الملف السياسي ـ التاريخ: 29 سبتمبر 2000
النائب من اصل لبناني في برلمان دولة البيرو البرتو خوري كان
هو البطل في الفضيحة التي دفعت رئيس البيرو (المنتخب) للمرة الثالثة البرتو
فوجيموري الى الاعلان عن تنحيه عن سدة الرئاسة, في موعد اقصاه 28 يوليو
العام المقبل, وهو يصادف اليوم الوطني للاستقلال, وهو موعد مبدئي قابل
للتمديد. البطل من اصل لبناني البرتو خوري ترشح للانتخابات وانتخبته
القاعدة الشعبية باعتباره معارضا للحكومة, سوف يعمل على كشف الفساد في
السلطة, ولكن هذا البطل ظهر في شريط فيديو, وعلى مدى ساعة كاملة وهو يتفاوض
مع رئيس جهاز الاستخبارات القومي فلاديميرو مونتيسينو حول الثمن الذي سوف
يقبضه اذا انتقل من صفوف المعارضة لينضم الى صف الحكومة, وتم الاتفاق بين
النائب وقائد جهاز الاستخبارات على مبلغ (15) ألف دولار, واخرجها قائد جهاز
الاستخبارات من جيبه نقدا ودفعها للنائب بينما وقع النائب على (اعتراف)
بأنه قبض المبلغ واضاف الى التوقيع (بصمة) ابهامه كي يطمئن قائد
الاستخبارات الى ان المهمة قد انجزت وانه تم شراء النائب لمصلحة الرئيس
المنتخب للمرة الثالثة فوجيموري.
وكما تبين فيما بعد أن قائد جهاز المخابرات القومي يملك في مكتبه (2500) شريط فيديو من هذا النوع, يضمن بها ولاء المعارضة للرئيس وللديمقراطية التي نجح الرئيس في الحفاظ عليها طيلة عشر سنوات, منذ انتخابه رئيسا لأول مرة وكذلك نجاحه في (اقناع) المعارضة بتعديل الدستور كي يتمكن من ترشيح نفسه لولاية ثالثة. وما يجري في البيرو هو نسخة منقحة عما يجري في معظم هذا العالم العربي و... الثالث, حيث (الاجهزة) تعمل في خدمة المعارضة والمواطن معا . لبنان و... الاجهزة ولعل لبنان هو احد الرواد العرب في الحديث عن (الاجهزة) والدور الذي تلعبه في اللعبة الانتخابية, وفي خلال الانتخابات الاخيرة لم تقتصر الشكاوى من الاجهزة على مرشحي المعارضة وحدهم. اذ ان مرشحي الحكومة, وبعضهم محسوب على وزير الداخلية وهو (صاحب الاجهزة) كما يفترض, شكا وبحرقة شديدة من (فلتان الاجهزة ومن الاشباح) . وهذه العبارة الاخيرة هي اكثر دقة في التعبير عن كفاءة الاجهزة وقدراتها, والحديث بالطبع هو عن اجهزة الاستخبارات ومهمتها في الاساس هي المحافظة على امن البلاد والعباد, من اعداء الخارج بشكل خاص, ولكنها في العالم العربي والثالث نجحت في تطوير مواهبها وقدراتها وزيادة عددها لتصل الى (16) جهازا في بعض البلدان, تضم نحو (800) ألف عنصر, اي ما يزيد على ربع القوى العاملة مما دفع احد المحللين الى القول بأن اجهزة الاستخبارات تشكل اكبر نقابة في العالم العربي وليس صدفة ان النائب اللبناني وليد جنبلاط عندما طالب مؤخرا بوقف (عسكرة النظام) فقد طالب بالغاء ما يعرف باسم (غرفة الاوضاع) وهي ترجمة عن المصطلح الغربي (ٍُُز َُىفىس موش) غير ان هذا المصطلح غالبا ما يستخدم في الغرب عسكريا وهو اقرب الى غرفة العمليات, ولكنه وفق الترجمة المحلية, يجمع قيادات القوى العسكرية والامنية والاستخباراتية بجناحيها المدني والعسكري ليتابع تطورات الاوضاع داخل البلد ميدانيا وهو يتبع رئاسة الجمهورية.
... وفي فلسطين يقول مدير المخابرات الفلسطينية العامة توفيق الصيراوي, في مقابلة بثتها شبكة التلفزيون في أبوظبي: ان المخابرات هي علم وان مهمتها هي حماية السلام والاقتصاد والامن ومنع اختراق العدو لصفوف الناس وقطاعات الشعب, ويقول ايضا: اينما يتواجد مواطن فلسطيني فنحن متواجدون وهذه العبارات تصلح دستورا للمخابرات لأن تلك هي مهمتها في الاساس, حماية المواطن والوطن, ولكن هذه المهمة تتغير وغالبا ما تنحرف, ليس لأن أجهزة الاستخبارات سيئة بحكم تكوينها, وهل هناك مواطن عربي لا يفخر ببطولات رأفت الهجان؟ ولكن لأن القيادة السياسية في البلد هي غالبا من يكلف هذه الاجهزة بالانحراف عن مهمتها الاصلية فتتحول من صديق للمواطن وخط الدفاع الاول عنه لتصبح عدوا للمواطن, وسببا في شعوره بالذعر والخوف بل والرعب ايضا.
فضيحة السي. آي. ايه وهذا يحدث في العالم المتقدم ايضا, ولعل آخر نموذج هو ما كشفت عنه وثائق وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية الاسبوع الماضي, من ان قائد جهاز الاستخبارات العسكرية في ظل حكم الجنرال اوجستو بينوشيه في تشيلي, هو من وضع خطة اغتيال سفير تشيلي السابق في واشنطن, عبر تفجير سيارته في قلب مدينة نيويورك, وهو ما ادى الى مقتل السفير وكذلك مساعده الامريكي, وجرح عدد آخر من الامريكيين وكان قائد الاستخبارات في تشيلي في تلك الفترة يتقاضى راتبا من السي. آي. ايه عندما قام بتفجير سيارة السفير في مدينة نيويورك, اي ان اموال دافع الضرائب الامريكي كانت تستقر في جيوب ضباط مجنون لايأبه بأن يقوم بتفجير سيارة في مدينة يزيد عدد سكانها وزوارها على (16) مليون نسمة يقوم فيها مبنى الامم المتحدة, وهي أهم مؤسسة شرعية دولية.
وعودة الى البيرو وهي تشهد حركة ثورية مسلحة تحمل اسم (الدرب المضيء) وقد نجح الرئيس فوجيموري في الحد من نشاطاتها المسلحة, كما حقق اصلاحات اقتصادية استحق عليها اعجاب وتعاون حكومات الغرب الديمقراطية. لقد لجأ قائد الاستخبارات الى بناما وهو يمكن ان يستقر فيها لاجئا سياسيا ولو الى حين ولكن هذا لا ينهي الازمة وفقا للمعارضة فإن من السهل ان تتخلص من حاكم ديكتاتور اذا قرر الجيش ومعه الشعب. اطاحته, كما حدث في تشيلي وفي اندونيسيا, ولكن النظام في البيرو تحكمه مافيا مشتركة عسكرية ومدنية وهي متداخلة المصالح, فالعسكر وفيهم قادة من عائلة الرئيس ومن انسبائه يدعمهم جهاز استخبارات قوي, هو من اختارهم لمناصبهم وبالتالي يقوم بحماية ظهورهم, وهؤلاء العسكر هم شركاء مع طاقم من السياسيين, في المجلس كما في الحكومة ولهم امتدادتهم الشعبية واذا قررت المعارضة السير في حملتها حتى النهاية فإن البيرو سوف تكون امام خيارين: اما توسيع نطاق الحرب الاهلية لتشمل العاصمة ايضا وهو ما سوف يدمر الاقتصاد والبنية التحتية واما انقلاب يقوده العسكر, وتدعهم الاستخبارات يحول الرئيس فوجيموري او اي رئيس سواه الى واجهة يحكم الجنرالات من خلفها. الخيار الديمقراطي... الصعب اذن هل يبقى الخيار الديمقراطي غائبا؟ ترد مجلة (الايكونوميست) البريطانية في تقرير من البيرو, تقول فيه: من السهل الحديث عن تنحي الرئيس وعن عودة الديمقراطية اما الاصعب فهو التنفيذ لان هذا النوع من الانظمة يجعل من الحرب الاهلية اسهل خياراته. وهنا تكمن المشكلة بالطبع, لأنك تضع الشعب امام خيارين: اما الحرب الاهلية وتقسيم البلد واغراقها بالدم على امل الوصول الى الديمقراطية الموعودة واما القبول بحكم المافيا العسكرية والاستخباراتية مدعومة بطاقم سياسي قاس ولو الى حين... وهو ما يراهن عليه الرئيس فوجيموري. شوقي رافع
وكما تبين فيما بعد أن قائد جهاز المخابرات القومي يملك في مكتبه (2500) شريط فيديو من هذا النوع, يضمن بها ولاء المعارضة للرئيس وللديمقراطية التي نجح الرئيس في الحفاظ عليها طيلة عشر سنوات, منذ انتخابه رئيسا لأول مرة وكذلك نجاحه في (اقناع) المعارضة بتعديل الدستور كي يتمكن من ترشيح نفسه لولاية ثالثة. وما يجري في البيرو هو نسخة منقحة عما يجري في معظم هذا العالم العربي و... الثالث, حيث (الاجهزة) تعمل في خدمة المعارضة والمواطن معا . لبنان و... الاجهزة ولعل لبنان هو احد الرواد العرب في الحديث عن (الاجهزة) والدور الذي تلعبه في اللعبة الانتخابية, وفي خلال الانتخابات الاخيرة لم تقتصر الشكاوى من الاجهزة على مرشحي المعارضة وحدهم. اذ ان مرشحي الحكومة, وبعضهم محسوب على وزير الداخلية وهو (صاحب الاجهزة) كما يفترض, شكا وبحرقة شديدة من (فلتان الاجهزة ومن الاشباح) . وهذه العبارة الاخيرة هي اكثر دقة في التعبير عن كفاءة الاجهزة وقدراتها, والحديث بالطبع هو عن اجهزة الاستخبارات ومهمتها في الاساس هي المحافظة على امن البلاد والعباد, من اعداء الخارج بشكل خاص, ولكنها في العالم العربي والثالث نجحت في تطوير مواهبها وقدراتها وزيادة عددها لتصل الى (16) جهازا في بعض البلدان, تضم نحو (800) ألف عنصر, اي ما يزيد على ربع القوى العاملة مما دفع احد المحللين الى القول بأن اجهزة الاستخبارات تشكل اكبر نقابة في العالم العربي وليس صدفة ان النائب اللبناني وليد جنبلاط عندما طالب مؤخرا بوقف (عسكرة النظام) فقد طالب بالغاء ما يعرف باسم (غرفة الاوضاع) وهي ترجمة عن المصطلح الغربي (ٍُُز َُىفىس موش) غير ان هذا المصطلح غالبا ما يستخدم في الغرب عسكريا وهو اقرب الى غرفة العمليات, ولكنه وفق الترجمة المحلية, يجمع قيادات القوى العسكرية والامنية والاستخباراتية بجناحيها المدني والعسكري ليتابع تطورات الاوضاع داخل البلد ميدانيا وهو يتبع رئاسة الجمهورية.
... وفي فلسطين يقول مدير المخابرات الفلسطينية العامة توفيق الصيراوي, في مقابلة بثتها شبكة التلفزيون في أبوظبي: ان المخابرات هي علم وان مهمتها هي حماية السلام والاقتصاد والامن ومنع اختراق العدو لصفوف الناس وقطاعات الشعب, ويقول ايضا: اينما يتواجد مواطن فلسطيني فنحن متواجدون وهذه العبارات تصلح دستورا للمخابرات لأن تلك هي مهمتها في الاساس, حماية المواطن والوطن, ولكن هذه المهمة تتغير وغالبا ما تنحرف, ليس لأن أجهزة الاستخبارات سيئة بحكم تكوينها, وهل هناك مواطن عربي لا يفخر ببطولات رأفت الهجان؟ ولكن لأن القيادة السياسية في البلد هي غالبا من يكلف هذه الاجهزة بالانحراف عن مهمتها الاصلية فتتحول من صديق للمواطن وخط الدفاع الاول عنه لتصبح عدوا للمواطن, وسببا في شعوره بالذعر والخوف بل والرعب ايضا.
فضيحة السي. آي. ايه وهذا يحدث في العالم المتقدم ايضا, ولعل آخر نموذج هو ما كشفت عنه وثائق وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية الاسبوع الماضي, من ان قائد جهاز الاستخبارات العسكرية في ظل حكم الجنرال اوجستو بينوشيه في تشيلي, هو من وضع خطة اغتيال سفير تشيلي السابق في واشنطن, عبر تفجير سيارته في قلب مدينة نيويورك, وهو ما ادى الى مقتل السفير وكذلك مساعده الامريكي, وجرح عدد آخر من الامريكيين وكان قائد الاستخبارات في تشيلي في تلك الفترة يتقاضى راتبا من السي. آي. ايه عندما قام بتفجير سيارة السفير في مدينة نيويورك, اي ان اموال دافع الضرائب الامريكي كانت تستقر في جيوب ضباط مجنون لايأبه بأن يقوم بتفجير سيارة في مدينة يزيد عدد سكانها وزوارها على (16) مليون نسمة يقوم فيها مبنى الامم المتحدة, وهي أهم مؤسسة شرعية دولية.
وعودة الى البيرو وهي تشهد حركة ثورية مسلحة تحمل اسم (الدرب المضيء) وقد نجح الرئيس فوجيموري في الحد من نشاطاتها المسلحة, كما حقق اصلاحات اقتصادية استحق عليها اعجاب وتعاون حكومات الغرب الديمقراطية. لقد لجأ قائد الاستخبارات الى بناما وهو يمكن ان يستقر فيها لاجئا سياسيا ولو الى حين ولكن هذا لا ينهي الازمة وفقا للمعارضة فإن من السهل ان تتخلص من حاكم ديكتاتور اذا قرر الجيش ومعه الشعب. اطاحته, كما حدث في تشيلي وفي اندونيسيا, ولكن النظام في البيرو تحكمه مافيا مشتركة عسكرية ومدنية وهي متداخلة المصالح, فالعسكر وفيهم قادة من عائلة الرئيس ومن انسبائه يدعمهم جهاز استخبارات قوي, هو من اختارهم لمناصبهم وبالتالي يقوم بحماية ظهورهم, وهؤلاء العسكر هم شركاء مع طاقم من السياسيين, في المجلس كما في الحكومة ولهم امتدادتهم الشعبية واذا قررت المعارضة السير في حملتها حتى النهاية فإن البيرو سوف تكون امام خيارين: اما توسيع نطاق الحرب الاهلية لتشمل العاصمة ايضا وهو ما سوف يدمر الاقتصاد والبنية التحتية واما انقلاب يقوده العسكر, وتدعهم الاستخبارات يحول الرئيس فوجيموري او اي رئيس سواه الى واجهة يحكم الجنرالات من خلفها. الخيار الديمقراطي... الصعب اذن هل يبقى الخيار الديمقراطي غائبا؟ ترد مجلة (الايكونوميست) البريطانية في تقرير من البيرو, تقول فيه: من السهل الحديث عن تنحي الرئيس وعن عودة الديمقراطية اما الاصعب فهو التنفيذ لان هذا النوع من الانظمة يجعل من الحرب الاهلية اسهل خياراته. وهنا تكمن المشكلة بالطبع, لأنك تضع الشعب امام خيارين: اما الحرب الاهلية وتقسيم البلد واغراقها بالدم على امل الوصول الى الديمقراطية الموعودة واما القبول بحكم المافيا العسكرية والاستخباراتية مدعومة بطاقم سياسي قاس ولو الى حين... وهو ما يراهن عليه الرئيس فوجيموري. شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق