الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ: 21 يونيو 2002
يروي سياسي وعسكري سوري بارز الرواية التالية: بعد شهور من
اعلان انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة وقعت في دمشق ازمة خبز،
إذ اختفى الدقيق من الاسواق وبدأت الناس تتزاحم امام الافران يومياً وتتحدث
عن الخروج في مظاهرات احتجاجاً على سوء الاوضاع التموينية، وكان الوحدويون
من انصار جمال عبدالناصر يدفعون في هذا الاتجاه ويقومون بحملة تحريض واسعة
لاشعال الشارع، ما دفع السيد مأمون الكزبري وهو احد الادمغة المخططة
لعملية الانفصال الى عقد اجتماع مع القيادات العسكرية في تلك الفترة بحثا
عن حل للازمة، واقترح احد الضباط ان يقوم الجيش بالاستيلاء على المطاحن
والمخابز وادارتها، بينما هون ضابط آخر من حدة الازمة وقال ان الجوع سوف
يلهي الناس عن التفكير بجمال عبدالناصر،
ولكن الكزبري وهو اقتصادي بارز واحد مؤسسي «الشركة الخماسية» التي كانت تتمتع بنفوذ واسع قبل اعلان الوحدة مع مصر، فاجأ المجتمعين بالقول: ولماذا لا نشعل الجبهة عند جسر بنات يعقوب؟ وعلى ما يروي السياسي والعسكري السوري، فإن المجتمعين ذهلوا من السؤال ورد احدهم: تقصد ان نعلن الحرب على اسرائيل؟ ورد مأمون الكزبري على الفور «اية حرب؟ انا لست غبياً واعرف ان معظم اسلحتنا في الداخل وليس على الحدود، انا لا اتحدث عن حرب بل عن مناوشات ويتولى الاعلام البقية، فلا تعود الناس تنشغل بكروشها بل بأمنها وسلامتها، وتصبح همومها اكبر من رغيف الخبز، صحيح انهم سوف يستمرون في التزاحم امام الافران ولكن احاديثهم وافكارهم سوف تنصب على الحدود» وفي اليوم التالي تحركت جبهة جسر بنات يعقوب وهو موقع يقع في اسفل هضبة الجولان وخرجت الصحف والاذاعة لتعلن: «الجبهة مع العدو تشتعل». وما يجري في الولايات المتحدة اليوم هو نسخة مكررة ومنقحة لتلك العملية البدائية التي كانت تجري في سوريا مطلع الستينيات من القرن الماضي، كيف؟ نتابع معاً التفاصيل التالية: القنبلة القذرة .. مفاجأة؟ في يوم 15 من الشهر الجاري فاجأ وزير العدل الاميركي جون اشكروفت العالم كله عندما اعلن ومن موسكو، انه تم اعتقال المواطن الاميركي خوسيه باديلا، واسمه الحركي بعد اسلامه، عبدالله المهاجر، بتهمة التخطيط لتفجير «قنبلة قذرة» في الولايات المتحدة الاميركية، وصحت بذلك «توقعات» الادارة الاميركية بأن القاعدة تخطط لتفجير مفاعلات نووية أو القيام بعمليات اكثر خطورة مما وقع في 11 سبتمبر باستخدام قنابل مشعة. وكي نكون اكثر دقة نعود الى العبارات التي استخدمها نائب الرئيس ديك تشيني في برنامج «مقابلة مع الصحافة» التلفزيوني حيث قال: ان هجوماً آخر تقوم به القاعدة داخل الولايات المتحدة هو «امر شبه مؤكد» ويتبعه مدير مكتب التحقيقات الفدرالية روبرت موللر، فيقول امام مجموعة من المدعين العامين ان العمليات الانتحارية التي يقوم بها الفلسطينيون في اسرائيل يمكن ان تقع هنا في الولايات المتحدة. في اليوم التالي لاعلان اشكروفت جاء دور الرئيس جورج دبليو بوش شخصياً فقال: «ان باديلا هذا شخص قذر، وهو موجود حيث يجب ان يكون: رهن الاعتقال»، واكد بوش للشعب الاميركي ان هناك مطاردة واسعة النطاق بهذا الشأن، اي تفجير القنابل القذرة في اميركا. المفاجأة الحقيقية في اعلان اشكروفت وتأكيد الرئيس بوش هو ان باديلا القذر اعتقل يوم 8 مايو الماضي، اي قبل خمسة اسابيع من الاعلان عن اعتقاله. التوقيت وارهاب الادارة هل للتوقيت هنا اية اهمية؟ نقرأ في «نيويورك تايمز» للكاتب بوب هربرت مقتطفات من تعليق كتب يوم 14 الشهر الجاري، يقول: اننا بالتأكيد، وفي نهاية المطاف، سوف نشهد قيام لجنة تحقيق غير حزبية تتفحص الظروف والملابسات التي ادت الى وقوع كارثة 11 سبتمبر، ان ادارة بوش ترفض هذا، كما ان الجمهوريين في الكونغرس يقاتلون لمنع تشكيلها، ولكن بالتأكيد فإن هذه اللجنة سوف تقوم. ويضيف هربرت: ان التصريحات المتوالية التي تطلقها ادارة بوش حول الارهاب والعمليات المحتملة في اميركا تبدو احياناً محسوبة بدقة بحيث لا يكون هدفها تنوير الرأي العام وتطمينه بل على العكس بث الرعب في قلبه وتهديد المعارضة. وينقل الكاتب عن السناتور السابق غاري هارت قوله: ان التاريخ سوف يطالبنا بقيام لجنة تحقيق مستقلة من هذا النوع، وهي سوف تحدد ..وبالوثائق كل ما حدث بأكثر ما يمكن من الوضوح. ومع ذلك فإن ادارة الرئيس بوش ترفض قيام هذه اللجنة ويحارب الجمهوريون في الكونغرس لمنع قيامها لماذا؟ من المخبز الى البورصة الخوف من كشف التقصير هو بالتأكيد احد الاسباب، ولكن ربما كان من المفيد ان نعيد قراءة ما كتبه الاقتصادي البارز ليستر ثرو، وكان احد مستشاري الرئيس جونسون للشئون الاقتصادية، من ان احداث سبتمبر لو وقعت قبل عامين لم تكن لتترك على الاقتصاد الاميركي المزدهر أثراً يتجاوز الواحد بالمئة، ولكن الاقتصاد الاميركي كان يتدهور، وجاء انفجار فقاعة الاقتصاد الجديد ليزيد في سرعة هذا التدهور. وكان الجميع يعرف ذلك ولم يكن احد قادراً على منعه، ويستنتج ثرو بالتالي انه ليس هناك علاقة بين تدهور الاقتصاد الاميركي الذي يعاني من عجز يزيد على 400 مليار دولار سنوياً وبين احداث سبتمبر. ولعل ابرز مثال على صحة ما يقوله الاقتصادي البارز هو شركة «انرون» التي كانت قد بدأت باجراءات اعلان افلاسها قبل عام من احداث 11 سبتمبر. هنا نعود الى نظرية المؤامرة فقد كانت هناك عشرات المؤشرات على ان هناك هجمات ارهابية تستهدف الولايات المتحدة، وان هناك اهدافا محددة لهذه الهجمات وان مدبري هذه الهجمات معروفون. وقد تم اعتقال بعضهم قبل وقوع الهجمات «موسوي وآخرون». ومع ذلك فإن احداً لم يتحرك لمنعها لماذا وكيف؟ هناك تقصير بالتأكيد ولكن المؤكد ان الاقتصاد الاميركي يتحول الى اقتصاد حرب اليوم وان الناس لم تعد تهتم بكروشها بل بأمنها وسلامتها وان المواطن الاميركي كما تقول استطلاعات الرأي لم يعد يغفو ليس بسبب قلقه على تدهور اسعار الاسهم، وخسارة مدخرات العمر مع شركات عملاقة تعلن افلاسها، بل قلقاً من قنبلة قذرة، أو هجوم انتحاري يقع في حيه أو بلدته أو مدينته، والادارة الاميركية لا تبخل عليه بتغذية هذا القلق وحقنه بأنواع من السيناريوهات المرعبة بما يفوق الخيال. وهنا لا يعود مهما: ان يكون اسامة بن لادن هو صاحب براءة الاختراع الاصلي للمؤامرة.. فالجبهة عند جسر بنات يعقوب تشتعل.. والى الجحيم بأزمة البورصة (!) بقلم: شوقي رافع
ولكن الكزبري وهو اقتصادي بارز واحد مؤسسي «الشركة الخماسية» التي كانت تتمتع بنفوذ واسع قبل اعلان الوحدة مع مصر، فاجأ المجتمعين بالقول: ولماذا لا نشعل الجبهة عند جسر بنات يعقوب؟ وعلى ما يروي السياسي والعسكري السوري، فإن المجتمعين ذهلوا من السؤال ورد احدهم: تقصد ان نعلن الحرب على اسرائيل؟ ورد مأمون الكزبري على الفور «اية حرب؟ انا لست غبياً واعرف ان معظم اسلحتنا في الداخل وليس على الحدود، انا لا اتحدث عن حرب بل عن مناوشات ويتولى الاعلام البقية، فلا تعود الناس تنشغل بكروشها بل بأمنها وسلامتها، وتصبح همومها اكبر من رغيف الخبز، صحيح انهم سوف يستمرون في التزاحم امام الافران ولكن احاديثهم وافكارهم سوف تنصب على الحدود» وفي اليوم التالي تحركت جبهة جسر بنات يعقوب وهو موقع يقع في اسفل هضبة الجولان وخرجت الصحف والاذاعة لتعلن: «الجبهة مع العدو تشتعل». وما يجري في الولايات المتحدة اليوم هو نسخة مكررة ومنقحة لتلك العملية البدائية التي كانت تجري في سوريا مطلع الستينيات من القرن الماضي، كيف؟ نتابع معاً التفاصيل التالية: القنبلة القذرة .. مفاجأة؟ في يوم 15 من الشهر الجاري فاجأ وزير العدل الاميركي جون اشكروفت العالم كله عندما اعلن ومن موسكو، انه تم اعتقال المواطن الاميركي خوسيه باديلا، واسمه الحركي بعد اسلامه، عبدالله المهاجر، بتهمة التخطيط لتفجير «قنبلة قذرة» في الولايات المتحدة الاميركية، وصحت بذلك «توقعات» الادارة الاميركية بأن القاعدة تخطط لتفجير مفاعلات نووية أو القيام بعمليات اكثر خطورة مما وقع في 11 سبتمبر باستخدام قنابل مشعة. وكي نكون اكثر دقة نعود الى العبارات التي استخدمها نائب الرئيس ديك تشيني في برنامج «مقابلة مع الصحافة» التلفزيوني حيث قال: ان هجوماً آخر تقوم به القاعدة داخل الولايات المتحدة هو «امر شبه مؤكد» ويتبعه مدير مكتب التحقيقات الفدرالية روبرت موللر، فيقول امام مجموعة من المدعين العامين ان العمليات الانتحارية التي يقوم بها الفلسطينيون في اسرائيل يمكن ان تقع هنا في الولايات المتحدة. في اليوم التالي لاعلان اشكروفت جاء دور الرئيس جورج دبليو بوش شخصياً فقال: «ان باديلا هذا شخص قذر، وهو موجود حيث يجب ان يكون: رهن الاعتقال»، واكد بوش للشعب الاميركي ان هناك مطاردة واسعة النطاق بهذا الشأن، اي تفجير القنابل القذرة في اميركا. المفاجأة الحقيقية في اعلان اشكروفت وتأكيد الرئيس بوش هو ان باديلا القذر اعتقل يوم 8 مايو الماضي، اي قبل خمسة اسابيع من الاعلان عن اعتقاله. التوقيت وارهاب الادارة هل للتوقيت هنا اية اهمية؟ نقرأ في «نيويورك تايمز» للكاتب بوب هربرت مقتطفات من تعليق كتب يوم 14 الشهر الجاري، يقول: اننا بالتأكيد، وفي نهاية المطاف، سوف نشهد قيام لجنة تحقيق غير حزبية تتفحص الظروف والملابسات التي ادت الى وقوع كارثة 11 سبتمبر، ان ادارة بوش ترفض هذا، كما ان الجمهوريين في الكونغرس يقاتلون لمنع تشكيلها، ولكن بالتأكيد فإن هذه اللجنة سوف تقوم. ويضيف هربرت: ان التصريحات المتوالية التي تطلقها ادارة بوش حول الارهاب والعمليات المحتملة في اميركا تبدو احياناً محسوبة بدقة بحيث لا يكون هدفها تنوير الرأي العام وتطمينه بل على العكس بث الرعب في قلبه وتهديد المعارضة. وينقل الكاتب عن السناتور السابق غاري هارت قوله: ان التاريخ سوف يطالبنا بقيام لجنة تحقيق مستقلة من هذا النوع، وهي سوف تحدد ..وبالوثائق كل ما حدث بأكثر ما يمكن من الوضوح. ومع ذلك فإن ادارة الرئيس بوش ترفض قيام هذه اللجنة ويحارب الجمهوريون في الكونغرس لمنع قيامها لماذا؟ من المخبز الى البورصة الخوف من كشف التقصير هو بالتأكيد احد الاسباب، ولكن ربما كان من المفيد ان نعيد قراءة ما كتبه الاقتصادي البارز ليستر ثرو، وكان احد مستشاري الرئيس جونسون للشئون الاقتصادية، من ان احداث سبتمبر لو وقعت قبل عامين لم تكن لتترك على الاقتصاد الاميركي المزدهر أثراً يتجاوز الواحد بالمئة، ولكن الاقتصاد الاميركي كان يتدهور، وجاء انفجار فقاعة الاقتصاد الجديد ليزيد في سرعة هذا التدهور. وكان الجميع يعرف ذلك ولم يكن احد قادراً على منعه، ويستنتج ثرو بالتالي انه ليس هناك علاقة بين تدهور الاقتصاد الاميركي الذي يعاني من عجز يزيد على 400 مليار دولار سنوياً وبين احداث سبتمبر. ولعل ابرز مثال على صحة ما يقوله الاقتصادي البارز هو شركة «انرون» التي كانت قد بدأت باجراءات اعلان افلاسها قبل عام من احداث 11 سبتمبر. هنا نعود الى نظرية المؤامرة فقد كانت هناك عشرات المؤشرات على ان هناك هجمات ارهابية تستهدف الولايات المتحدة، وان هناك اهدافا محددة لهذه الهجمات وان مدبري هذه الهجمات معروفون. وقد تم اعتقال بعضهم قبل وقوع الهجمات «موسوي وآخرون». ومع ذلك فإن احداً لم يتحرك لمنعها لماذا وكيف؟ هناك تقصير بالتأكيد ولكن المؤكد ان الاقتصاد الاميركي يتحول الى اقتصاد حرب اليوم وان الناس لم تعد تهتم بكروشها بل بأمنها وسلامتها وان المواطن الاميركي كما تقول استطلاعات الرأي لم يعد يغفو ليس بسبب قلقه على تدهور اسعار الاسهم، وخسارة مدخرات العمر مع شركات عملاقة تعلن افلاسها، بل قلقاً من قنبلة قذرة، أو هجوم انتحاري يقع في حيه أو بلدته أو مدينته، والادارة الاميركية لا تبخل عليه بتغذية هذا القلق وحقنه بأنواع من السيناريوهات المرعبة بما يفوق الخيال. وهنا لا يعود مهما: ان يكون اسامة بن لادن هو صاحب براءة الاختراع الاصلي للمؤامرة.. فالجبهة عند جسر بنات يعقوب تشتعل.. والى الجحيم بأزمة البورصة (!) بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق