حكايات سياسية: التاريخ: 19 فبراير 1999
المهاجرون الروس هم العنوان الجديد في خارطة المجتمع
الاسرائيلي, ووجود هؤلاء الروس في اسرائيل يكشف عن مكر التاريخ عندما تلهو
اصابعه العتيقة... بالمستقبل . (بيروبيجان) هي ارض روسية شاسعة, كانت في
العام 1934 (ارض الميعاد) لليهود في شتى انحاء العالم. الزعيم الروسي جوزيف
ستالين منحها اسم (جمهورية الحكم الذاتي لليهود) وأرسل مبعوثيه الى
الولايات المتحدة واوروبا وفلسطين, وكان هؤلاء المبعوثون يحملون لليهود,
كما لحكومات الدول التي يعيشون فيها رسالة واضحة ومحددة هي: ان الرفيق
ستالين, وللمرة الأولى في تاريخ الدولة البلشفية, اعترف بالوضع الخاص
لليهود, وقرر ان يمنحهم جمهورية مستقلة ذاتياً, هي جمهورية (بيروبيجان) ,
يبنون فيها كيانهم الذاتي وشخصيتهم المستقلة, مع السماح لهم بانشاء مدارسهم
الخاصة, يتعلمون فيها لغة (اليديتش) , وممارسة طقوسهم الدينية في أماكن
عبادتهم...)
600 روبل للمهاجر اما ما جعل رسالة هؤلاء المبعوثين أكثر جدّية واقناعاً فهو أنهم كانوا يحملون البومات من الصور يظهر فيها يهود بيروبيجان وهم يعملون فوق الجرارات الزراعية في حقولهم, وتظهر ابتسامات اطفالهم واسعة على وجوههم وهم يلهون في مدارس تحمل اسماء عبرية, وفوق كل هذا فقد أضاف الرفيق ستالين مكرمة جديدة وهي منح كل يهودي, عند وصوله الى بيروبيجان للاستقرار فيها مبلغ 600 روبل, وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الزمان, يعينه على بناء حياته الجديدة في جمهوريته الذاتية. وعلى ما يروي المؤرخ دافيد وزيرمان في كتابه ويحمل عنوان (كيف كانت) , فان ما يزيد على (41) الف عائلة يهودية وصلت الى بيروبيجان بين أعوام 1928 ــ 1938, واستقرت فيها, وهو رقم كبير ايضا بمقاييس ذلك الزمان, حيث كانت مجموعات اليهود في اوروبا تعيش في (جيتوات) منعزلة بعضها عن بعض, وكانت العائلات في تلك المعازل لا يزيد عددها على المئات, باستثناء فلسطين. وطنان قوميان اذن كان اليهود في حقبة الثلاثينات يتوزعون بين دعوتين لوطن قومي وأرض موعودة, واحدة في فلسطين وتتبنى الصهيونية الدعوة اليها, والثانية في بيروبيجان وتتبنى الشيوعية السوفييتية المساهمة في اقامتها وبحماسة كبيرة. ووفقا لرواية المؤرخ اليهودي ويزرمان, وهو حالياً يحتل منصبا بارزاً في بلدية (بيروبيجان) , فان ستالين كان جاداً في دعوته, فهو كان يوفر للراغبين في الهجرة الى جمهوريتهم الانتقال المجاني عبر القطارات, مع طعام مجاني طيلة الرحلة, وكان هذا يعني شيئاً كثيراً, فقد كان الجائعون في الارياف يعدون بالملايين, ويضاف الى هذا المبلغ النقدي وهو 600 روبل... ومن هنا فقد شهدت بيروبيجان وصول عائلات يهودية من الارجنتين ومن الولايات المتحدة وحتى من فلسطين. يا موشيه تعال الى هنا اذن, هل صدّق اليهود ان الارض الموعودة يمكن ان تكون في بيروبيجان؟ ويزرمان يتحفظ في الاجابة, ويقول: صحيح ان يهوداً كثيرين وصلوا.. ولكن اليهود الاوروبيين بالذات كانوا (معدمين) لم يكن لديهم ما يخسرونه, اما يهود اوكرانيا فقد تدافعوا في الثلاثينات الى بيروبيجان لان المجاعة كانت تجتاح بلادهم, وتضيف معلمة لغة (اليديتش) في المدرسة العبرية ماريا شوكتونا: لقد تركنا اوكرانيا لننجو من المجاعة) . وما يريد ويزرمان ان يؤكد عليه في كتابه هو ان اليهود اختاروا الهجرة الى الارض السوفييتية الموعودة لاسباب اقتصادية وليس لأسباب دينية, وهنا يظهر مكر التاريخ, فقد صدر كتاب ويزرمان في العام 1945, وفي العام الماضي وفي حوار نقلته وكالة (ايمج) على الانترنت, يصرخ المؤلف: (ان اسهل شيء في العالم هو ان نترك بيروبيجان وان نغادرها الى الأبد... ان شخصا سوف يتصل بك من اسرائيل ليقول لك (يا موشيه, تعال الى هنا, والق نظرة على هذا المكان, ان لديهم سيارات فارهة هنا, وقدراً هائلاً من الطعام... وهكذا فان الناس يغادرون) . أسباب اقتصادية مائة بالمائة وتقول وكالة (ايمج) ان أغنى المنظمات في بيروبيجان هي مؤسسة (سوكنوت) فرع من الوكالة اليهودية ــ وهي توفر مساعدات سخية لمن يود الهجرة الى اسرائيل, ومن بينها توفير بطاقات السفر بالطائرة لان كثيرين من اليهود الروس لا يملكون القدرة على توفير ثمنها, وفي كل يوم اثنين وخميس من كل اسبوع يحتشد المئات امام أبواب الوكالة, حيث يقوم مديرها ميخائيل ديمنت بالتدقيق في اوراق الراغبين بالهجرة, ويجلس ديمنت خلف مكتب يرفرف فوقه العلم الاسرائيلي, وهو مؤمن الى حد التعصب ان اسرائيل هي وطن اليهود, وان من حق كل يهودي ان يغادر بيروبيجان من دون اي تردد, يقول (نحن الجيش الوحيد في العالم الذي يعرف اصله ومن أين أتى, يمكنك ان تعود في ذلك الى اليوم الذي اسمانا فيه الله (الشعب اليهودي) , ان ما يجمعنا هو الايمان, وهو التوراة, واسرائيل هي وطننا القومي وارضنا الموعودة. وتنقل وكالة (ايمج) عن روما زينة روزنبرج, وهما يستعدان للسفر الى اسرائيل, حواراً يكشف الكثير عن دوافع اليهود الروس للهجرة, يقول روما وهو عامل في مصنع عاطل عن العمل (انني اهاجر لاسباب اقتصادية مائة بالمائة, انا عاطل عن العمل منذ ستة اشهر, زوجتي زينة عاطلة عن العمل منذ سنة ونصف السنة, وولدي لا يستطيع ان يجد عملاً.. ان واحداً من كل اثنين في هذه المدينة عاطل عن العمل, والمصانع مقلقة... فماذا تريدني ان افعل, وهل استطع ان افعل اي شيء اخر عدا الهجرة؟. ... ولكن جذوري هنا وهنا يتدخل المؤرخ ويزرمان محتجاً, ويكاد يصرخ: ولكن اهلي هم من بنى هذه المدينة, ان عظامهم تستقر في مقابرها, كيف استطيع ان احمل امتعتي وارحل, ان جذوري تمتد في هذا المكان. ويؤيده في هذا استاذ المدرسة اوليج شافلر سكي, فيطالب بأن تصرف مزيد من الأموال على احياء التراث اليهودي في المدينة. ويقول (لو ان اسرائيل ارسلت حاخاما بدلاً من الوكالة اليهودية فان هذه المدينة كانت ستشهد انبعاثا روحياً... انها منطقة الحكم الذاتي لليهود, وعلينا ان نساعد هؤلاء الذين قرروا البقاء على اغناء حياتهم الروحية) . وينتهي تحقيق وكالة (ايمج) من بيروبيجان الى القول: ان ستة الاف يهودي غادروا المدينة خلال الاعوام السبعة الماضية الى اسرائيل, وامريكا وكندا والمانيا, اما فيما يتعلق بمن بقي, فان المسألة باتت محسومة بين خيارين: هل المطلوب ان تبقى وان تساهم في اغناء التراث الروحي لليهود في المدينة, ام المطلوب هو ان تغادر, وان تساعد الاخرين على ان يغادروا؟ وهذا الحوار يلامس أسئلة اكثر عمقا: ماذا يعني ان تكون يهودياً, كيف يستطيع الواحد تعريف عبارة (الوطن القومي) , وهل اليهودي مسؤول عن نفسه وعائلته فقط ام ان مجتمعه اليهودي يأتي في المقدمة؟) . تقول احصاءات ان هناك حوالي مليون يهودي روسي يعيشون في اسرائيل حالياً, او في طريقهم للهجرة اليها, ولان هؤلاء اليهود الروس يهاجرون الى اسرائيل (لاسباب اقتصادية مائة بالمائة) ويقيسون ولاءهم للوطن القومي بأرقام حساباتهم في البنوك, ويرون ارض الميعاد حيث تتوافر السيارات الفارهة والطعام الوفير.. فان التطبيع الاقتصادي مع اسرائيل سوف يساعدهم على تحقيق هذا الحلم, اما المقاطعة فربما تعيدهم الى بيروبيجان... ولعلنا مازلنا نملك الخيار...
600 روبل للمهاجر اما ما جعل رسالة هؤلاء المبعوثين أكثر جدّية واقناعاً فهو أنهم كانوا يحملون البومات من الصور يظهر فيها يهود بيروبيجان وهم يعملون فوق الجرارات الزراعية في حقولهم, وتظهر ابتسامات اطفالهم واسعة على وجوههم وهم يلهون في مدارس تحمل اسماء عبرية, وفوق كل هذا فقد أضاف الرفيق ستالين مكرمة جديدة وهي منح كل يهودي, عند وصوله الى بيروبيجان للاستقرار فيها مبلغ 600 روبل, وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الزمان, يعينه على بناء حياته الجديدة في جمهوريته الذاتية. وعلى ما يروي المؤرخ دافيد وزيرمان في كتابه ويحمل عنوان (كيف كانت) , فان ما يزيد على (41) الف عائلة يهودية وصلت الى بيروبيجان بين أعوام 1928 ــ 1938, واستقرت فيها, وهو رقم كبير ايضا بمقاييس ذلك الزمان, حيث كانت مجموعات اليهود في اوروبا تعيش في (جيتوات) منعزلة بعضها عن بعض, وكانت العائلات في تلك المعازل لا يزيد عددها على المئات, باستثناء فلسطين. وطنان قوميان اذن كان اليهود في حقبة الثلاثينات يتوزعون بين دعوتين لوطن قومي وأرض موعودة, واحدة في فلسطين وتتبنى الصهيونية الدعوة اليها, والثانية في بيروبيجان وتتبنى الشيوعية السوفييتية المساهمة في اقامتها وبحماسة كبيرة. ووفقا لرواية المؤرخ اليهودي ويزرمان, وهو حالياً يحتل منصبا بارزاً في بلدية (بيروبيجان) , فان ستالين كان جاداً في دعوته, فهو كان يوفر للراغبين في الهجرة الى جمهوريتهم الانتقال المجاني عبر القطارات, مع طعام مجاني طيلة الرحلة, وكان هذا يعني شيئاً كثيراً, فقد كان الجائعون في الارياف يعدون بالملايين, ويضاف الى هذا المبلغ النقدي وهو 600 روبل... ومن هنا فقد شهدت بيروبيجان وصول عائلات يهودية من الارجنتين ومن الولايات المتحدة وحتى من فلسطين. يا موشيه تعال الى هنا اذن, هل صدّق اليهود ان الارض الموعودة يمكن ان تكون في بيروبيجان؟ ويزرمان يتحفظ في الاجابة, ويقول: صحيح ان يهوداً كثيرين وصلوا.. ولكن اليهود الاوروبيين بالذات كانوا (معدمين) لم يكن لديهم ما يخسرونه, اما يهود اوكرانيا فقد تدافعوا في الثلاثينات الى بيروبيجان لان المجاعة كانت تجتاح بلادهم, وتضيف معلمة لغة (اليديتش) في المدرسة العبرية ماريا شوكتونا: لقد تركنا اوكرانيا لننجو من المجاعة) . وما يريد ويزرمان ان يؤكد عليه في كتابه هو ان اليهود اختاروا الهجرة الى الارض السوفييتية الموعودة لاسباب اقتصادية وليس لأسباب دينية, وهنا يظهر مكر التاريخ, فقد صدر كتاب ويزرمان في العام 1945, وفي العام الماضي وفي حوار نقلته وكالة (ايمج) على الانترنت, يصرخ المؤلف: (ان اسهل شيء في العالم هو ان نترك بيروبيجان وان نغادرها الى الأبد... ان شخصا سوف يتصل بك من اسرائيل ليقول لك (يا موشيه, تعال الى هنا, والق نظرة على هذا المكان, ان لديهم سيارات فارهة هنا, وقدراً هائلاً من الطعام... وهكذا فان الناس يغادرون) . أسباب اقتصادية مائة بالمائة وتقول وكالة (ايمج) ان أغنى المنظمات في بيروبيجان هي مؤسسة (سوكنوت) فرع من الوكالة اليهودية ــ وهي توفر مساعدات سخية لمن يود الهجرة الى اسرائيل, ومن بينها توفير بطاقات السفر بالطائرة لان كثيرين من اليهود الروس لا يملكون القدرة على توفير ثمنها, وفي كل يوم اثنين وخميس من كل اسبوع يحتشد المئات امام أبواب الوكالة, حيث يقوم مديرها ميخائيل ديمنت بالتدقيق في اوراق الراغبين بالهجرة, ويجلس ديمنت خلف مكتب يرفرف فوقه العلم الاسرائيلي, وهو مؤمن الى حد التعصب ان اسرائيل هي وطن اليهود, وان من حق كل يهودي ان يغادر بيروبيجان من دون اي تردد, يقول (نحن الجيش الوحيد في العالم الذي يعرف اصله ومن أين أتى, يمكنك ان تعود في ذلك الى اليوم الذي اسمانا فيه الله (الشعب اليهودي) , ان ما يجمعنا هو الايمان, وهو التوراة, واسرائيل هي وطننا القومي وارضنا الموعودة. وتنقل وكالة (ايمج) عن روما زينة روزنبرج, وهما يستعدان للسفر الى اسرائيل, حواراً يكشف الكثير عن دوافع اليهود الروس للهجرة, يقول روما وهو عامل في مصنع عاطل عن العمل (انني اهاجر لاسباب اقتصادية مائة بالمائة, انا عاطل عن العمل منذ ستة اشهر, زوجتي زينة عاطلة عن العمل منذ سنة ونصف السنة, وولدي لا يستطيع ان يجد عملاً.. ان واحداً من كل اثنين في هذه المدينة عاطل عن العمل, والمصانع مقلقة... فماذا تريدني ان افعل, وهل استطع ان افعل اي شيء اخر عدا الهجرة؟. ... ولكن جذوري هنا وهنا يتدخل المؤرخ ويزرمان محتجاً, ويكاد يصرخ: ولكن اهلي هم من بنى هذه المدينة, ان عظامهم تستقر في مقابرها, كيف استطيع ان احمل امتعتي وارحل, ان جذوري تمتد في هذا المكان. ويؤيده في هذا استاذ المدرسة اوليج شافلر سكي, فيطالب بأن تصرف مزيد من الأموال على احياء التراث اليهودي في المدينة. ويقول (لو ان اسرائيل ارسلت حاخاما بدلاً من الوكالة اليهودية فان هذه المدينة كانت ستشهد انبعاثا روحياً... انها منطقة الحكم الذاتي لليهود, وعلينا ان نساعد هؤلاء الذين قرروا البقاء على اغناء حياتهم الروحية) . وينتهي تحقيق وكالة (ايمج) من بيروبيجان الى القول: ان ستة الاف يهودي غادروا المدينة خلال الاعوام السبعة الماضية الى اسرائيل, وامريكا وكندا والمانيا, اما فيما يتعلق بمن بقي, فان المسألة باتت محسومة بين خيارين: هل المطلوب ان تبقى وان تساهم في اغناء التراث الروحي لليهود في المدينة, ام المطلوب هو ان تغادر, وان تساعد الاخرين على ان يغادروا؟ وهذا الحوار يلامس أسئلة اكثر عمقا: ماذا يعني ان تكون يهودياً, كيف يستطيع الواحد تعريف عبارة (الوطن القومي) , وهل اليهودي مسؤول عن نفسه وعائلته فقط ام ان مجتمعه اليهودي يأتي في المقدمة؟) . تقول احصاءات ان هناك حوالي مليون يهودي روسي يعيشون في اسرائيل حالياً, او في طريقهم للهجرة اليها, ولان هؤلاء اليهود الروس يهاجرون الى اسرائيل (لاسباب اقتصادية مائة بالمائة) ويقيسون ولاءهم للوطن القومي بأرقام حساباتهم في البنوك, ويرون ارض الميعاد حيث تتوافر السيارات الفارهة والطعام الوفير.. فان التطبيع الاقتصادي مع اسرائيل سوف يساعدهم على تحقيق هذا الحلم, اما المقاطعة فربما تعيدهم الى بيروبيجان... ولعلنا مازلنا نملك الخيار...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق