الملف السياسي ـ التاريخ: 17 أغسطس 2001
وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي. آي.ايه» قامت
بتعيين مدير متفرغ للتعامل مع هوليوود، ومثلها فعل مكتب التحقيقات الاتحادي
«اف.بي.اي» والرئيس الارجنتيني الجديد فريناندو دي لاروا وافق على تركيب
كاميرات في القصر الجمهوري لتسجيل فيلما عن حياته اليومية، بينما رئيس
الوزراء الياباني جونشيريو كويزومي بعد ان طبع صورته على الملايين من قمصان
«تي شيرت» وافق على تصنيع لعبة تمثله وهو يرتدي فروة الاسد، وتحمل اسم:
كويزومي قلب الأسد. ما يجمع بين هذه الصور ليس سطوة الاعلام بل موت
السياسة. «الجناح الغربي» هو عنوان فيلم شعبي عن حياة الرئيس الأمريكي في
البيت الأبيض، يقول مخرج الفيلم في مقابلة اذاعية ان فكرة الفيلم في الأساس
كانت تعتمد على معلومات من الارشيف حول البيت الابيض، ولكن عندما اتصل
بكبير الموظفين يسأله المساعدة في هذا الموضوع فوجئ بدعوته الى لقاء في
البيت الابيض، وفي خلال اللقاء عرض المخرج موضوع الفيلم بايجاز، والمؤامرة
التي يقوم عليها الموضوع، وتم تحديد مواعيد للتصوير في مسرح الحدث نفسه،
وسبق هذا السماح لفريق التمثيل بقضاء ساعات في الجناح الغربي كي يعيشوا
أجواءه ويتكيفوا معها، والفيلم يعرض حاليا ويلاقي نجاحاً كبيراً.
وهذه العلاقة بين البيت الابيض وبين هوليوود ليست جديدة فهي بدأت مع الرئيس رونالد ريجان في مطلع الثمانينيات، حيث استطاع الممثل القادم من هوليوود ان يفوز بالرئاسة مرتين ممثلا للحزب الجمهوري، ورافقه في هذه الرحلة السياسية الممثل كلينت ايستوود الذي فاز بمنصب الحاكم عن احدى المدن في الغرب الامريكي. جواسيس ومخابرات وفي السياق نفسه فان المشاهد الامريكي على موعد في هذا الخريف مع خمسة مسلسلات تلفزيونية، ابطالها الرئيسيون يعملون اما في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.اي.ايه) او في مكتب التحقيقات الاتحادي «اف.بي. آي» وفي بعض المشاهد فان الاحداث تدور داخل المبنى الرئيسي للوكالة في منطقة لانجلي في ولاية فيرجينيا، وهناك ضابط ميداني متفرغ ويعمل بدوام كامل للتنسيق مع طلبات المساعدة التي تسعى اليها هوليوود حول عمل الوكالة، ويقول الضابط: «ان مهمتي هي ان يكون العمل دقيقا ووثائقيا ويلغي الصورة القبيحة التقليدية للعاملين فيها وكأنهم مجموعة من القتلة بدم بارد». وردا على سؤال حول ما اذا كان الضابط يقرأ السيناريو قبل الموافقة، يجيب: نعم. وقد رفضنا التعاون في عملين لأن السيناريو كان بشعا. اما مكتب التحقيقات الفيدرالي فقد خصص وحدة كاملة من العاملين لديه بقيادة ضابط كبير لمساعدة الكتاب والمخرجين على تقديم اعمال عن نشاطاته في مجال مكافحة الجريمة، ويقول الضابط: اذا كان باستطاعتي تقديم المساعدة ولو في مشهد واحد فانني اعتبر هذا نوعا من القيام بالواجب. اذن فقد نجحت هوليوود في اقتحام أكثر المؤسسات سرية وغموضا في الولايات المتحدة. قلب الأسد ومن واشنطن الى طوكيو، حيث تحول رئيس الوزراء الجديد كويزومي الى نجم تتخاطف الفتيات قمصان «التي شيرت» التي تحمل صورته، والذي تحولت تسريحة شعره الى موديل يحاول آلاف اليابانيين تقليده واعتماده دليلا على الحداثة والعصرية، رئيس الوزراء وبناء على توصية مستشاريه قرر ان يطبع صورته في قلوب محبيه، كما في قلوب خصومه، باعتباره فارسا مغوارا يحمل لقب «قلب الاسد»، ومن هنا فقد كلف مصنعا للألعاب بصنع دمية تمثله وهو يرتدي جلد الاسد، وهذه الدمية سوف تسبقه الى الولايات المتحدة التي سوف يزورها قريبا، وعبارة «كويزومي قلب الاسد» باتت منذ اليوم شعارا جماهيريا ومن غير المعروف ما اذا كان رئيس الوزراء قد قرأ ما كتبه المؤرخون عن «ريتشارد قلب الاسد» وحروبه مع صلاح الدين الايوبي في بيت المقدس، ولكن من المؤكد ان اليابان لا تسعى الى فتح صفحة جديدة في الحروب الصليبية، الا اذا كانت هذه الصليبية اقتصادية، تقودها جيوش رجال الاعمال ورؤساء مجالس الشركات. الأزمة و.. صورة الرئيس ووصولا الى الارجنتين في امريكا اللاتينية فالرئيس الجديد فريناندو دي لاروا يعاني وفقا لاخر استفتاءات الرأي، من تدني شعبيته في صفوف الجماهير الفقيرة، والاسباب واضحة وهي ان البلاد تمر حاليا بمحنة اقتصادية لم تعرف لها مثيلا، والاعتقاد السائد هو ان وزير المالية وليس الرئيس هو من يحكم البلاد حاليا، ومن هنا لابد للرئيس من ان يبادر الى تصحيح الصورة. كيف؟ لقد تم استنفار التلفزيون الرسمي فقام بنقل الاستديو كاملا الى القصر الجمهوري، وسوف تعمل الكاميرات على تصوير الرئيس في حياته اليومية، اثناء اجتماعاته ولقاءاته مع المسئولين. او في خلال خلوته وحيدا لقراءة التقارير، وعلاقاته الاجتماعية ورياضاته المفضلة، ولن تستثني الكاميرات زوجته وافراد العائلة. ويعتقد مستشارو الرئيس ان الفيلم الذي سوف تعرضه القناة الرسمية يوميا واكثر من مرة وعلى مدى فترة زمنية غير محددة، سوف يساعد على تحسين صورته، ومع ذلك يبقى السؤال: هل يساعد تحسين صورة الرئيس تلفزيونيا على حل الازمة الاقتصادية؟ ديمقراطية المستهلك تحت عنوان «حان الوقت لوقف اعمال القرود»، يروي الكاتب البريطاني ريتشارد تومكينز حادثة وقعت له، فيقول انه كان جالسا في احدى الامسيات مع صديق يتحدثان بينما عيونهما تتابع ومن دون اهتمام الصور على شاشة التلفزيون الذي تم تخفيض صوته بحيث بات غير مسموع، وفجأة تظهر صورة شبان جامعيين في مظاهرة يشتبكون فيها مع قوات الآمن، ويثير المشهد اهتمام الصديقين، فيرفع الكاتب صوت التلفزيون ليعرف اسباب التظاهرة، فيكتشف ان قضية الطلاب الجامعيين هي ان موقف السيارات في الجامعة ضيق، وهم يتظاهرون من اجل توسيعه(!). عندئذ يقارن الكاتب بين تظاهرات الطلاب في فرنسا وثورتهم في العام (1968) وقد نجحت في تغيير كثير من القوانين، وكذلك ثورتهم في امريكا التي ادت الى سحب القوات الامريكية من فيتنام، وبين ثوراتهم اليوم، ويخلص الى نتيجة وهي انه بعد انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة لم تعد هناك قضايا سياسية كبرى، واستسلم الناس الى الدعة والترف في ظل ما يسميه الكاتب «ديمقراطية المستهلك» وهي ديمقراطية يحكمها رجال الأعمال واصحاب المصانع والشركات الكبرى وليس الاحزاب ولا السياسيون، ويمارس فيها المستهلك حقه الانتخابي يوميا في اختيار البضاعة التي يرغب فيها، وبالتالي لم يعد خياره السياسي مهما. ومن هنا «فان السياسة قد ماتت»، وتحول السياسي الى ما يشبه القرد في سيرك رجال الاعمال، وكذلك فعل الاعلام فلم يعد يهتم بالقضايا السياسية قدر اهتمامه بالترفيه، ولم يعد يهتم بالمضمون قدر اهتمامه بالشكل، وهذا ما جعل من الاعلام صناعة نجوم والحديث عنها، وفي غياب اي دور للسياسي لم يعد امامه سوى ان يتحول الى نجم اذا شاء ان يكون موضع الاهتمام والاعلام.. انها ليست سطوة الاعلام بل موت السياسة». بقلم: شوقي رافع
وهذه العلاقة بين البيت الابيض وبين هوليوود ليست جديدة فهي بدأت مع الرئيس رونالد ريجان في مطلع الثمانينيات، حيث استطاع الممثل القادم من هوليوود ان يفوز بالرئاسة مرتين ممثلا للحزب الجمهوري، ورافقه في هذه الرحلة السياسية الممثل كلينت ايستوود الذي فاز بمنصب الحاكم عن احدى المدن في الغرب الامريكي. جواسيس ومخابرات وفي السياق نفسه فان المشاهد الامريكي على موعد في هذا الخريف مع خمسة مسلسلات تلفزيونية، ابطالها الرئيسيون يعملون اما في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.اي.ايه) او في مكتب التحقيقات الاتحادي «اف.بي. آي» وفي بعض المشاهد فان الاحداث تدور داخل المبنى الرئيسي للوكالة في منطقة لانجلي في ولاية فيرجينيا، وهناك ضابط ميداني متفرغ ويعمل بدوام كامل للتنسيق مع طلبات المساعدة التي تسعى اليها هوليوود حول عمل الوكالة، ويقول الضابط: «ان مهمتي هي ان يكون العمل دقيقا ووثائقيا ويلغي الصورة القبيحة التقليدية للعاملين فيها وكأنهم مجموعة من القتلة بدم بارد». وردا على سؤال حول ما اذا كان الضابط يقرأ السيناريو قبل الموافقة، يجيب: نعم. وقد رفضنا التعاون في عملين لأن السيناريو كان بشعا. اما مكتب التحقيقات الفيدرالي فقد خصص وحدة كاملة من العاملين لديه بقيادة ضابط كبير لمساعدة الكتاب والمخرجين على تقديم اعمال عن نشاطاته في مجال مكافحة الجريمة، ويقول الضابط: اذا كان باستطاعتي تقديم المساعدة ولو في مشهد واحد فانني اعتبر هذا نوعا من القيام بالواجب. اذن فقد نجحت هوليوود في اقتحام أكثر المؤسسات سرية وغموضا في الولايات المتحدة. قلب الأسد ومن واشنطن الى طوكيو، حيث تحول رئيس الوزراء الجديد كويزومي الى نجم تتخاطف الفتيات قمصان «التي شيرت» التي تحمل صورته، والذي تحولت تسريحة شعره الى موديل يحاول آلاف اليابانيين تقليده واعتماده دليلا على الحداثة والعصرية، رئيس الوزراء وبناء على توصية مستشاريه قرر ان يطبع صورته في قلوب محبيه، كما في قلوب خصومه، باعتباره فارسا مغوارا يحمل لقب «قلب الاسد»، ومن هنا فقد كلف مصنعا للألعاب بصنع دمية تمثله وهو يرتدي جلد الاسد، وهذه الدمية سوف تسبقه الى الولايات المتحدة التي سوف يزورها قريبا، وعبارة «كويزومي قلب الاسد» باتت منذ اليوم شعارا جماهيريا ومن غير المعروف ما اذا كان رئيس الوزراء قد قرأ ما كتبه المؤرخون عن «ريتشارد قلب الاسد» وحروبه مع صلاح الدين الايوبي في بيت المقدس، ولكن من المؤكد ان اليابان لا تسعى الى فتح صفحة جديدة في الحروب الصليبية، الا اذا كانت هذه الصليبية اقتصادية، تقودها جيوش رجال الاعمال ورؤساء مجالس الشركات. الأزمة و.. صورة الرئيس ووصولا الى الارجنتين في امريكا اللاتينية فالرئيس الجديد فريناندو دي لاروا يعاني وفقا لاخر استفتاءات الرأي، من تدني شعبيته في صفوف الجماهير الفقيرة، والاسباب واضحة وهي ان البلاد تمر حاليا بمحنة اقتصادية لم تعرف لها مثيلا، والاعتقاد السائد هو ان وزير المالية وليس الرئيس هو من يحكم البلاد حاليا، ومن هنا لابد للرئيس من ان يبادر الى تصحيح الصورة. كيف؟ لقد تم استنفار التلفزيون الرسمي فقام بنقل الاستديو كاملا الى القصر الجمهوري، وسوف تعمل الكاميرات على تصوير الرئيس في حياته اليومية، اثناء اجتماعاته ولقاءاته مع المسئولين. او في خلال خلوته وحيدا لقراءة التقارير، وعلاقاته الاجتماعية ورياضاته المفضلة، ولن تستثني الكاميرات زوجته وافراد العائلة. ويعتقد مستشارو الرئيس ان الفيلم الذي سوف تعرضه القناة الرسمية يوميا واكثر من مرة وعلى مدى فترة زمنية غير محددة، سوف يساعد على تحسين صورته، ومع ذلك يبقى السؤال: هل يساعد تحسين صورة الرئيس تلفزيونيا على حل الازمة الاقتصادية؟ ديمقراطية المستهلك تحت عنوان «حان الوقت لوقف اعمال القرود»، يروي الكاتب البريطاني ريتشارد تومكينز حادثة وقعت له، فيقول انه كان جالسا في احدى الامسيات مع صديق يتحدثان بينما عيونهما تتابع ومن دون اهتمام الصور على شاشة التلفزيون الذي تم تخفيض صوته بحيث بات غير مسموع، وفجأة تظهر صورة شبان جامعيين في مظاهرة يشتبكون فيها مع قوات الآمن، ويثير المشهد اهتمام الصديقين، فيرفع الكاتب صوت التلفزيون ليعرف اسباب التظاهرة، فيكتشف ان قضية الطلاب الجامعيين هي ان موقف السيارات في الجامعة ضيق، وهم يتظاهرون من اجل توسيعه(!). عندئذ يقارن الكاتب بين تظاهرات الطلاب في فرنسا وثورتهم في العام (1968) وقد نجحت في تغيير كثير من القوانين، وكذلك ثورتهم في امريكا التي ادت الى سحب القوات الامريكية من فيتنام، وبين ثوراتهم اليوم، ويخلص الى نتيجة وهي انه بعد انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة لم تعد هناك قضايا سياسية كبرى، واستسلم الناس الى الدعة والترف في ظل ما يسميه الكاتب «ديمقراطية المستهلك» وهي ديمقراطية يحكمها رجال الأعمال واصحاب المصانع والشركات الكبرى وليس الاحزاب ولا السياسيون، ويمارس فيها المستهلك حقه الانتخابي يوميا في اختيار البضاعة التي يرغب فيها، وبالتالي لم يعد خياره السياسي مهما. ومن هنا «فان السياسة قد ماتت»، وتحول السياسي الى ما يشبه القرد في سيرك رجال الاعمال، وكذلك فعل الاعلام فلم يعد يهتم بالقضايا السياسية قدر اهتمامه بالترفيه، ولم يعد يهتم بالمضمون قدر اهتمامه بالشكل، وهذا ما جعل من الاعلام صناعة نجوم والحديث عنها، وفي غياب اي دور للسياسي لم يعد امامه سوى ان يتحول الى نجم اذا شاء ان يكون موضع الاهتمام والاعلام.. انها ليست سطوة الاعلام بل موت السياسة». بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق