من الملف السياسي:قضايا صغيرة، التاريخ: 24 سبتمبر 1999
المواجهة مع اسرائيل في ديزني لاند حول القدس يحسمها المجتمع
المدني.. فهو الملك الاسد, وهنا نماذج عن الانتصارات التي يستطيع هذا
المجتمع تحقيقها, متى اطلق من قفصه.نبدأ بالمواجهة بين اوروبا وامريكا, وهي
مواجهة بين قارتين, سلاحها الاقتصاد, والرابح فيها يفوز بالنقاط وليس
بالضربة القاضية , واخر مواقعها كسبتها امريكا وحكمت على اوروبا ان تدفع
مليارا و100 مليون دولار للمستهلك الامريكي, ووافقت اوروبا بصمت, ومن دون
الضجة المعهودة. بدأت الموقعة بشكوى تقدمت بها مصلحة حماية المستهلك في
نيويورك قالت فيها ان اسعار بعض الفيتامينات الاوروبية واليابانية ترتفع
بشكل منظم ومتواصل لا علاقة له بالعرض والطلب وقوى السوق لان الفيتامينات
الاخرى تشهد انحدارا جادا مع كل اختراع جديد بينما الفيتامينات الاوروبية
واليابانية, تحافظ على منحى في الارتفاع السنوي لايتغير.. وهو امر يبعث على
الشك, خاصة وان الامريكي مدمن على الفيتامينات, يتناولها كما البوب كورن
وبالتالي فانها تستهلك سنويا قدرا محترما من دخله.
الفيتامين سي الادارة الامريكية تحركت بناء على هذه الشكوى الشعبية, التي تطلقها احدى منظمات المجتمع المدني, وبدأت اجهزتها حالة استنفار فالخصم هنا هو اوروبا واليابان, وتحركت الالة الاحصائية فحددت الشركات الرئيسية المصنعة للفيتامينات وفي مناعة الفيتامين سي, وهو الاكثر انتشارا لانه يمنح صاحبه صناعة لمقاومة نزلات البرد, وما اكثرها في الولايات المتحدة, حتى ان الامريكي لايتوانى عن تقديم هذا الفيتامين ليس لاطفاله فحسب بل لقططه وكلابه ايضا, ويليه الفيتامين (بي كومبلكس) ثم الفيتامين الجامع, او (ابو الفيتامينات) كما يسمونه والحبة منه تضم عددا كبيرا من الفيتامينات, وبالتالي فانها الاغلى ثمنا. مكتب الاحصاء يرصد مكتب الاحصاءات الامريكي رصد ست شركات هي: هوفمان لاروش السويسرية, باسف BASF الالمانية رون بولان الفرنسية وايساي وديساي وتاكيدا وهذه الشركات الاخيرة كلها يابانية. وبعد تحديد الخصم بدأ مكتب الاحصاء استكشاف ساحة المواجهة فعاد الى الاحصاءات منذ العام 1947, اي منذ نصف قرن, يتابع اسعار الفيتامينات صعودا وهبوطا ويقارن بين ما تصنعه الشركات المذكورة وباقي الشركات, ثم اخيرا وقع على بغيته, واكتشف (كعب اخيل) الذي يصيب من هذه الشركات مقتلا, اذ انه بين اعوام 1990 و1999, بدا ان هذه الشركات باتت قادرة على (التحكم) تماما بسعر منتجاتها, بقطع النظر عن الكميات المستهلكة, وتوالي الفصول, صيفا وشتاء, وكميات العرض والطلب, وانهى مكتب الاحصاء مهمته بهذا الاكتشاف ووضعه بين ايدي مصلحة (مكافحة الاحتكار) لتتابع المهمة, وقد تابعها بكفاءة وحماسة فتنقل عملاؤها بين طوكيو وباريس وامضوا شهورا, في سويسرا والمانيا, يجمعون الوثائق والمعلومات, وبطرق مختلفة ليست شريفة دائما بالضرورة, خاصة وان وكالة الاستخبارات الامريكية (سي.اي.ايه) باتت متخصصة في التجسس الاقتصادي, وبعد شهور من البحث والتنقيب تكاملت الصورة وتحول الهمس الى صراخ: هناك مؤامرة. ومكافحة الاحتكار تهجم مصلحة مكافحة الاحتكار وضعت تقريرها وهو يضم الاف الوثائق بين ايدي القضاء الامريكي ونجحت في طرح قضية متماسكة تكشف ان الشركات الست, رغم تباعد المسافات بينها, واتساع رقعة اسواقها, تفاهمت فيما بينها, وبطرق ليست بعيدة عما تألفه الاسواق , على ضرورة (تضبيط) الاسعار, صعودا وهبوطا ومنع المنافسة بين منتجاتها, وهذا هو بيت القصيد, بحيث لايملك المستهلك اية خيارات, باستثناء ان يشتري بالسعر المحدد مسبقا وتلك كما تقول العرب, ثالثة الاثافي, اذ ان القضاء الامريكي الذي تحرك لكسر احتكار بيل جيتس, وهو ابن امريكا البار لا يمكن ان يسمح للمحتكرين, خاصة اذا كانوا اوروبيين ويابانيين, ان يتآمروا على المستهلك الامريكي المقبل على الفيتامينات, وتوالت المحاكمة فصولا, وعلى طريقة (التقى الفارسان وكأنهما جبلان) , وخرت الشركات الست العملاقة راكعة, وقضت المحكمة ان تعيد هذه الشركات الى المستهلك الامريكي مبلغ مليار و55 مليون دولار, تعويضا له عن اضرار هذه المؤامرة الفيتامينية, تضاف الى مبلغ 725 مليون دولار كانت دفعتها اثنتان من هذه الشركات غرامة في مايو الماضي. واقتربت الحصيلة بذلك من ملياري دولار امريكي, يوزع معظمها على جمعيات حماية المستهلك في الولايات المتحدة لتتابع مهمتها في حماية المجتمع المدني من مؤامرات الشركات. المقاطعة... اسألوا جاكسون ولكن ماذا عن المقاطعة, أو التهديد بها على الأقل؟ هناك حملة تهويل على العرب من المقاطعة باعتبار انها غير عملية من ناحية, كما انها سوف تستفز الحكومات الغربية, الأمريكية خاصة, وهي حاولت ان تلغي هذه العبارة نهائيا من القاموس العربي, ثم من ناحية أخرى هناك تقديرات تقول ان حصة العالم العربي من منتجات (ديزني) لا تزيد على 100 مليون دولار سنويا, بينما تتعامل ديزني بأصول تزيد على 25 مليار دولار. هذا التهويل يكتسب مصداقيته في ظل (الهرولة) العربية باتجاه التطبيع مع اسرائيل, وبشروطها, ولكن يصبح أقرب إلى (كلام حق يراد به باطل) , عندما يتجاهل قدرات المجتمع المدني وطاقاته ويعتبر ان المهمة ملقاة على عاتق الحكومات, ومن الولايات المتحدة نفسها, ففي مطلع الثمانينات قام القس الأمريكي من أصل أفريقي جيسي جاكسون بالاعلان عن تشكيل حركة (قوس القزح) وتضم عشرات من المنظمات السوداء الأمريكية, مهمة الحركة كانت مساعدة الحكومة على تطبيق قانون (المساواة والفرص المتكافئة وعدم التمييز بين البيض والسود الأمريكيين) حركة (قوس القزح) بقيادة القس المسالم وراعي الحقوق المدنية أحصت الشركات الكبرى في أمريكا, حددت أعضاء مجالس اداراتها واكتشفت ان أكبر شركة لانتاج شراب الكولا تمارس التمييز العنصري ضد السود, إذ ليس في مجلس اداراتها من أصل 16 عضوا سوى شخص أسود واحد, وهذا يتناقض مع التركيبة السكانية ونسبة السود إلى البيض في المجتمع, الحركة كتبت إلى مجلس ادارة الشركة المذكورة ومنحتها فترة ستة أشهر لتصحيح الوضع, وعندما لم تستجب الشركة, عقد القس جاكسون مؤتمرا صحافيا أعلن فيه ان السود الأمريكيين سوف يقاطعون ـ نعم يقاطعون ـ منتجات الشركة منذ الغد, ولكن لم تشرق شمس اليوم التالي حتى كانت الشركة قد أعلنت عن ضم عضوين اسودين إلى مجلس ادارتها, ولم يضطر الأفارقة الأمريكيين لمقاطعتها الجمعيات إذا أطلقت ولعل المواجهة مع اسرائيل في ديزني لاند حول القدس تكشف للحكومات العربية ان جمعيات النفع العام, من جمعية حماية المستهلك إلى جمعية الدفاع عن حقوق الانسان, وان الاحزاب والنقابات وجماهير العمل التطوعي التي تبني المجتمع المدني وتدافع عنه هي خط دفاعها الأول في المواجهات المقبلة, ومع هذه الجمعيات ربما تكتشف الحكومات الطاقات التي يملكها (سيمبا) في الفيلم الشهير, عندما عرف بعد حين انه الملك الأسد(!)
الفيتامين سي الادارة الامريكية تحركت بناء على هذه الشكوى الشعبية, التي تطلقها احدى منظمات المجتمع المدني, وبدأت اجهزتها حالة استنفار فالخصم هنا هو اوروبا واليابان, وتحركت الالة الاحصائية فحددت الشركات الرئيسية المصنعة للفيتامينات وفي مناعة الفيتامين سي, وهو الاكثر انتشارا لانه يمنح صاحبه صناعة لمقاومة نزلات البرد, وما اكثرها في الولايات المتحدة, حتى ان الامريكي لايتوانى عن تقديم هذا الفيتامين ليس لاطفاله فحسب بل لقططه وكلابه ايضا, ويليه الفيتامين (بي كومبلكس) ثم الفيتامين الجامع, او (ابو الفيتامينات) كما يسمونه والحبة منه تضم عددا كبيرا من الفيتامينات, وبالتالي فانها الاغلى ثمنا. مكتب الاحصاء يرصد مكتب الاحصاءات الامريكي رصد ست شركات هي: هوفمان لاروش السويسرية, باسف BASF الالمانية رون بولان الفرنسية وايساي وديساي وتاكيدا وهذه الشركات الاخيرة كلها يابانية. وبعد تحديد الخصم بدأ مكتب الاحصاء استكشاف ساحة المواجهة فعاد الى الاحصاءات منذ العام 1947, اي منذ نصف قرن, يتابع اسعار الفيتامينات صعودا وهبوطا ويقارن بين ما تصنعه الشركات المذكورة وباقي الشركات, ثم اخيرا وقع على بغيته, واكتشف (كعب اخيل) الذي يصيب من هذه الشركات مقتلا, اذ انه بين اعوام 1990 و1999, بدا ان هذه الشركات باتت قادرة على (التحكم) تماما بسعر منتجاتها, بقطع النظر عن الكميات المستهلكة, وتوالي الفصول, صيفا وشتاء, وكميات العرض والطلب, وانهى مكتب الاحصاء مهمته بهذا الاكتشاف ووضعه بين ايدي مصلحة (مكافحة الاحتكار) لتتابع المهمة, وقد تابعها بكفاءة وحماسة فتنقل عملاؤها بين طوكيو وباريس وامضوا شهورا, في سويسرا والمانيا, يجمعون الوثائق والمعلومات, وبطرق مختلفة ليست شريفة دائما بالضرورة, خاصة وان وكالة الاستخبارات الامريكية (سي.اي.ايه) باتت متخصصة في التجسس الاقتصادي, وبعد شهور من البحث والتنقيب تكاملت الصورة وتحول الهمس الى صراخ: هناك مؤامرة. ومكافحة الاحتكار تهجم مصلحة مكافحة الاحتكار وضعت تقريرها وهو يضم الاف الوثائق بين ايدي القضاء الامريكي ونجحت في طرح قضية متماسكة تكشف ان الشركات الست, رغم تباعد المسافات بينها, واتساع رقعة اسواقها, تفاهمت فيما بينها, وبطرق ليست بعيدة عما تألفه الاسواق , على ضرورة (تضبيط) الاسعار, صعودا وهبوطا ومنع المنافسة بين منتجاتها, وهذا هو بيت القصيد, بحيث لايملك المستهلك اية خيارات, باستثناء ان يشتري بالسعر المحدد مسبقا وتلك كما تقول العرب, ثالثة الاثافي, اذ ان القضاء الامريكي الذي تحرك لكسر احتكار بيل جيتس, وهو ابن امريكا البار لا يمكن ان يسمح للمحتكرين, خاصة اذا كانوا اوروبيين ويابانيين, ان يتآمروا على المستهلك الامريكي المقبل على الفيتامينات, وتوالت المحاكمة فصولا, وعلى طريقة (التقى الفارسان وكأنهما جبلان) , وخرت الشركات الست العملاقة راكعة, وقضت المحكمة ان تعيد هذه الشركات الى المستهلك الامريكي مبلغ مليار و55 مليون دولار, تعويضا له عن اضرار هذه المؤامرة الفيتامينية, تضاف الى مبلغ 725 مليون دولار كانت دفعتها اثنتان من هذه الشركات غرامة في مايو الماضي. واقتربت الحصيلة بذلك من ملياري دولار امريكي, يوزع معظمها على جمعيات حماية المستهلك في الولايات المتحدة لتتابع مهمتها في حماية المجتمع المدني من مؤامرات الشركات. المقاطعة... اسألوا جاكسون ولكن ماذا عن المقاطعة, أو التهديد بها على الأقل؟ هناك حملة تهويل على العرب من المقاطعة باعتبار انها غير عملية من ناحية, كما انها سوف تستفز الحكومات الغربية, الأمريكية خاصة, وهي حاولت ان تلغي هذه العبارة نهائيا من القاموس العربي, ثم من ناحية أخرى هناك تقديرات تقول ان حصة العالم العربي من منتجات (ديزني) لا تزيد على 100 مليون دولار سنويا, بينما تتعامل ديزني بأصول تزيد على 25 مليار دولار. هذا التهويل يكتسب مصداقيته في ظل (الهرولة) العربية باتجاه التطبيع مع اسرائيل, وبشروطها, ولكن يصبح أقرب إلى (كلام حق يراد به باطل) , عندما يتجاهل قدرات المجتمع المدني وطاقاته ويعتبر ان المهمة ملقاة على عاتق الحكومات, ومن الولايات المتحدة نفسها, ففي مطلع الثمانينات قام القس الأمريكي من أصل أفريقي جيسي جاكسون بالاعلان عن تشكيل حركة (قوس القزح) وتضم عشرات من المنظمات السوداء الأمريكية, مهمة الحركة كانت مساعدة الحكومة على تطبيق قانون (المساواة والفرص المتكافئة وعدم التمييز بين البيض والسود الأمريكيين) حركة (قوس القزح) بقيادة القس المسالم وراعي الحقوق المدنية أحصت الشركات الكبرى في أمريكا, حددت أعضاء مجالس اداراتها واكتشفت ان أكبر شركة لانتاج شراب الكولا تمارس التمييز العنصري ضد السود, إذ ليس في مجلس اداراتها من أصل 16 عضوا سوى شخص أسود واحد, وهذا يتناقض مع التركيبة السكانية ونسبة السود إلى البيض في المجتمع, الحركة كتبت إلى مجلس ادارة الشركة المذكورة ومنحتها فترة ستة أشهر لتصحيح الوضع, وعندما لم تستجب الشركة, عقد القس جاكسون مؤتمرا صحافيا أعلن فيه ان السود الأمريكيين سوف يقاطعون ـ نعم يقاطعون ـ منتجات الشركة منذ الغد, ولكن لم تشرق شمس اليوم التالي حتى كانت الشركة قد أعلنت عن ضم عضوين اسودين إلى مجلس ادارتها, ولم يضطر الأفارقة الأمريكيين لمقاطعتها الجمعيات إذا أطلقت ولعل المواجهة مع اسرائيل في ديزني لاند حول القدس تكشف للحكومات العربية ان جمعيات النفع العام, من جمعية حماية المستهلك إلى جمعية الدفاع عن حقوق الانسان, وان الاحزاب والنقابات وجماهير العمل التطوعي التي تبني المجتمع المدني وتدافع عنه هي خط دفاعها الأول في المواجهات المقبلة, ومع هذه الجمعيات ربما تكتشف الحكومات الطاقات التي يملكها (سيمبا) في الفيلم الشهير, عندما عرف بعد حين انه الملك الأسد(!)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق