حكايات سياسية ، التاريخ: 02 أبريل 1999
(الريح والبلسم والمقلى)أسماء لثلاثة حمامات في منطقة
(الحمة)الواقعة في سفح هضبة الجولان, قرب نهر الشريعة, أحد فروع نهر الاردن
. ما يميز بين حمام وآخر في المنطقة هو درجة حرارة المياه فيه, فالحمامات
الثلاثة تقوم فوق ثلاثة ينابيع من المياه الكبريتية: الريح كان اكثرها
اعتدالا والمقلى كان اسما على مسمى, والبلسم بين الاثنين. زيارة (الحمة)
كانت مناسبة (وطنية) تعلن عنها (اعدادية جول جمال) في دمشق حيث كنت أدرس,
قبل أربعة اسابيع من انطلاقها, وفي خلال تلك الاسابيع كنا نتهيأ, نحن
الطلاب لمواجهة العدو الاسرائيلي, فالطريق الى (الحمة) تمر قريبا من جسر
بنات يعقوب, حيث يمكن مشاهدة الجنود الاسرائيليين بالعين المجردة, كان
(الباص) يتوقف عند أحد المنحدرات, وكان الجسر يبدو في الاسفل, وكنا نشاهد
(العدو) ,. لم نكن نعرف رسم (شارة النصر) بالاصابع في تلك الأيام, ولكننا
كنا نقف في طابور أفقي, ونبدأ بغناء نشيد المدرسة, ومن أبياته: جول حلق في
االذرى والقمم واسكن التاريخ دهرا..
ونم وجول جمال الذي كنا نغني له فوق مرتفعات الجولان هو ضابط سوري كان قائدا لزورق طوربيد, وفي اثناء العدوان الثلاثي على مصر عام ,1956 ركب جول جمال زورقه مع مجموعة من رفاقه وأثقله بالذخائر والمتفجرات والطوربيدات واتجه به, وبأقصى سرعة, ليصطدم بالحافلة الفرنسية (جان بارت) التي كانت في طريقها للمشاركة في العدوان على مصر, انفجر الزورق بالحافلة, ومع أنها لم تغرق, الا أنها عادت الى مينائها من دون أن تشارك في العدوان. جول جمال كان من (المجاهدين) الاوائل, وكان مسيحيا من مدينة اللاذقية على الساحل السوري. ولعل اطلاق اسمه على اعداديتنا, وكان اسمها في السابق (التجهيز الثالثة) هو ما دفع مديرها نسيب سعيد الى ان يجعل زيارة (الحمة) ثلاث مرات في السنة فرضا (على الطلاب) وكنا نفرح بهذا الفرض, ولم تكن هناك أم واحدة تحتج. فالنشيد, بل لعله الشهيد, كان يحمينا جميعا. المواجهة عندما نصل (الحمة) في الحادية عشرة قبل الظهر, بعد رحلة تزيد على خمس ساعات في الباص الموروث عن الحرب العالمية الثانية, كنا نخلع ملابسنا ونبدأ في حمام (الريح) كانت المياه فاترة, وكانت رائحة الكبريت, وهي أقرب الى رائحة البيض المسلوق, تمنحنا طمأنينة منزلية, تؤكدها اصوات الشابات الفرحات من أهل الحمة باستقبال فتيان دمشق, مع ان ثياب الاستحمام التي يلبسها معظمنا لم تكن تنتمي الى العاصمة, وتقتصر على ملابسنا الداخلية فقط (!). لم نكن نحب المقلى, فالمياه فيه تخرج من جوف الأرض وهي تغلي, ولكن أحد الاساتذة, وكان حزبيا متحمسا كان يصر على ان ننزل في المقلى وأن يعد كل واحد منا حتى العشرة قبل أن يخرج من الحوض. وكان الاستاذ يقول: اذا كنتم تخافون المقلى فكيف ستواجهون اسرائيل؟ وكنا ننزل ونواجه اسرائيل في المقلى, بينما الاستاذ يراقبنا وهو يرتدي ملابسه الكاملة, ولعل من أبرز انجازات الرئيس حافظ الاسد في الحركة التصحيحية التي قادها هو أنه منع هؤلاء (الاساتذة) من نقل المقلىء الى حمص بعد سقوط الجولان(!). حرثناه بالقنابل كيف سقط الجولان؟ بعيدا عن القيادة السياسية فان العدو الاسرائيلي يعترف بأنه واجه مقاومة عسكرية شرسة قادها الضباط والجنود الذين هرعوا الى ساحة المعركة, ويقول الجنرال الاسرائيلي موردخادي هود: يوم 10 يونيو, وعلى مدى 12 ساعة قام سلاح الجو الاسرائيلي بغارات متواصلة على الهضبة, لقد اسقطنا من القنابل والصواريخ فوقها اكثر مما اسقطناه فوق جميع القواعد والمطارات العسكرية في مصر. لقد حرثنا الهضبة بالمعنى الحرفي للكلمة. وفي اعترافات حديثة فان حرب الجولان كانت مرشحة لان تشعل الحرب الثورية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في ذلك الوقت, اذ ان الزعيم السوفييتي اليكسي كوسيجين ابلغ القيادة في سوريا ان هناك اربعة اسراب من سلاح الجو السوفييتي كانت جاهزة للانطلاق من قواعدها في اوكرانيا للمشاركة في حرب الجولان, بعد تغيير الوان الطائرات, ووفقا لاعترافات الجنرال رشتنيشكوف, فان طلاء الطائرات واجه مشكلة, فاللون الاصفر المطلوب لم يكن متوفرا, وهو ما ادى إلى تأخير استمر اكثر من يوم كامل, وفي الوقت نفسه فان وزير الدفاع الامريكي روبرت ماكنمارا طلب من قيادة اسطوله في البحر المتوسط ان تتحرك لتصل إلى مسافة 50 ميلا فقط من الساحل السوري, وان تكون هذه القوات حال وصولها إلى موقعها جاهزة للاشتباك مع العدو. المواجهة العسكرية بين القوتين لم تقع ولكنها تحولت إلى مواجهة ديبلوماسية في مجلس الامن, حيث نجح العرب وحلفاؤهم في استصدار قرار يدعو إلى وقف العمليات العسكرية فورا, ولكن رئيس الوزراء الاسرائيلي ليفي اشكول كان مشغولا عن قرار المجلس في (نزهة) يقوم بها في الجولان, تقول زوجته ميريام اشكول: لقد اتصل بي وزير الخارجية ابا ايبان, قال انه يريد التحدث مع ليفي على الفور, ليبلغه قرار مجلس الامن, وعندما اتصلت بزوجي, كان يقوم بجولة في الهضبة, قال انها رائعة جدا, وعندما ابلغته بقرار مجلس الامن, قال: المشهد من هنا مدهش, وبدأ يقرأ اشعارا وقصائد, وعرفت انه يريد ان يكسب بضعة كيلومترات زيادة من الهضبة قبل ان يسري قرار وقف اطلاق النار. وفي عام سقوط الجولان لم يكن احد في اسرائيل يتحدث عن ضم الجولان, ووفقا لوزير الخارجية آبا ايبان في مقابلة تلفزيونية, قال: لا نريد شبرا واحدا من الارض, لا نريد الارض بل السلام. ان مياها كثيرة تدفقت من ينابيع (الحمة) منذ احتلال الجولان قبل 32 عاما, وربما لم يعد في الهضبة من يغني لجول جمال ذلك الضابط السوري الذي استشهد دفاعا عن العروبة في مصر, ولكن هناك بالتأكيد من مازال يغني لقوافل الشهداء في جنوب لبنان, يتساقطون دفاعا عن العروبة في الجنوب كما في الجولان, والمقلى يصير ذاكرة.
ونم وجول جمال الذي كنا نغني له فوق مرتفعات الجولان هو ضابط سوري كان قائدا لزورق طوربيد, وفي اثناء العدوان الثلاثي على مصر عام ,1956 ركب جول جمال زورقه مع مجموعة من رفاقه وأثقله بالذخائر والمتفجرات والطوربيدات واتجه به, وبأقصى سرعة, ليصطدم بالحافلة الفرنسية (جان بارت) التي كانت في طريقها للمشاركة في العدوان على مصر, انفجر الزورق بالحافلة, ومع أنها لم تغرق, الا أنها عادت الى مينائها من دون أن تشارك في العدوان. جول جمال كان من (المجاهدين) الاوائل, وكان مسيحيا من مدينة اللاذقية على الساحل السوري. ولعل اطلاق اسمه على اعداديتنا, وكان اسمها في السابق (التجهيز الثالثة) هو ما دفع مديرها نسيب سعيد الى ان يجعل زيارة (الحمة) ثلاث مرات في السنة فرضا (على الطلاب) وكنا نفرح بهذا الفرض, ولم تكن هناك أم واحدة تحتج. فالنشيد, بل لعله الشهيد, كان يحمينا جميعا. المواجهة عندما نصل (الحمة) في الحادية عشرة قبل الظهر, بعد رحلة تزيد على خمس ساعات في الباص الموروث عن الحرب العالمية الثانية, كنا نخلع ملابسنا ونبدأ في حمام (الريح) كانت المياه فاترة, وكانت رائحة الكبريت, وهي أقرب الى رائحة البيض المسلوق, تمنحنا طمأنينة منزلية, تؤكدها اصوات الشابات الفرحات من أهل الحمة باستقبال فتيان دمشق, مع ان ثياب الاستحمام التي يلبسها معظمنا لم تكن تنتمي الى العاصمة, وتقتصر على ملابسنا الداخلية فقط (!). لم نكن نحب المقلى, فالمياه فيه تخرج من جوف الأرض وهي تغلي, ولكن أحد الاساتذة, وكان حزبيا متحمسا كان يصر على ان ننزل في المقلى وأن يعد كل واحد منا حتى العشرة قبل أن يخرج من الحوض. وكان الاستاذ يقول: اذا كنتم تخافون المقلى فكيف ستواجهون اسرائيل؟ وكنا ننزل ونواجه اسرائيل في المقلى, بينما الاستاذ يراقبنا وهو يرتدي ملابسه الكاملة, ولعل من أبرز انجازات الرئيس حافظ الاسد في الحركة التصحيحية التي قادها هو أنه منع هؤلاء (الاساتذة) من نقل المقلىء الى حمص بعد سقوط الجولان(!). حرثناه بالقنابل كيف سقط الجولان؟ بعيدا عن القيادة السياسية فان العدو الاسرائيلي يعترف بأنه واجه مقاومة عسكرية شرسة قادها الضباط والجنود الذين هرعوا الى ساحة المعركة, ويقول الجنرال الاسرائيلي موردخادي هود: يوم 10 يونيو, وعلى مدى 12 ساعة قام سلاح الجو الاسرائيلي بغارات متواصلة على الهضبة, لقد اسقطنا من القنابل والصواريخ فوقها اكثر مما اسقطناه فوق جميع القواعد والمطارات العسكرية في مصر. لقد حرثنا الهضبة بالمعنى الحرفي للكلمة. وفي اعترافات حديثة فان حرب الجولان كانت مرشحة لان تشعل الحرب الثورية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في ذلك الوقت, اذ ان الزعيم السوفييتي اليكسي كوسيجين ابلغ القيادة في سوريا ان هناك اربعة اسراب من سلاح الجو السوفييتي كانت جاهزة للانطلاق من قواعدها في اوكرانيا للمشاركة في حرب الجولان, بعد تغيير الوان الطائرات, ووفقا لاعترافات الجنرال رشتنيشكوف, فان طلاء الطائرات واجه مشكلة, فاللون الاصفر المطلوب لم يكن متوفرا, وهو ما ادى إلى تأخير استمر اكثر من يوم كامل, وفي الوقت نفسه فان وزير الدفاع الامريكي روبرت ماكنمارا طلب من قيادة اسطوله في البحر المتوسط ان تتحرك لتصل إلى مسافة 50 ميلا فقط من الساحل السوري, وان تكون هذه القوات حال وصولها إلى موقعها جاهزة للاشتباك مع العدو. المواجهة العسكرية بين القوتين لم تقع ولكنها تحولت إلى مواجهة ديبلوماسية في مجلس الامن, حيث نجح العرب وحلفاؤهم في استصدار قرار يدعو إلى وقف العمليات العسكرية فورا, ولكن رئيس الوزراء الاسرائيلي ليفي اشكول كان مشغولا عن قرار المجلس في (نزهة) يقوم بها في الجولان, تقول زوجته ميريام اشكول: لقد اتصل بي وزير الخارجية ابا ايبان, قال انه يريد التحدث مع ليفي على الفور, ليبلغه قرار مجلس الامن, وعندما اتصلت بزوجي, كان يقوم بجولة في الهضبة, قال انها رائعة جدا, وعندما ابلغته بقرار مجلس الامن, قال: المشهد من هنا مدهش, وبدأ يقرأ اشعارا وقصائد, وعرفت انه يريد ان يكسب بضعة كيلومترات زيادة من الهضبة قبل ان يسري قرار وقف اطلاق النار. وفي عام سقوط الجولان لم يكن احد في اسرائيل يتحدث عن ضم الجولان, ووفقا لوزير الخارجية آبا ايبان في مقابلة تلفزيونية, قال: لا نريد شبرا واحدا من الارض, لا نريد الارض بل السلام. ان مياها كثيرة تدفقت من ينابيع (الحمة) منذ احتلال الجولان قبل 32 عاما, وربما لم يعد في الهضبة من يغني لجول جمال ذلك الضابط السوري الذي استشهد دفاعا عن العروبة في مصر, ولكن هناك بالتأكيد من مازال يغني لقوافل الشهداء في جنوب لبنان, يتساقطون دفاعا عن العروبة في الجنوب كما في الجولان, والمقلى يصير ذاكرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق