الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ: 29 يونيو 2001
تصبح السيارة المستعملة عبئاً ثقيلاً على صاحبها اذا اضطر ان
يدخلها المرآب كل شهر لاصلاحها لذلك من الافضل له ان يبيعها، ولكن ماذا
يحدث لو لم يجد مشترياً؟ اذن يتبرع بها مجاناً لاحد اصدقائه فربما يذكره
بالخير، ولكن ماذا لو لم يجد صديقاً يقبلها؟ ربما كان عليه في هذه الحالة
ان يقودها الى صحراء او جبل او غابة وان يرميها هناك فتنتهي متاعبه. ولكن
احذر ان تفعل ذلك في امريكا أو اليابان او المانيا لأنه من هذه النقطة
بالذات تبدأ المتاعب. نبدأ بتجربة شخصية فقد سافر كاتب هذه السطور الى
امريكا قبل خمس سنوات، لدراسة كتابة السيناريو في احدى جامعاتها. عند وصوله
اشترى سيارة مستعملة من ممرضة متقاعدة بمبلغ 2500 دولار وفي نهاية العام
الدراسي قرر مغادرة امريكا فاتجه الى محطة البنزين المجاورة، حيث تعرض
السيارات المستعملة كي يبيع سيارته، العامل في المحطة القى نظرة سريعة
عليها ثم طلب بوليصة التأمين ورخصة التسجيل، القى مرة اخرى نظرة سريعة على
الادوات ثم هز برأسه وقال بعبارة حاسمة: هذه السيارة قديمة وهي لا تصلح
للبيع.
اعتبرت ان العبارة هي بداية لعملية المساومة، فقلت ابيعها بمبلغ 500 دولار، قال العامل: انها لا تساوي اكثر من هذا المبلغ، قلت اتفقنا اذن؟ قال: لا، عليك ان تجدد البوليصة والرخصة اولاً، قلت: احسم بدل التجديد من المبلغ فرد العامل ضاحكاً اذن لن يتبقى لك شيء (!) ادفع كي نقبلها غادرت المحطة بالسيارة وهاتفت صديقا يدرس في الجامعة نفسها عندما حضر عرضت عليه ان يأخذ السيارة مجاناً فأنا مسافر قال الصديق الطالب: اولا: اذا تعطلت فأنا لا املك بدل اصلاحها وثانيا انها من الحجم الكبير وتحتاج بالتالي الى الاشتراك في الموقف المخصص للسيارات في الجامعة. وبدل الاشتراك اكبر من المبلغ الذي ادفعه للوصول الى الجامعة بواسطة الميترو، وثالثا ان تجديد الرخصة والبوليصة.. وهنا قاطعته قائلا: اطمئن لن أورطك بها، بعد ذلك اتصلت بالممرضة المتقاعدة قلت ربما تحن الى سيارتها القديمة. ولكنها رفضت مناقشة مشروع شراء السيارة من الاساس وعرضت بدلا من ذلك ان اتبرع بها لجمعية خيرية للتمريض تعمل فيها متطوعة وافقت على الفور وحصلت منها على عنوان الجمعية وقدت السيارة اليها استقبلتني سيدة مسنة تعمل في ادارة الجمعية، قالت ان الممرضة المتقاعدة اخبرتها عن تبرعي بالسيارة للجمعية وشكرتني بحرارة اعطيتها المفتاح وانا اتنفس الصعداء ولكنها قبل ان اغادر استوقفتني قائلة: اما زالت اوراق التسجيل وبوليصة التأمين صالحة؟ قلت: لحوالي شهر ربما وردت السيدة بذعر: تقصد ان علينا دفع بدل التجديد والبوليصة؟ بالتأكيد هذا مكلف واعادت لي المفتاح. كان موعد سفري يقترب فقررت ان اذهب بالسيارة الى غابة مجاورة كثيفة الاشجار واتركها هناك ولكن صديقي الفلسطيني المقيم في امريكا حذرني قائلا: عندما يعثرون على السيارة، سوف يكتشفون من هو صاحبها، وسوف يحيلونك الى المحكمة، لن يرسلوا «الانتربول» خلفك ولكن اذا قررت العودة الى امريكا فسوف يكونون لك بالمرصاد.. قلت يائسا وماذا افعل بالسيارة اذن؟ ورد جادا: تبرع بها لجمعية التمريض وادفع لهم بدل التجديد وسوف يقبلونها.. وفعلت. ليس الحليب بل العبوة وما يصح على السيارة القديمة في امريكا يصح على كل ما يمكن ان نسميه «عادم» او للرمي فاذا ذهبت الى البنشرجي مثلا لاستبدال عجلة في سيارتك فإن امامك خيارين اما ان تحتفظ بالعجلة القديمة في سيارتك او ان تعطي البنشرجي مبلغ ثلاثة دولارات كي يحتفظ بالعجلة قبل ان تأتي شركة متخصصة بتدوير النفايات لاخذها من عنده لقاء مبلغ معين.. وهذا يحدث ايضا مع الثلاجة القديمة والغسالة القديمة وكذلك الأثاث. ان قوانين البيئة الامريكية لم تعد تضرب المصانع وحدها بل هي لا توفر الافراد، وبشراسة، وعندما تقرر شراء ليتر من الحليب في عبوة بلاستيكية فليس عليك ان تفكر في ثمن الحليب بل في بدل التخلص من العبوة، وهذه تصل الى خمسة دولارات في الاشتراك الشهري. على الطريقة اليابانية واليابان تسير على الطريق ذاتها، فمنذ مطلع ابريل الماضي بدأ تطبيق قانون جديد للبيئة، يمنع اصحاب اجهزة التلفزيون والثلاجات والغسالات القديمة من التخلص منها عبر رميها في الشوارع او الحدائق العامة وضرورة تسليمها الى البائع او الى المصنع لاعادة تدويرها واستخدامها ويفرض على المخالفين غرامات كبيرة وفي الوقت نفسه يلزم القانون المصانع والموزعين بمنح الزبون «ضمانة اعادة تدوير» وتصل كلفتها الى ثمانية آلاف ين «66» دولاراً، وفي حال عثرت السلطات المحلية على ثلاجة وتلفزيون قديم مرمياً في الشارع فإن المصنع ملزم بدفع نفقات نقله واعادة تدويره.. وقد اشعل القانون حرب اسعار بين المصانع المختلفة، فبدأت مختبراتها في البحث عن وسائل لتخفيض نفقات اعادة التدوير وبالتالي تخفيض الاسعار. وتقول صحيفة فاينننشيال تايمز ان ثمن ضمانة اعادة التدوير قد يفوق احياناً ثمن السلعة القديمة نفسها. الكارثة في آسيا والبيئة اليوم لم تعد تقتصر على الناشطين في الدفاع عنها مثل حزب الخضر بل باتت مفصلاً رئيسياً في خطط التنمية، وبالتالي لم يعد مستغربا ان يصدر عن بنك التنمية الاسيوي تقرير نشر في الاسبوع الماضي يحذر من ان آسيا تقف على شفير كارثة بيئية تهدد اقتصادياتها وخطط التنمية في دولها ويقول التقرير ان ازدحام المدن الكبرى وزحف الصحارى وتلوث الهواء والماء يؤدي الى وفاة مئة الف شخص سنويا في باكستان وبنجلاديش وحدهما مع خسارة مليار يوم عمل فيهما وهو ما يؤدي الى تعطيل خطط التنمية. ويربط خبير البيئة في البنك طاهر القادري بين «ادارة البيئة وبين زيادة عدد الفقراء». ويقول ان الاساءة للبيئة تضرب الفقراء اولاً لان تلوث الهواء مثلا هو اكثر ايذاء للرجل الذي يسير في الشارع من الرجل الذي يقود سيارته. ويؤكد انت لا تستطيع الفصل بين تقليص عدد الفقراء وبين حسن ادارة البيئة فهما متلازمان. نمور كمبوديا والنرويج ولم تعد مسائل البيئية شأنا محليا للدول ففي تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الامريكية على صفحتها الاولى من كمبوديا تتحدث الصحيفة عن منظمة «الشاهد الكوني» ومقرها في لندن وهي ارسلت ستة مفتشين الى كمبوديا بالتنسيق مع صندوق النقد والبنك الدولي، للتحقيق في مدى التزام الحكومة الكمبودية بحماية البيئة والحياة البرية بعد ان كادت تتحول الى مسلخ للدببة والنمور والغزلان يصطادونها لبيع جلودها ويصل ثمن جلد الدب الى 20 دولاراً، وهو ما يعني اجر شهر كامل للعامل العادي. فريق التفتيش يضم المانا وبريطانيين وامريكيين وتنفق عليه حكومة النرويج، بينما يربط صندوق النقد والبنك الدولي المساعدات والقروض لكمبوديا بمدى التزامها بحماية الحياة البرية وفق ما يراه فريق التفتيش وآخرون، مما دفع رئيس الوزراء الكمبودي الى الاعلان عن حملة وطنية للقضاء على الصيد غير الشرعي.. والحملة مستمرة. بقلم: شوقي رافع
اعتبرت ان العبارة هي بداية لعملية المساومة، فقلت ابيعها بمبلغ 500 دولار، قال العامل: انها لا تساوي اكثر من هذا المبلغ، قلت اتفقنا اذن؟ قال: لا، عليك ان تجدد البوليصة والرخصة اولاً، قلت: احسم بدل التجديد من المبلغ فرد العامل ضاحكاً اذن لن يتبقى لك شيء (!) ادفع كي نقبلها غادرت المحطة بالسيارة وهاتفت صديقا يدرس في الجامعة نفسها عندما حضر عرضت عليه ان يأخذ السيارة مجاناً فأنا مسافر قال الصديق الطالب: اولا: اذا تعطلت فأنا لا املك بدل اصلاحها وثانيا انها من الحجم الكبير وتحتاج بالتالي الى الاشتراك في الموقف المخصص للسيارات في الجامعة. وبدل الاشتراك اكبر من المبلغ الذي ادفعه للوصول الى الجامعة بواسطة الميترو، وثالثا ان تجديد الرخصة والبوليصة.. وهنا قاطعته قائلا: اطمئن لن أورطك بها، بعد ذلك اتصلت بالممرضة المتقاعدة قلت ربما تحن الى سيارتها القديمة. ولكنها رفضت مناقشة مشروع شراء السيارة من الاساس وعرضت بدلا من ذلك ان اتبرع بها لجمعية خيرية للتمريض تعمل فيها متطوعة وافقت على الفور وحصلت منها على عنوان الجمعية وقدت السيارة اليها استقبلتني سيدة مسنة تعمل في ادارة الجمعية، قالت ان الممرضة المتقاعدة اخبرتها عن تبرعي بالسيارة للجمعية وشكرتني بحرارة اعطيتها المفتاح وانا اتنفس الصعداء ولكنها قبل ان اغادر استوقفتني قائلة: اما زالت اوراق التسجيل وبوليصة التأمين صالحة؟ قلت: لحوالي شهر ربما وردت السيدة بذعر: تقصد ان علينا دفع بدل التجديد والبوليصة؟ بالتأكيد هذا مكلف واعادت لي المفتاح. كان موعد سفري يقترب فقررت ان اذهب بالسيارة الى غابة مجاورة كثيفة الاشجار واتركها هناك ولكن صديقي الفلسطيني المقيم في امريكا حذرني قائلا: عندما يعثرون على السيارة، سوف يكتشفون من هو صاحبها، وسوف يحيلونك الى المحكمة، لن يرسلوا «الانتربول» خلفك ولكن اذا قررت العودة الى امريكا فسوف يكونون لك بالمرصاد.. قلت يائسا وماذا افعل بالسيارة اذن؟ ورد جادا: تبرع بها لجمعية التمريض وادفع لهم بدل التجديد وسوف يقبلونها.. وفعلت. ليس الحليب بل العبوة وما يصح على السيارة القديمة في امريكا يصح على كل ما يمكن ان نسميه «عادم» او للرمي فاذا ذهبت الى البنشرجي مثلا لاستبدال عجلة في سيارتك فإن امامك خيارين اما ان تحتفظ بالعجلة القديمة في سيارتك او ان تعطي البنشرجي مبلغ ثلاثة دولارات كي يحتفظ بالعجلة قبل ان تأتي شركة متخصصة بتدوير النفايات لاخذها من عنده لقاء مبلغ معين.. وهذا يحدث ايضا مع الثلاجة القديمة والغسالة القديمة وكذلك الأثاث. ان قوانين البيئة الامريكية لم تعد تضرب المصانع وحدها بل هي لا توفر الافراد، وبشراسة، وعندما تقرر شراء ليتر من الحليب في عبوة بلاستيكية فليس عليك ان تفكر في ثمن الحليب بل في بدل التخلص من العبوة، وهذه تصل الى خمسة دولارات في الاشتراك الشهري. على الطريقة اليابانية واليابان تسير على الطريق ذاتها، فمنذ مطلع ابريل الماضي بدأ تطبيق قانون جديد للبيئة، يمنع اصحاب اجهزة التلفزيون والثلاجات والغسالات القديمة من التخلص منها عبر رميها في الشوارع او الحدائق العامة وضرورة تسليمها الى البائع او الى المصنع لاعادة تدويرها واستخدامها ويفرض على المخالفين غرامات كبيرة وفي الوقت نفسه يلزم القانون المصانع والموزعين بمنح الزبون «ضمانة اعادة تدوير» وتصل كلفتها الى ثمانية آلاف ين «66» دولاراً، وفي حال عثرت السلطات المحلية على ثلاجة وتلفزيون قديم مرمياً في الشارع فإن المصنع ملزم بدفع نفقات نقله واعادة تدويره.. وقد اشعل القانون حرب اسعار بين المصانع المختلفة، فبدأت مختبراتها في البحث عن وسائل لتخفيض نفقات اعادة التدوير وبالتالي تخفيض الاسعار. وتقول صحيفة فاينننشيال تايمز ان ثمن ضمانة اعادة التدوير قد يفوق احياناً ثمن السلعة القديمة نفسها. الكارثة في آسيا والبيئة اليوم لم تعد تقتصر على الناشطين في الدفاع عنها مثل حزب الخضر بل باتت مفصلاً رئيسياً في خطط التنمية، وبالتالي لم يعد مستغربا ان يصدر عن بنك التنمية الاسيوي تقرير نشر في الاسبوع الماضي يحذر من ان آسيا تقف على شفير كارثة بيئية تهدد اقتصادياتها وخطط التنمية في دولها ويقول التقرير ان ازدحام المدن الكبرى وزحف الصحارى وتلوث الهواء والماء يؤدي الى وفاة مئة الف شخص سنويا في باكستان وبنجلاديش وحدهما مع خسارة مليار يوم عمل فيهما وهو ما يؤدي الى تعطيل خطط التنمية. ويربط خبير البيئة في البنك طاهر القادري بين «ادارة البيئة وبين زيادة عدد الفقراء». ويقول ان الاساءة للبيئة تضرب الفقراء اولاً لان تلوث الهواء مثلا هو اكثر ايذاء للرجل الذي يسير في الشارع من الرجل الذي يقود سيارته. ويؤكد انت لا تستطيع الفصل بين تقليص عدد الفقراء وبين حسن ادارة البيئة فهما متلازمان. نمور كمبوديا والنرويج ولم تعد مسائل البيئية شأنا محليا للدول ففي تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الامريكية على صفحتها الاولى من كمبوديا تتحدث الصحيفة عن منظمة «الشاهد الكوني» ومقرها في لندن وهي ارسلت ستة مفتشين الى كمبوديا بالتنسيق مع صندوق النقد والبنك الدولي، للتحقيق في مدى التزام الحكومة الكمبودية بحماية البيئة والحياة البرية بعد ان كادت تتحول الى مسلخ للدببة والنمور والغزلان يصطادونها لبيع جلودها ويصل ثمن جلد الدب الى 20 دولاراً، وهو ما يعني اجر شهر كامل للعامل العادي. فريق التفتيش يضم المانا وبريطانيين وامريكيين وتنفق عليه حكومة النرويج، بينما يربط صندوق النقد والبنك الدولي المساعدات والقروض لكمبوديا بمدى التزامها بحماية الحياة البرية وفق ما يراه فريق التفتيش وآخرون، مما دفع رئيس الوزراء الكمبودي الى الاعلان عن حملة وطنية للقضاء على الصيد غير الشرعي.. والحملة مستمرة. بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق