الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ: 13 أبريل 2001
«كيف تخسر مليارا» هو العنوان المناسب لحكاية نشرتها صحيفة
«الثورة» السورية يوم 5 الشهر الجاري، نقتبسها بايجاز لتعميم الفائدة.
الحكاية هي عن مصنع ورق تم التعاقد على انشائه في محافظة دير الزور
السورية، في 15/4/1975 اي قبل 26 عاما، ومناسبة الحكاية هي اعلان وزير
الصناعة السوري المهندس احمد الحمد ان شركة عالمية تعهدت ان تتولى تشغيل
المصنع، وان تدفع للحكومة مبلغ «125» مليون ليرة سورية، اي «2.5» مليون
دولار سنويا، وهو ما استدعى ردا من نعمان برهوم الذي لم تحدد الصحيفة صفته
او منصبه، ولكن من خلال الرد يبدو ان برهوم من الذين تابعوا عمل المصنع
والمعجزات التي توالت عليه منذ انشائه. من أين تأتي بالقش؟ جاء في الرد
بايجاز ايضا انه في عام «1980» بدأت تجارب التشغيل في المصنع بعد انتهاء
اعمال الانشاء والتركيب وكانت نتيجة التشغيل الفشل بسبب عدم نجاح مفاعل
الاسترجاع في حرق السائل الاسود الناتج عن انتاج عجينة الورق.
وكان هذا هو الجانب الفني لفشل هذا المشروع الاقتصادي الضخم، اما الجانب الاخر فإن تفاصيله اقرب الى عالم المؤلف البريطاني جورج اوريل الذي تحدث عن دول تطلب من مهندسيها وعمالها بناء اهرامات وعندما ينتهي بناء الاهرامات تطلب منهم هدمها.. وهكذا دواليك، او مثل بطل الاسطورة اليوناني سيزيف الذي كان يصعد بصخرته الى اعلى الجبل وعندما يبلغ القمة تتدحرج الصخرة ليعود سيزيف ليحملها الى قمة الجبل من جديد. وهكذا دواليك. وفي تفاصيل الحكاية ان معمل الورق اقيم على اساس ان يعمل على عجينة القش، وهو يحتاج سنويا الى 100» الف طن من القش، ولكن وعلى مدى ثلاث سنوات لم ينجح المصنع في جمع اكثر من سبعة الاف طن من القش، وقد استخدم هذه الكمية في تجاربه التشغيلية، حيث تبين ايضا ان بخار الماء المخصص لتنقية القش لم يكف لتحضير هذه الكمية مع انه كان يفترض ان يكفي البخار لتحضير «100» الف طن وليس 7 الاف فقط! اذن لاقشّ ولا بخار... ولكن العبقرية في القطاع العام قادرة دائما على استيلاد الحلول. وهكذا بدأت حملة في المحافظات السورية كلها لجمع الورق التالف، ولكن النتيجة لم تكن مشجعة، فقرر المصنع ان يستورد عجينة الورق من الخارج، وهكذا فقد نجح في انتاج من «2000» الى ثلاثة الاف طن، مع انه اقيم كي ينتج «60» ألف طن سنويا، ومن مختلف انواع الورق. الرئيس يتدخل واستمر الحال على هذا المنوال مدة «10» سنوات الى ان امر رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية بتاريخ 7/11/1990 وفق مهمة محددة وهي اتخاذ جميع الاجراءات اللازمة لتشغيل المعمل مع منحها كافة التسهيلات والاعفاءات اللازمة لانجاز اعمالها واستيراد مايلزم مع الاعفاء من كل مايعرقل مهمتها باستثناء «الاحكام الناظمة للمقاطعة» اي مقاطعة اسرائيل. وتم تحديد عمل اللجنة بسنة واحدة. وعندما تتدخل اعلى سلطة في البلاد لانقاذ المشروع الاقتصادي الضخم فلابد من انقاذه اذن، وبكل الوسائل، وهنا استقر رأي اللجنة على استبدال عجينة القش بعجينة شجور الحور، ولان شجر الحور غير متوفر، فقد قررت اللجنة ايضا تخصيص «200» الف دونم في منشأة الأسد وفي حوض الفرات من الاراضي المزروعة بالمحاصيل الاستراتيجية ليتم زرع شجر الحور فيها، وهو ما تحقق فعلا وميدانيا وازدهرت اشجار الحور بانتظار من يبدأ بقطعها لتشغيل مصنع الورق. القطاع الخاص: مهمة انقاذ ولكن هذا لم يحصل اذ ان تحويل المادة الاولية من القش الى الحور يقتضي تعديلات في خط انتاج المصنع، ولكن اللجنة لم تقف مكتوفة الايدي امام هذه المشكلة الجديدة فطرحت التعديلات في مناقصة وحصلت على ثلاثة عطاءات من شركات عالمية من بينها فرنسية وهندية تجاوزت فيهما قيمة المناقصة «100» مليون دولار، ومن شركة صينية بقيمة «73» مليون دولار. وبقيت المناقصات منذ ذلك التاريخ في أدراج مجلس الوزراء. ومنذ 10 سنوات واشجار الحور تنمو في الاراضي المروية، مادفع مدير عام منشأة الأسد الى الشكوى علنا من ان خدمة اشجار الحور تكلف المنشأة نحو 250 مليون ليرة سنويا، ومثل هذا المبلغ يدفع في حوض الفرات، اي ان خدمة اشجار الحور وعلى مدى عقد من الزمن كلفت الحكومة مبلغ خمسة مليارات ليرة والمصنع الاسطوري مازال ينتظر تعديل المكائن وخط الانتاج. ويبقى السؤال: كيف تجرأت الشركة العالمية وتعهدت بتشغيل المصنع، ودفع جزء من الارباح للحكومة، بعد ان قامت بدراسات الجدوى؟ الوزير يقول ان اعادة تأهيل المصنع تتراوح بين 300و 400 مليون دولار، فهل تقوم الشركة بمغامرة مجنونة او بمغامرة غير محسوبة؟ الوزير يقول: انها مشكلة المستثمر فإن كانت هناك خطورة فهو يتحملها وهناك عقد قانوني ملزم. اذن هل تحققت المعجزة وازاحت الحكومة السورية لعنت المصنع عن كاهلها؟ الاجابة في غياب المؤسسات الرقابية، سوف تبقى مجهولة واقرب الى اللغز، واذا قيل ان هذه المؤسسات الرقابية موجودة، ومن ضمنها مجلس الشعب المنتخب، فإن الرد الواضح هو ان هذا المجلس كان موجودا منذ قيام المصنع، فما الذي تغير اليوم؟ اكثر من ذلك لقد نجح المصنع في ان يصير احد هموم القصر الجمهوري، وهو أعلى سلطة في البلاد، ومع ذلك فقد كانت النتيجة كوارث تتوالد من رحم القطاع العام، ولعل تخصيص المصنع اليوم يحل جزءا من المشكلة، اما الحل الكبير والحقيقي ليس للمصنع وحده فحسب، بل لدينا صور القطاع العام ليس في سوريا وحدها بل على اتساع العالم الثالث فهو تعزيز منظمات المجتمع المدني، لانها الاكثر قدرة على المراقبة والمحاسبة، ودعم القطاع الخاص لانه كما تكشف حكاية مصنع الورق، الاكثر قدرة على الانقاذ، وهو مايفسر الهجمة الشرسة على المجتمع والقطاع الخاص من حزب القش ومن جميع حلفاء مصنع الورق... المتضررين. بقلم: شوقي رافع
وكان هذا هو الجانب الفني لفشل هذا المشروع الاقتصادي الضخم، اما الجانب الاخر فإن تفاصيله اقرب الى عالم المؤلف البريطاني جورج اوريل الذي تحدث عن دول تطلب من مهندسيها وعمالها بناء اهرامات وعندما ينتهي بناء الاهرامات تطلب منهم هدمها.. وهكذا دواليك، او مثل بطل الاسطورة اليوناني سيزيف الذي كان يصعد بصخرته الى اعلى الجبل وعندما يبلغ القمة تتدحرج الصخرة ليعود سيزيف ليحملها الى قمة الجبل من جديد. وهكذا دواليك. وفي تفاصيل الحكاية ان معمل الورق اقيم على اساس ان يعمل على عجينة القش، وهو يحتاج سنويا الى 100» الف طن من القش، ولكن وعلى مدى ثلاث سنوات لم ينجح المصنع في جمع اكثر من سبعة الاف طن من القش، وقد استخدم هذه الكمية في تجاربه التشغيلية، حيث تبين ايضا ان بخار الماء المخصص لتنقية القش لم يكف لتحضير هذه الكمية مع انه كان يفترض ان يكفي البخار لتحضير «100» الف طن وليس 7 الاف فقط! اذن لاقشّ ولا بخار... ولكن العبقرية في القطاع العام قادرة دائما على استيلاد الحلول. وهكذا بدأت حملة في المحافظات السورية كلها لجمع الورق التالف، ولكن النتيجة لم تكن مشجعة، فقرر المصنع ان يستورد عجينة الورق من الخارج، وهكذا فقد نجح في انتاج من «2000» الى ثلاثة الاف طن، مع انه اقيم كي ينتج «60» ألف طن سنويا، ومن مختلف انواع الورق. الرئيس يتدخل واستمر الحال على هذا المنوال مدة «10» سنوات الى ان امر رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية بتاريخ 7/11/1990 وفق مهمة محددة وهي اتخاذ جميع الاجراءات اللازمة لتشغيل المعمل مع منحها كافة التسهيلات والاعفاءات اللازمة لانجاز اعمالها واستيراد مايلزم مع الاعفاء من كل مايعرقل مهمتها باستثناء «الاحكام الناظمة للمقاطعة» اي مقاطعة اسرائيل. وتم تحديد عمل اللجنة بسنة واحدة. وعندما تتدخل اعلى سلطة في البلاد لانقاذ المشروع الاقتصادي الضخم فلابد من انقاذه اذن، وبكل الوسائل، وهنا استقر رأي اللجنة على استبدال عجينة القش بعجينة شجور الحور، ولان شجر الحور غير متوفر، فقد قررت اللجنة ايضا تخصيص «200» الف دونم في منشأة الأسد وفي حوض الفرات من الاراضي المزروعة بالمحاصيل الاستراتيجية ليتم زرع شجر الحور فيها، وهو ما تحقق فعلا وميدانيا وازدهرت اشجار الحور بانتظار من يبدأ بقطعها لتشغيل مصنع الورق. القطاع الخاص: مهمة انقاذ ولكن هذا لم يحصل اذ ان تحويل المادة الاولية من القش الى الحور يقتضي تعديلات في خط انتاج المصنع، ولكن اللجنة لم تقف مكتوفة الايدي امام هذه المشكلة الجديدة فطرحت التعديلات في مناقصة وحصلت على ثلاثة عطاءات من شركات عالمية من بينها فرنسية وهندية تجاوزت فيهما قيمة المناقصة «100» مليون دولار، ومن شركة صينية بقيمة «73» مليون دولار. وبقيت المناقصات منذ ذلك التاريخ في أدراج مجلس الوزراء. ومنذ 10 سنوات واشجار الحور تنمو في الاراضي المروية، مادفع مدير عام منشأة الأسد الى الشكوى علنا من ان خدمة اشجار الحور تكلف المنشأة نحو 250 مليون ليرة سنويا، ومثل هذا المبلغ يدفع في حوض الفرات، اي ان خدمة اشجار الحور وعلى مدى عقد من الزمن كلفت الحكومة مبلغ خمسة مليارات ليرة والمصنع الاسطوري مازال ينتظر تعديل المكائن وخط الانتاج. ويبقى السؤال: كيف تجرأت الشركة العالمية وتعهدت بتشغيل المصنع، ودفع جزء من الارباح للحكومة، بعد ان قامت بدراسات الجدوى؟ الوزير يقول ان اعادة تأهيل المصنع تتراوح بين 300و 400 مليون دولار، فهل تقوم الشركة بمغامرة مجنونة او بمغامرة غير محسوبة؟ الوزير يقول: انها مشكلة المستثمر فإن كانت هناك خطورة فهو يتحملها وهناك عقد قانوني ملزم. اذن هل تحققت المعجزة وازاحت الحكومة السورية لعنت المصنع عن كاهلها؟ الاجابة في غياب المؤسسات الرقابية، سوف تبقى مجهولة واقرب الى اللغز، واذا قيل ان هذه المؤسسات الرقابية موجودة، ومن ضمنها مجلس الشعب المنتخب، فإن الرد الواضح هو ان هذا المجلس كان موجودا منذ قيام المصنع، فما الذي تغير اليوم؟ اكثر من ذلك لقد نجح المصنع في ان يصير احد هموم القصر الجمهوري، وهو أعلى سلطة في البلاد، ومع ذلك فقد كانت النتيجة كوارث تتوالد من رحم القطاع العام، ولعل تخصيص المصنع اليوم يحل جزءا من المشكلة، اما الحل الكبير والحقيقي ليس للمصنع وحده فحسب، بل لدينا صور القطاع العام ليس في سوريا وحدها بل على اتساع العالم الثالث فهو تعزيز منظمات المجتمع المدني، لانها الاكثر قدرة على المراقبة والمحاسبة، ودعم القطاع الخاص لانه كما تكشف حكاية مصنع الورق، الاكثر قدرة على الانقاذ، وهو مايفسر الهجمة الشرسة على المجتمع والقطاع الخاص من حزب القش ومن جميع حلفاء مصنع الورق... المتضررين. بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق