من الملف السياسي: قضايا صغيرة: التاريخ: 22 أكتوبر 1999
العبارة الشائعة في الوطن العربي عن الاجتماعات الرسمية هي ان
اكثر الاجتماعات نجاحا تلك التي يعقدها وزراء الداخلية العرب, فهم دائما
يخرجون متفقين (!)دول الاتحاد الاوروبي الخمس عشرة تعيش وضعا مشابها, وان
اختلفت التفاصيل , فوزراء الداخلية فيها نجحوا في توحيد صفوفهم لمواجهة
الخطر المشترك من نظرائهم وزراء العدل في دول الاتحاد, والمواجهة بين
الفريقين ساخنة, وهي تطرح سؤالا ساخنا ايضا هو: ايهما يأتي اولا السيادة ام
الامن, امن النظام ام امن الشعوب؟
* لماذا يختلف موقف وزراء الداخلية في اوروبا عن موقف زملائهم وزراء العدل مع ان الفريقين يعملان معا تحت لافتة واحدة هي الأمن؟ - الجواب بالعربي والاوروبي هو ان وزراء الداخلية يهتمون اولا بأمن الانظمة بينما وزراء العدل يهتمون بأمن الشعوب. والاجابة بالطبع تحمل قدرا من سوء النية لان امن الانظمة في اوروبا لا يبتعد كثيرا عن امن الشعوب. سيرة موحدة للجريمة هذا في السياق النظري اما ميدانيا فإن الاجابة تبدو اكثر تعقيدا, كما ظهر من خلال الاجتماع الذي عقده رؤساء حكومات دول الاتحاد الاوروبي يومي 15 و 16 اكتوبر الجاري في بلدة تامبر الفنلندية, وكانت المسألة الرئىسية التي ناقشها الرؤساء هي (السوق الاوروبية الموحدة.. للجريمة المنظمة) . ويتضمن هذا العنوان بنوداً ابرزها: الهجرة غير الشرعية او التسلل الى دول الاتحاد الاوروبي, بعد فتح الحدود بينها والغاء التأشيرات, وكذلك تهريب المخدرات والسلاح على ايدي عصابات تعمل عبر القارات. وهذه العناوين تكشف ان ما يهدد أمن الانظمة يهدد امن الشعوب في الوقت ذاته, وبالتالي فان مواجهة الجريمة المنظمة تخدم الغايتين معاً, و بالطبع فإن وزراء الداخلية في تلك الدول هم رأس الحربة في هذه المواجهة. مع ذلك فإن وزراء الداخلية بالذات كانوا هم الاقل استجابة لأي اجراءات ميدانية, لان هذه الاجراءات تقف على خط التماس مع سيادة كل دولة او ما تبقى من تلك السيادة بعد ان بسط الاتحاد هيمنته على الدول الاعضاء. نصف مليون متسلل * ما هي هذه الاجراءات التي تفصل بين وزراء الداخلية في الاتحاد؟ هنا بعض التفاصيل: ـ تقول الارقام الاوروبية الرسمية التي اعتمدها وزراء الداخلية ان 500 الف متسلل على الاقل يدخلون سنويا الى دول الاتحاد بطرق غير شرعية, وانه من بين كل ثلاثة طرادات او زوارق تنقل المتسللين فإن زورقا واحدا يتم القبض عليه, اما الاثنان الباقيان فانهما ينجحان في التسلل مع حمولتهما من البشر والمخدرات والسلاح, ولكن التجارة بالبشر باتت هي المفضلة لدى مافيا الجريمة المنظمة, ويطرح تقرير أمني اوروبي نماذج على هذه الجريمة فيشير الى ان المهربين الذين ينشطون بين البانيا وايطاليا يتقاضون مبلغ مليون لير ايطالي (540 دولارا) عن كل رأس ويستخدمون زوارق لا تزيد قيمتها على اكثر من خمسة آلاف دولار, وهم يستطيعون القيام بأكثر من 15 رحلة شهريا, اذ ان المسافة الفاصلة بين البانيا وايطاليا لا تزيد على 55 كيلومترا, ويستطيع الزورق ان ينقل مالا يقل عن 30 راكبا في كل رحلة, وليس مهما ان يصل الركاب الى شاطئ الامان اذ ان قائد الزورق كان في معظم الحالات يلقي بالحمولة من الركاب في البحر اذا ما شاهد دورية لخفر السواحل تقترب منه, ولا تقتصر اغراءات هذه الجريمة على اجور التهريب وحدها اذ ان كثيرين من المتسللين هم من الفتيات, من نوع الرقيق الابيض الذي تتاجر به المافيا, وما ان تصل الفتاة الى احدى دول الاتحاد حتى تتحول الى تجارة قائمة بذاتها تدر آلاف الدولارات شهريا على العاملين في صفوف المافيا. واذا اضيفت المخدرات الى الشحنة او السلاح فان هذه التجارة تصبح بالمليارات من الدولارات سنويا, وهو ما يمنح المافيا قدرات هائلة تقنية وبشرية, واساطيل تعمل برا وبحرا وجوا احيانا على نقل المتسللين عبر القارات ووفقا لاحصاءات الشرطة في ميناء ابيولا الايطالي فانه في عام 1977 مثلا تم اعتقال 7937 متسللا البانيا, و4890 متسللا من دولة يوغسلافيا سابقا, وكذلك 4573 عراقيا, وآلاف اخرين من تركيا وافغانستان وباكستان ومصر والصين وسريلانكا والهند وبنجلاديش. اذن فان هذه الشحنات البشرية تأتي من قارات العالم الخمس ويتم تجميعها في محطات قريبة ثم شحنها في الاوقات المناسبة, وبعد الغاء تأشيرات السفر بين دول الاتحاد الاوروبي, باستثناء بريطانيا حتى الآن, فقد بات سهلاً على هذه العصابات ان تعمل في نطاق 15 دولة, انطلاقا من (الاماكن الرخوة) , واحداها ايطاليا, والثانية اسبانيا. السيادة في مواجهة ابطال هذه السوق الاوروبية الموحدة للجريمة المنظمة عقدت دول الاتحاد فيما بينها اتفاقيات امنية, وبناء على توصيات وزراء الداخلية, تضمن سيادتها, ابرزها اتفاقية (شينجين) وهي تقضي بأن تكون كل دولة مسئولة عن امن حدودها مع الدول خارج الاتحاد الاوروبي, مع تقديم اية مساعدة تطلبها لحماية هذه الحدود, وقد تلقت ايطاليا بموجب هذه الاتفاقية, مساعدات مالية من السوق عندما نجحت في (اقناع) البانيا بتأجيرها قاعدة بحرية ينطلق منها خفر السواحل الايطالي لمراقبة زوارق المهربين عند انطلاقها وقبل وصولها الى المياة الايطالية. وبالطبع, وكما اكتشفت دول الاتحاد لاحقا فان اجراءات الحدود الخارجية وحدها لا تكفي, ولابد من اجراءات في داخل كل دولة لتعقب المجرمين واعتقالهم ووقف نشاطاتهم, وهذا يعني مثلاً ان الشرطة الالمانية تستطيع تعقب المجرم ومطاردته وصولاً الى فرنسا, بدل الاتصالات الروتينية بين القوى الامنية في البلدين, وهي تستغرق وقتاً يسمح للمجرمين بالافلات من المطاردة او بتمرير شحنات مهربة بين دولة واخرى. بل الأمن وبينما عارض وزراء الداخلية اي اجراء من هذا النوع مفضلين الاحتفاظ بالامر الواقع مع تسهيل عمليات تبادل المعلومات وتقليص عمليات الاتصال, فان نظرائهم وزراء العدل سارعوا الى انتهاز الفرصة وطرحوا مشاريع وحدوية من بينها اقامة مكتب يتولاه مدع عام اوروبي وكذلك محكمة فيدرالية اوروبية تكون احكامها نافذة في الدول الاعضاء جميعها, فاذا حكمت هذه المحكمة مثلا بسحب رخصة القيادة من مواطن في احدى دول الاتحاد فان هذا المواطن سوف يكون عاجزاً عن قيادة سيارته في كل دول الاتحاد.. وفي هذه الحالة فان اتفاقية تبادل المجرمين بين دول الاتحاد تصبح لاغية ولا ضرورة لها, لان اي مجرم في اي بلد سوف يكون لديه (ملف اوروبي) , فهو لا يستطيع ان يرتكب جريمة في دولة وان يتحول الى رجل شريف في دولة اخرى من دول الاتحاد. وتلقى اقتراحات وتوصيات وزراء العدل الاوروبيين اذانا صاغية لدى الرأي العام الاوروبي, اذ ان المواطن في دول الاتحاد لم يعد ضحية للمجرم المحلي فقط, بل للمجرم الاوروبي بكل هوياته, واذا اضيف المتسللون والمقيمون بصورة غير شرعية الى قائمة الجريمة المنظمة فان هواجس الامن الشخصي تتقدم على سواها واذا كان الخيار امام هذا المواطن بين توفير الحماية الشخصية وبين التنازل عن بعض السيادة فانه بالتأكيد يختار الحماية الشخصية وينضم الى وزراء العدل بحثا عن هذه الحماية, الا اذا نجح وزراء الداخلية الاوروبيون في الاستفادة من الخبرات العربية في هذا المجال (واقنعوا) مواطنيهم بأن السيادة اولا واخيرا ايضا (!).
* لماذا يختلف موقف وزراء الداخلية في اوروبا عن موقف زملائهم وزراء العدل مع ان الفريقين يعملان معا تحت لافتة واحدة هي الأمن؟ - الجواب بالعربي والاوروبي هو ان وزراء الداخلية يهتمون اولا بأمن الانظمة بينما وزراء العدل يهتمون بأمن الشعوب. والاجابة بالطبع تحمل قدرا من سوء النية لان امن الانظمة في اوروبا لا يبتعد كثيرا عن امن الشعوب. سيرة موحدة للجريمة هذا في السياق النظري اما ميدانيا فإن الاجابة تبدو اكثر تعقيدا, كما ظهر من خلال الاجتماع الذي عقده رؤساء حكومات دول الاتحاد الاوروبي يومي 15 و 16 اكتوبر الجاري في بلدة تامبر الفنلندية, وكانت المسألة الرئىسية التي ناقشها الرؤساء هي (السوق الاوروبية الموحدة.. للجريمة المنظمة) . ويتضمن هذا العنوان بنوداً ابرزها: الهجرة غير الشرعية او التسلل الى دول الاتحاد الاوروبي, بعد فتح الحدود بينها والغاء التأشيرات, وكذلك تهريب المخدرات والسلاح على ايدي عصابات تعمل عبر القارات. وهذه العناوين تكشف ان ما يهدد أمن الانظمة يهدد امن الشعوب في الوقت ذاته, وبالتالي فان مواجهة الجريمة المنظمة تخدم الغايتين معاً, و بالطبع فإن وزراء الداخلية في تلك الدول هم رأس الحربة في هذه المواجهة. مع ذلك فإن وزراء الداخلية بالذات كانوا هم الاقل استجابة لأي اجراءات ميدانية, لان هذه الاجراءات تقف على خط التماس مع سيادة كل دولة او ما تبقى من تلك السيادة بعد ان بسط الاتحاد هيمنته على الدول الاعضاء. نصف مليون متسلل * ما هي هذه الاجراءات التي تفصل بين وزراء الداخلية في الاتحاد؟ هنا بعض التفاصيل: ـ تقول الارقام الاوروبية الرسمية التي اعتمدها وزراء الداخلية ان 500 الف متسلل على الاقل يدخلون سنويا الى دول الاتحاد بطرق غير شرعية, وانه من بين كل ثلاثة طرادات او زوارق تنقل المتسللين فإن زورقا واحدا يتم القبض عليه, اما الاثنان الباقيان فانهما ينجحان في التسلل مع حمولتهما من البشر والمخدرات والسلاح, ولكن التجارة بالبشر باتت هي المفضلة لدى مافيا الجريمة المنظمة, ويطرح تقرير أمني اوروبي نماذج على هذه الجريمة فيشير الى ان المهربين الذين ينشطون بين البانيا وايطاليا يتقاضون مبلغ مليون لير ايطالي (540 دولارا) عن كل رأس ويستخدمون زوارق لا تزيد قيمتها على اكثر من خمسة آلاف دولار, وهم يستطيعون القيام بأكثر من 15 رحلة شهريا, اذ ان المسافة الفاصلة بين البانيا وايطاليا لا تزيد على 55 كيلومترا, ويستطيع الزورق ان ينقل مالا يقل عن 30 راكبا في كل رحلة, وليس مهما ان يصل الركاب الى شاطئ الامان اذ ان قائد الزورق كان في معظم الحالات يلقي بالحمولة من الركاب في البحر اذا ما شاهد دورية لخفر السواحل تقترب منه, ولا تقتصر اغراءات هذه الجريمة على اجور التهريب وحدها اذ ان كثيرين من المتسللين هم من الفتيات, من نوع الرقيق الابيض الذي تتاجر به المافيا, وما ان تصل الفتاة الى احدى دول الاتحاد حتى تتحول الى تجارة قائمة بذاتها تدر آلاف الدولارات شهريا على العاملين في صفوف المافيا. واذا اضيفت المخدرات الى الشحنة او السلاح فان هذه التجارة تصبح بالمليارات من الدولارات سنويا, وهو ما يمنح المافيا قدرات هائلة تقنية وبشرية, واساطيل تعمل برا وبحرا وجوا احيانا على نقل المتسللين عبر القارات ووفقا لاحصاءات الشرطة في ميناء ابيولا الايطالي فانه في عام 1977 مثلا تم اعتقال 7937 متسللا البانيا, و4890 متسللا من دولة يوغسلافيا سابقا, وكذلك 4573 عراقيا, وآلاف اخرين من تركيا وافغانستان وباكستان ومصر والصين وسريلانكا والهند وبنجلاديش. اذن فان هذه الشحنات البشرية تأتي من قارات العالم الخمس ويتم تجميعها في محطات قريبة ثم شحنها في الاوقات المناسبة, وبعد الغاء تأشيرات السفر بين دول الاتحاد الاوروبي, باستثناء بريطانيا حتى الآن, فقد بات سهلاً على هذه العصابات ان تعمل في نطاق 15 دولة, انطلاقا من (الاماكن الرخوة) , واحداها ايطاليا, والثانية اسبانيا. السيادة في مواجهة ابطال هذه السوق الاوروبية الموحدة للجريمة المنظمة عقدت دول الاتحاد فيما بينها اتفاقيات امنية, وبناء على توصيات وزراء الداخلية, تضمن سيادتها, ابرزها اتفاقية (شينجين) وهي تقضي بأن تكون كل دولة مسئولة عن امن حدودها مع الدول خارج الاتحاد الاوروبي, مع تقديم اية مساعدة تطلبها لحماية هذه الحدود, وقد تلقت ايطاليا بموجب هذه الاتفاقية, مساعدات مالية من السوق عندما نجحت في (اقناع) البانيا بتأجيرها قاعدة بحرية ينطلق منها خفر السواحل الايطالي لمراقبة زوارق المهربين عند انطلاقها وقبل وصولها الى المياة الايطالية. وبالطبع, وكما اكتشفت دول الاتحاد لاحقا فان اجراءات الحدود الخارجية وحدها لا تكفي, ولابد من اجراءات في داخل كل دولة لتعقب المجرمين واعتقالهم ووقف نشاطاتهم, وهذا يعني مثلاً ان الشرطة الالمانية تستطيع تعقب المجرم ومطاردته وصولاً الى فرنسا, بدل الاتصالات الروتينية بين القوى الامنية في البلدين, وهي تستغرق وقتاً يسمح للمجرمين بالافلات من المطاردة او بتمرير شحنات مهربة بين دولة واخرى. بل الأمن وبينما عارض وزراء الداخلية اي اجراء من هذا النوع مفضلين الاحتفاظ بالامر الواقع مع تسهيل عمليات تبادل المعلومات وتقليص عمليات الاتصال, فان نظرائهم وزراء العدل سارعوا الى انتهاز الفرصة وطرحوا مشاريع وحدوية من بينها اقامة مكتب يتولاه مدع عام اوروبي وكذلك محكمة فيدرالية اوروبية تكون احكامها نافذة في الدول الاعضاء جميعها, فاذا حكمت هذه المحكمة مثلا بسحب رخصة القيادة من مواطن في احدى دول الاتحاد فان هذا المواطن سوف يكون عاجزاً عن قيادة سيارته في كل دول الاتحاد.. وفي هذه الحالة فان اتفاقية تبادل المجرمين بين دول الاتحاد تصبح لاغية ولا ضرورة لها, لان اي مجرم في اي بلد سوف يكون لديه (ملف اوروبي) , فهو لا يستطيع ان يرتكب جريمة في دولة وان يتحول الى رجل شريف في دولة اخرى من دول الاتحاد. وتلقى اقتراحات وتوصيات وزراء العدل الاوروبيين اذانا صاغية لدى الرأي العام الاوروبي, اذ ان المواطن في دول الاتحاد لم يعد ضحية للمجرم المحلي فقط, بل للمجرم الاوروبي بكل هوياته, واذا اضيف المتسللون والمقيمون بصورة غير شرعية الى قائمة الجريمة المنظمة فان هواجس الامن الشخصي تتقدم على سواها واذا كان الخيار امام هذا المواطن بين توفير الحماية الشخصية وبين التنازل عن بعض السيادة فانه بالتأكيد يختار الحماية الشخصية وينضم الى وزراء العدل بحثا عن هذه الحماية, الا اذا نجح وزراء الداخلية الاوروبيون في الاستفادة من الخبرات العربية في هذا المجال (واقنعوا) مواطنيهم بأن السيادة اولا واخيرا ايضا (!).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق