل حتى اليوم وسوف تحصل اذا ثبتت التهمة على (65) عاما في السجن. ... ونيران الشرق الاوسط السيدة بارتون ربما كانت سيئة الحظ فقط وربما يكون هناك من هو افضل منها حظا في تحقيق احلامه الشخصية عبر اشعال نيران لاتخمد جذوتها في مناطق اخرى ابرزها الشرق الاوسط وان اقتضى ذلك احراق غابات من البشر في فلسطين وهي ارض بعيدة على اية حال، بينما الناخب اليهودي يقيم داخل الارض الاميركية ويحتل مساحة سياسية واسعة وبامتياز. ونقتبس هنا مقاطع من حوار تلفزيوني بين زعيم الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب الاميركي ريتشارد آرمي وبين الاعلامي كريس ماثيوز، جرى في الاول من مايو الماضي عشية اصدار الكونغرس قراره الداعم لاسرائيل وننقل الترجمة عن جريدة «النهار» اللبنانية (12 مايو). ـ ماثيوز: هناك قتال بين العرب والاسرائيليين حول من يملك كل فلسطين، هل تؤيد فكرة وجود دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل اذا كانت دولة تحترم حدود الآخرين؟ ـ آرمي: اكون راضيا تماما بوجود دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل اذا كانت دولة تحترم حدود الآخرين. ـ ماثيوز: انت تختلف (180) درجة مع طوم ديلاي (جمهوري في مجلس النواب) الذي قال هذا الاسبوع ان الضفة الغربية كلها تنتمي الى اسرائيل، الى تلك الدولة التي ليست دولة عربية. ـ آرمي: أنا... ـ ماثيوز: يجب الا تكون هناك دولة؟ ـ آرمي: لا. اكون راضيا تماما بدولة فلسطينية لكنني لا ارضى بالتنازل عن اي جزء من اسرائيل من اجل دولة فلسطينية. ـ ماثيوز: لحظة. طوم ديلاي قال ان كل الضفة الغربية ويسميها يهودا والسامرة تنتمي الى اسرائيل... ـ آرمي: اكون راضيا بأن تأخذ اسرائيل الضفة الغربية، واكون راضيا ايضا بأن يحصل الفلسطينيون على وطن، وحتى بأن يكون هذا الوطن في مكان ما قرب اسرائيل... ـ اين تضع الدولة الفلسطينية .. في النرويج؟ عندما يأخذ الاسرائيليون الضفة الغربية لن يكون هناك مكان آخر للفلسطينيين يقيمون عليه دولة. ـ آرمي: لا.لا. هذا ليس صحيحا هناك دول عربية كثيرة لديها مساحات شاسعة. ـ ماثيوز: يعني انك تنقل الفلسطينيين من فلسطين الى مكان آخر ثم تسميه دولتهم؟ ـ آرمي: معظم الاشخاص الذين يعيشون في اسرائيل الآن نقلوا من مختلف انحاء العالم الى تلك الأرض وجعلوها وطنهم ويمكن للفلسطينيين ان يفعلوا الشيء نفسه... ـ ماثيوز: السؤال هو: ماهو مستقبل الفلسطينيين الذين يقاتلون اسرائيل الآن؟ هل تقول ان الحل برحيل الفلسطينيين؟ ـ آرمي: صحيح. فالفلسطينيون يقولون ان الحل هو برحيل الاسرائيليين. ـ ماثيوز: فلنكرر: اذن انت تعتقد ان الفلسطينيين الذين يعيشون الآن في الضفة الغربية يجب ان يخرجوا منها؟ ـ آرمي: نعم. المهم في هذا الحوار، وهو مطول وقد اقتبسنا مقاطع منه فقط هو ان زعيم الاغلبية الجمهورية الحاكمة يستطيع ان يوفق، والاصح ان يلفق بين قيام دولة فلسطينية وبين طرد الفلسطينيين من ديارهم في آن واحد، مع ان الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش مازال يعتمد الوصف الاميركي الرسمي منذ العام 1967 وهو ان الضفة الغربية «ارض محتلة». ولكن هذا كله لايعود مهما، فالسياسة الداخلية والمحلية هي الاساس وارضاء اللوبي اليهودي هو القضية والحريق يشب في مكان آخر يقع ما بين فلسطين و.. النرويج (!). شقيق الرئيس و... كوبا .. والامر نفسه ينطبق على سياسات الرئيس جورج دبليو بوش، فالانتخابات التشريعية في نوفمبر المقبل، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية في العام 2004 هي هاجس الرئيس، كما كانت هاجس كل رئيس سبقه، ما يعني ان السياسة الخارجية لاتقوم بالضرورة على المصالح القومية البعيدة المدى بل على قبول الناخب المحلي لها، فهي مفيدة بمقدار ما يستطيع المطبخ المحلي ان يجعل منها وجبة يقبل عليها الجمهور وأصحاب المصالح. ولنأخذ زيارة الرئيس الاسبق جيمي كارتر الى كوبا ولقاءه مع زعيمها فيديل كاسترو. فقد ترددت روايات في الاعلام الاميركي ان زيارة الرئيس كارتر لم تأت من فراغ وانما كانت تمهيدا مقبولا من البيت الابيض والادارة الاميركية الجمهورية لتحسين العلاقات ورفع بعض العقوبات عن كوبا في سياق نهاية الحرب الباردة التي جعلت من فيتنام، وقد سقط فيها (55) الف قتيل اميركي، دولة صديقة. ولكن الزيارة انتهت الى نتائج معاكسة تماما وبدلا من تخفيف العقوبات فقد زادت تشددا، لماذا؟ بالصدفة وقع في يد احد سكان واشنطن كومبيوتر ومعه (ديسك) تبين انه يخص البيت الابيض، في الديسك الجمهوري وضع مساعد الرئيس للشئون الاستراتيجية كارل روف خطة الحزب للانتخابات التشريعية المقبلة وفي سياق الخطة كانت هناك ملاحظة حول احتمال سقوط حاكم فلوريدا شقيق الرئيس جب بوش في الانتخابات. ولان المنفيين الكوبيين في ولاية فلوريدا يشكلون كتلة انتخابية تكاد تكون الابرز والاهم فقد تغير موقف الرئيس من كوبا ولان ارضاء الناخب المحلي هو الاساس فقد طارت زيارة الرئيس كارتر وبعثرتها رياح الانتخابات المقبلة. ومثل هذا حصل عندما قرر الرئيس التنازل عن مبدأ حرية التجارة مع ان اميركا هي ابرز المدافعين عنه وفرض حماية الحديد والصلب ارضاء لنقابات العمال في وجه احتجاج العالم كله. وحصل ايضا عندما قررت الادارة الاميركية الضرب عرض الحائط ببروتوكول «كيوتو» ارضاء لأصحاب المصانع ولن نتحدث عن برنامج حرب النجوم الذي اعيد احياؤه ارضاء للصناعات العسكرية في مواجهة اسامة بن لادن(!). أليس مخيفا ان تتحول الامبراطورية الى مطعم للوجبات السريعة يقوم على ضفة نهر الباتوماك في بلدة صغيرة اسمها واشنطن؟ بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق