الملف السياسي ـ التاريخ: 15 سبتمبر 2000
(الحكام اللصوص) هو عنوان كتاب يستحق ان يكتب لأنه يكشف عن
(طالع الشعوب) ومستقبلها, وليس عن تاريخها فحسب... وكالعادة من خلال
حكامها, وهم من العسكر غالبا, ومن رتبة جنرال وما فوق. الجنرال ساني أباجا,
وقد حكم نيجيريا منذ العام 1994 وحتى العام ,1998 اي اربع سنوات فقط, قبل
ان يموت على فراشه وفي حضن زوجته, يستحق فصلا مهما في هذا الكتاب لأنه ضرب
رقما قياسيا في اللصوصية, اذ انه ووفقا لرئيس الجمهورية الحالي اولسون او
بسانجو وهو مدني منتخب ـ استطاع ان ينهب 4 مليارات دولار, اي بمعدل مليار
دولار كل سنة, من المال وقام بتوزيعها على البنوك في خمس دول ولم يتم حتى
الآن اكتشاف سوى 660 مليونا منها اما الباقي فما زال مصيره مجهولا.
والجنرال أباجا هو حلقة في سلسلة من الحكام تناوبوا على نيجيريا خلال ربع القرن الاخير, وكانوا اكثر اهل الارض سعادة بالحظر النفطي الذي فرضه العرب في مطلع السبعينيات وادى الى طفرة الاسعار, وهو ما جعل الخزينة النيجيرية تفيض بالاموال اذ بلغ مجموع ما حصلت عليه تلك البلاد من دخل النفط وحده حوالي 250 مليار دولار, وفقا لتقرير نشرته صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية قبل ايام, ومع ذلك فإن هذه الخزينة التي استقبلت تلك الاموال كلها ليست فارغة فحسب بل هي مدينة بمبالغ تتراوح ما بين 28 الى 35 مليار دولار, وهي لا تجد طريقة للتسديد, فقد طلب الرئيس النيجيري الحالي من المؤسسات الدولية المقترضة اسقاط بعض الديون عن بلاده لأنها, ورغم ارتفاع اسعار النفط عاجزة عن تسديد تلك القروض. اين ذهبت ثروة النفط اذن ومعها الثروة الزراعية والحيوانية, ونيجيريا اغنى بلدان افريقيا؟ الاجابة تحوي مفارقة تبلغ حد السخرية. لجنة الجنرال عندما قفز الجنرال أباجا الى السلطة اخذ على عاتقه مهمة اقتلاع الفساد من جذوره واعلن امام الجماهير الغفيرة, وقيل الغفورة في انه لن يسمح لموظف واحد ان يبقى خارج السجن اذا سمح لاصابعه بالعبث في المال العام, وأقرن الجنرال القول بالعقل, فكلف لجنة اطلق عليها (لجنة اوكيبو) نسبة الى رئيسها بوضع تقرير عن الفساد في اثناء حكم من سبقه الى السلطة, ووضعت اللجنة بعد عمل استغرق عدة شهور تقريرها الشهير وبينت فيه ان (12) مليار دولار قد سرقت من خزينة الدولة خلال حكم سلفه الرئيس ابراهيم بابنجيدا مع ان ابراهيم لم يحكم نيجيريا الا مدة ست سنوات فقط, 1988 وحتى يونيو 1994 وهو تاريخ قفز الجنرال على السلطة, اي انه كان يسرق في كل عام مليارين فقط. ومن هنا فإن الجنرال أباجا, مقارنة مع سلفه ابراهيم, لا يزيد عن كونه (نصف لص) لأنه كان يسرق مليارا واحدا في العام. ويلخص الرئيس النيجيري الحالي أولسون أوبانجو حكم سلفه الجنرال بأنه كان (بالوعة تمتص كل ارتفاع في اسعار النفط اذ ان نيجيريا حصلت على ما يزيد عن ملياري دولار نتيجة ارتفاع اسعار النفط بعد حرب الخليج الثانية ولكن هذه الزيادة لم تظهر ابدا في السجلات الرسمية) . وبالطبع فإن الرئيس الحالي يتعهد باقتلاع الفساد من جذوره, ولكن وفقا لتقرير الفايننشيال تايمز, فإن هناك شكوكا حول هذا التعهد ليس لان الرئيس فاسد ولكن لان النظام الذي يقوم على رأسه مبني على الفساد, اذ ان هيئات الرقابة غائبة والشفافية مفقودة, وما زال الافراد المتنفذون يشكلون المفاتيح الرئيسية لتسهيل الاعمال, خاصة امام الشركاء والشركات الاجنبية الراغبة بالعمل في نيجيريا. ... ولصوص ماربيا والجنرال النيجيري اباجا لا يحتل الا فصلا واحداً من كتاب (الحكام اللصوص) اذ سبقه في هذا الطريق حكام آخرون في طليعتهم جنرال الكونغو موبوتو سيسي سيكو, ومن الفلبين فرديناند ماركوس, ومن امريكا اللاتينية حاكم تاهيتي جان كلود الملقب (بيبي واك) وربما يلحقه الجنرال الاندونيسي سوهارتو, حيث تقوم لجنة من المحققين باستجوابه حول ثروة يملكها وافراد عائلته تحصى بالمليارات ولعل ضباطا وحكاما حاليين يضمون سيرة حياتهم الى هذا الكتاب بعد وفاتهم غالبا, وعندها ربما تكتشف كيف ان ضابطا مثلا من اسرة عربية ما زال في الحكم, يملك عددا من القصور في باريس الفرنسية واستثمارات بملايين الدولارات, وكيف جمعها كلها من كد يمينه وعرق جبينه) . الديكتاتور لص وهو ليس حديثا عن الماضي بل عن المستقبل, اذ يلاحظ ان جميع هؤلاء الحكام اللصوص تجمع بينهم على اختلاف القارات صفة واحدة وهي الديكتاتورية والاستبداد, مع انهم جميعا وصلوا الى السلطة تحت شعارات شعبية براقة وواعدة. لنأخذ الجنرال سوهارتو مثلا وقصته لم تتم فصولا بعد, فهو انقض على سلفه, بطل استقلال اندونيسيا احمد سوكارنو وقتل ما يزيد على مليوني اندونيسي خلال فترة حكم حوالي ثلاثين عاما تحت شعار انقاذ اندونيسيا من الشيوعية الملحدة وهو ركب موجة الشعور الديني لدى الشعب الاندونيسي المسلم, وارتكب عشرات المذابح ضد (الملحدين) ولم يسمح بقيام اية معارضة في البلاد وكانت الانتخابات النيابية في عهده كرنفالا ومسرحيات يمسك بمصير ابطالها بين اصابعه وافراد اسرته ولكن التاريخ ايضا يمهل ولا يهمل وها هو الجنرال رهن الاقامة الجبرية في منزله بينما ابناؤه وبناته رهن الاعتقال او هاربون او في طريقهم الى الهرب. ومثله الجنرال النيجيري اباجا, هو لم يكتف بقتل المعارضين علنا وفي وضوح النهار, بل طارد زوجاتهم اغتيالا واغتصابا, والغى الحياة البرلمانية رغم شكليتها نهائيا, وألقى حتى بالمعارضين المحتملين في السجون, وكل هذا كان يتم تحت شعار (اقتلاع الفساد من الجذور) , وفي غياب المؤسسات التمثيلية والرقابية يصعب على الجنرال الحاكم وربما اي حاكم آخر ان لا يسرق ولن نتحدث عن موبوتو سيسي سيكو الذي قيل انه كان يستمتع بالقاء معارضيه احياء بين فكوك التماسيح في احد قصوره حفاظا على التراث الافريقي(!) العائلة المقدسة ولعل التاهيتي (بيبي واك) بلغ ذروة هؤلاء عندما اعلن انه من عائلة مقدسة فهو ورث الحكم عن ابيه (بابا دوك) وهذا حكم تاهيتي مدة تزيد على 30 عاما نكل خلالها بالمعارضة وأبلى احسن البلاء في قمع الحريات السياسية. ان الديكتاتورية من خلال هذه النماذج لا تعود قضية سياسية تتعلق بالحريات وحقوق الانسان وحتى الافراد في التعبير, بل هي تعني بالدرجة الاولى نهب ثروات الشعوب, وهي الصفة التي كنا وما زلنا نطلقها على المستعمرين وتجويع هذه الشعوب وسرقة لقمة العيش من افواهها, وليس صدفة ان هؤلاء الطغاة المستبدين كانوا يحكمون دولا غنية ولكنهم لم يغادروها, الا وخزائنها مفلسة او مدينة. ... على امل ان يصدر كتاب (الحكام اللصوص) كي يكشف عن طالع الشعوب. شوقي رافع
والجنرال أباجا هو حلقة في سلسلة من الحكام تناوبوا على نيجيريا خلال ربع القرن الاخير, وكانوا اكثر اهل الارض سعادة بالحظر النفطي الذي فرضه العرب في مطلع السبعينيات وادى الى طفرة الاسعار, وهو ما جعل الخزينة النيجيرية تفيض بالاموال اذ بلغ مجموع ما حصلت عليه تلك البلاد من دخل النفط وحده حوالي 250 مليار دولار, وفقا لتقرير نشرته صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية قبل ايام, ومع ذلك فإن هذه الخزينة التي استقبلت تلك الاموال كلها ليست فارغة فحسب بل هي مدينة بمبالغ تتراوح ما بين 28 الى 35 مليار دولار, وهي لا تجد طريقة للتسديد, فقد طلب الرئيس النيجيري الحالي من المؤسسات الدولية المقترضة اسقاط بعض الديون عن بلاده لأنها, ورغم ارتفاع اسعار النفط عاجزة عن تسديد تلك القروض. اين ذهبت ثروة النفط اذن ومعها الثروة الزراعية والحيوانية, ونيجيريا اغنى بلدان افريقيا؟ الاجابة تحوي مفارقة تبلغ حد السخرية. لجنة الجنرال عندما قفز الجنرال أباجا الى السلطة اخذ على عاتقه مهمة اقتلاع الفساد من جذوره واعلن امام الجماهير الغفيرة, وقيل الغفورة في انه لن يسمح لموظف واحد ان يبقى خارج السجن اذا سمح لاصابعه بالعبث في المال العام, وأقرن الجنرال القول بالعقل, فكلف لجنة اطلق عليها (لجنة اوكيبو) نسبة الى رئيسها بوضع تقرير عن الفساد في اثناء حكم من سبقه الى السلطة, ووضعت اللجنة بعد عمل استغرق عدة شهور تقريرها الشهير وبينت فيه ان (12) مليار دولار قد سرقت من خزينة الدولة خلال حكم سلفه الرئيس ابراهيم بابنجيدا مع ان ابراهيم لم يحكم نيجيريا الا مدة ست سنوات فقط, 1988 وحتى يونيو 1994 وهو تاريخ قفز الجنرال على السلطة, اي انه كان يسرق في كل عام مليارين فقط. ومن هنا فإن الجنرال أباجا, مقارنة مع سلفه ابراهيم, لا يزيد عن كونه (نصف لص) لأنه كان يسرق مليارا واحدا في العام. ويلخص الرئيس النيجيري الحالي أولسون أوبانجو حكم سلفه الجنرال بأنه كان (بالوعة تمتص كل ارتفاع في اسعار النفط اذ ان نيجيريا حصلت على ما يزيد عن ملياري دولار نتيجة ارتفاع اسعار النفط بعد حرب الخليج الثانية ولكن هذه الزيادة لم تظهر ابدا في السجلات الرسمية) . وبالطبع فإن الرئيس الحالي يتعهد باقتلاع الفساد من جذوره, ولكن وفقا لتقرير الفايننشيال تايمز, فإن هناك شكوكا حول هذا التعهد ليس لان الرئيس فاسد ولكن لان النظام الذي يقوم على رأسه مبني على الفساد, اذ ان هيئات الرقابة غائبة والشفافية مفقودة, وما زال الافراد المتنفذون يشكلون المفاتيح الرئيسية لتسهيل الاعمال, خاصة امام الشركاء والشركات الاجنبية الراغبة بالعمل في نيجيريا. ... ولصوص ماربيا والجنرال النيجيري اباجا لا يحتل الا فصلا واحداً من كتاب (الحكام اللصوص) اذ سبقه في هذا الطريق حكام آخرون في طليعتهم جنرال الكونغو موبوتو سيسي سيكو, ومن الفلبين فرديناند ماركوس, ومن امريكا اللاتينية حاكم تاهيتي جان كلود الملقب (بيبي واك) وربما يلحقه الجنرال الاندونيسي سوهارتو, حيث تقوم لجنة من المحققين باستجوابه حول ثروة يملكها وافراد عائلته تحصى بالمليارات ولعل ضباطا وحكاما حاليين يضمون سيرة حياتهم الى هذا الكتاب بعد وفاتهم غالبا, وعندها ربما تكتشف كيف ان ضابطا مثلا من اسرة عربية ما زال في الحكم, يملك عددا من القصور في باريس الفرنسية واستثمارات بملايين الدولارات, وكيف جمعها كلها من كد يمينه وعرق جبينه) . الديكتاتور لص وهو ليس حديثا عن الماضي بل عن المستقبل, اذ يلاحظ ان جميع هؤلاء الحكام اللصوص تجمع بينهم على اختلاف القارات صفة واحدة وهي الديكتاتورية والاستبداد, مع انهم جميعا وصلوا الى السلطة تحت شعارات شعبية براقة وواعدة. لنأخذ الجنرال سوهارتو مثلا وقصته لم تتم فصولا بعد, فهو انقض على سلفه, بطل استقلال اندونيسيا احمد سوكارنو وقتل ما يزيد على مليوني اندونيسي خلال فترة حكم حوالي ثلاثين عاما تحت شعار انقاذ اندونيسيا من الشيوعية الملحدة وهو ركب موجة الشعور الديني لدى الشعب الاندونيسي المسلم, وارتكب عشرات المذابح ضد (الملحدين) ولم يسمح بقيام اية معارضة في البلاد وكانت الانتخابات النيابية في عهده كرنفالا ومسرحيات يمسك بمصير ابطالها بين اصابعه وافراد اسرته ولكن التاريخ ايضا يمهل ولا يهمل وها هو الجنرال رهن الاقامة الجبرية في منزله بينما ابناؤه وبناته رهن الاعتقال او هاربون او في طريقهم الى الهرب. ومثله الجنرال النيجيري اباجا, هو لم يكتف بقتل المعارضين علنا وفي وضوح النهار, بل طارد زوجاتهم اغتيالا واغتصابا, والغى الحياة البرلمانية رغم شكليتها نهائيا, وألقى حتى بالمعارضين المحتملين في السجون, وكل هذا كان يتم تحت شعار (اقتلاع الفساد من الجذور) , وفي غياب المؤسسات التمثيلية والرقابية يصعب على الجنرال الحاكم وربما اي حاكم آخر ان لا يسرق ولن نتحدث عن موبوتو سيسي سيكو الذي قيل انه كان يستمتع بالقاء معارضيه احياء بين فكوك التماسيح في احد قصوره حفاظا على التراث الافريقي(!) العائلة المقدسة ولعل التاهيتي (بيبي واك) بلغ ذروة هؤلاء عندما اعلن انه من عائلة مقدسة فهو ورث الحكم عن ابيه (بابا دوك) وهذا حكم تاهيتي مدة تزيد على 30 عاما نكل خلالها بالمعارضة وأبلى احسن البلاء في قمع الحريات السياسية. ان الديكتاتورية من خلال هذه النماذج لا تعود قضية سياسية تتعلق بالحريات وحقوق الانسان وحتى الافراد في التعبير, بل هي تعني بالدرجة الاولى نهب ثروات الشعوب, وهي الصفة التي كنا وما زلنا نطلقها على المستعمرين وتجويع هذه الشعوب وسرقة لقمة العيش من افواهها, وليس صدفة ان هؤلاء الطغاة المستبدين كانوا يحكمون دولا غنية ولكنهم لم يغادروها, الا وخزائنها مفلسة او مدينة. ... على امل ان يصدر كتاب (الحكام اللصوص) كي يكشف عن طالع الشعوب. شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق