ماذا يعني وصول مرشح يهودي لمنصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة الامريكية وهل تتغير السياسة الامريكية في الشرق الاوسط اذا ما قرر الناخب الامريكي ان يمنح صوته للرئيس الديمقراطي آل جور ونائبه السناتور اليهودي جوزيف ليبرمان؟ هناك اجابتان, وهما متناقضتان, تقول الاولى ان دخول ليبرمان الى البيت الابيض وقياسا على سابقة الجاسوس اليهودي جوثانان بولارد, تعني ان السياسة الامريكية سوف تكون اكثر موالاة لاسرائيل واشد عداء للعرب, وعلى حد تعبير قائد امة الاسلام لويس فرخان فإن ولاء نائب الرئيس ليبرمان ربما يكون لاسرائيل اكثر منه للولايات المتحدة. كيسنجر اليهودي وحبيب العربي الاجابة الثانية تقول ان المصالح وليس الاشخاص هي ما يرسم السياسة الامريكية, وان وزير الخارجية اليهودي هنري كيسنجر لم يكن اكثر سوءا من الوزير جورج شولتز الذي اباح لاسرائيل غزو لبنان, وفرض على اللبنانيين بجهود شخصية, اتفاق 17 مايو للصلح مع اسرائيل كما ان المبعوث الامريكي (العربي) فيليب حبيب لم يكن اقل سوءا من اي مبعوث امريكي اخر لمنطقة الشرق الاوسط فهو استطاع (ادارة) المذابح ضد اللبنانيين والفلسطينيين بكفاءة عالية, ربما لاينافسه فيها اي يهودي.
والاجابتان تحملان الكثير من الصحة, اذا ما اردنا الدخول في التفاصيل. فورد والبروتوكولات العداء لليهود في مطلع القرن الماضي كان ظاهرة عالمية ولم تكن الولايات المتحدة مستثناة من هذه القاعدة ففي عام 1923 قام الصناعي الامريكي هنري فورد, مؤسس مصانع السيارات الشهيرة, باعادة طبع (بروتوكولات حكماء صهيون) وهي منسوبة لليهود وتكشف عن خططهم وأهدافهم في السيطرة على العالم, بدءا من البنوك والمؤسسات المالية, وقيل ان هنري فورد وزرع ثلاثة ملايين نسخة من الكتاب مجانا, وقد برر القادة اليهود في تلك المرحلة اسباب حقد الصناعي الكبير قوة الشعبية الواسعة لهم كونهم يساريين, ومن الناشطين في اوساط العمال وفي العمل النقابي, ولكن هذه (اليسارية) لم تعمر طويلا, اذ انهم وبعد (الانهيار قاماتهم منخفضة, وتجنب الظهور علنا في المواقع الحساسة, وعدم استعراض عضلاتهم جهرا, فهم تعلموا من تجاربهم في اوروبا كما في روسيا ان الكشف عن قوتهم الحقيقية هو اقصر طريق لكراهيتم وتأليب المجتمعات التي يعيشون معها عليهم. الوجود الخفي يقتل ومع ذلك وعلى الرغم من هذا (الوجود الخفي) بأن المواطن الامريكي, وفي فترة الازمات, كان يعتبرهم مصدر الكوارث التي تنزل به, ومن ذلك ان مزارعا امريكيا في العام 1982 حمل بندقيته واتجه الى مدير المصرف في ولاية كارولينا الجنوبية, وفور ان دخل على المدير اطلق عليه النار وأرداه قتيلا, وفي المحكمة اعترف المزارع بأنه قتل المدير عمدا لانه (يهودي) ولان اليهود هم اصحاب البنوك المسئولين عن افلاس ما يزيد على 300 الف مزرعة في ولايته, كان المزارعون يتوارثونها ابا عن جد, الى ان جاء البنك واستغل ضائقتهم المالية في موسم جفاف ووضع يده على مزارعهم, ليبيعها في المزاد العلني, وقد تحدثت وسائل الاعلام حينئذ كثيرا عن هذه الحادثة ولاحظت ما يسمى تنامي موجة العداء للسامية. وفي العام 1994 اصدر القس الامريكي بات روبرتسوت, رئيس التجمع المسيحي والمرشح للرئاسة الامريكية كتابا يحمل عنوان (النظام العالمي الجديد) وكشف فيه ان اليهود هم الجزء المهم في مؤامرة عالمية للسيطرة على امريكا, ولم يستطع اليهود مهاجمة القس روبرتسون وهو يملك محطة تلفزيونية يقدم فيها برنامجه الخاص ويتابعه ما يزيد على 80 مليون امريكي فقرروا استمالته بدل مواجهته, ووجهوا له اكثر من دعوة لزيارة اسرائيل (وفيها سوف يظهر السيد المسيح مجددا) . الجالية الأغنى..والتقية وفي العام 1985 صدرت احصائية رسمية امريكية حول اوضاع (الجاليات) في المجتمع الامريكي اكدت ان اليهود يأتون في المرتبة الاولى من حيث الثراء قياسا بالجاليات الاخرى, وقد حرص اليهود في قلاعهم الاعلامية على (دفن) هذه الاحصائية, ومنع انتشارها وكانوا بذلك اقرب الى ممارسة مبدأ (التقية) , كما تفعل بعض المذاهب الاسلامية. ولكن هذه (التقية) اليهودية لم تمنع احد مراكز الدراسات في واشنطن من احصاء 49 شخصية يهودية تتولى مراكز قيادية في البيت الابيض وفي الادارة الامريكية خلال ولاية بيل كلينتون, ولم يكن صدفة اكثر من بين 11 شخصية رئيسية قامت بأدوار البطولة في فضيحة كلينتون ـ لوينسكي فإن تسعا من هؤلاء كانوا من اليهود, وهو ما دفع احد المعلقين في اسرائيل الى التحذير من موجة عداء للسامية في اوساط المجتمع الامريكي. يربحون المعارك لقد كانت جميع المعارك التي خاضها اليهود في الولايات المتحدة ضد الادارة الامريكية رابحة, فمن اغراق البارجة الامريكية (ليبرتي) بقذائف اسرائيلية مستوردة من امريكا الى فضيحة الجاسوس بولارو, الذي تطوع لتزويد اسرائيل بمعلومات حيوية عن وطنه امريكا, ثم منحته اسرائيل, وبوقاحة لانظير لها الجنسية. مرورا بالدعوى التي اقامتها المنظمات اليهودية ضد وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية بتهمة التمييز ضد اليهود ومعاداة السامية, ومازل القضاء ينظر فيها, وكذلك العداء المبطن الذي تعتمده المؤسسة العسكرية الامريكية ضد اسرائيل باعتبارها منافسا في بيع السلاح المستورد من الولايات المتحدة اساسا, ورغم هذا كله فإن اليهود قد نجحوا في هذه المعارك كما نجحوا في ترشيح احدهم, وللمرة الاولى لمنصب نائب الرئيس وهي خطوة الى الامام كما تبدو في ظاهرها ولكنها في العمق لن تغير الكثير من السياسة الامريكية الموالية لاسرائيل منذ قيامها, غير انها بالتأكيد تخرج باليهودي من قلعته وترفع الستار عن مدى قوته وقدرته ونفوذه, ولم يكن صدفة ان يكون مانشيت صحيفة (واشنطن بوست) بعد ترشيح ليبرمان هو عن الفرح الذي يغمر يهود امريكا, وعندما يبدأ التمييز بين (اليهود) وبين الاخرين من المواطنين يتهاوى حاجز الخوف, وربما يخرج اكثر من مارلون براندو, الممثل الحاصل على جائزة نوبل, ليصرخوا: ان اليهود يسيطرون ليس على هوليوود وحدها.. وعندئذ ربما يستعيد الامريكي تراث هنري فورد الكبير. ويخسر اليهود الحرب بعد ان ربحوا جميع المعارك بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق