من الملف السياسي: التاريخ: 03 سبتمبر 1999
الحياة على الطريقة الامريكية لم تعد حلم المدنيين الباحثين عن السلام والدعة والثروة.بل حلم العسكر. وينهض المواطن الامريكي صباح كل يوم ليكتشف انه في حالة حرب لا تقتصر اسلحتها على الطائرة والدبابة والصاروخ, بل تدخلها جيوش من الذباب والنمل والطيطار (ابو بريص) والضب والجعل والخنفسة والسرطان البحري (القبقوب), وكلها تحمل رتبا عسكرية (!). انه عالم من المحاربين, وسباق التسلح هو المفردة الاولى في قاموس نظامه العالمي الجديد. وجبة عسكرية دسمة يوم 28 يوليو الماضي ايقظت وكالة الاعلام العسكري الامريكي المواطنين, على نشرة اخبار (دسمة) تناقلتها معظم وسائل الاعلام المدنية المحلية والعالمية, وتضمنت النشرة خبرا عن حملة تنظمها القوات المسلحة الامريكية في صفوفها للتبرع بمخ العظام لان الحاجة الى هذا المخ باتت ضرورة ملحة (لمواجهة الحرب الكيماوية) , وتضمنت النشرة خبرا ثانيا عن تشكيل فرق للحرس الوطني مهمتها المساعدة في (مواجهة الحرب البيولوجية) ايضا, ويشارك فيها المدنيون من ذوي التخصصات العالية في الطب والهندسة وسواها, وتكون جاهزة متى وقعت تلك الحرب,
ثم خبرا ثالثاً عن رسالة قادة هيئة الاركان جميعاً الى الكونجرس, ويحتجون فيها على تخفيض المخصصات لاطلاق الطائرة الحربية الحديثة من نوع (اف. 22 رابتور) , ثم نقلت الوكالة خبرا رابعاً عن ابحاث عسكرية عالمية تقوم بها جامعات ومراكز بحث عالمية, بتكليف من البنتاجون, وتهدف الى استخدام الزواحف والحشرات ومخلوقات اخرى في مملكة الحيوان... لتعزيز القدرات العسكرية الامريكية (!). ويضيق المجال هنا عن تفصيل كل خبر, ونكتفي بالعنوانين الاخيرين: رسالة قادة هيئة الاركان الى الكونجرس, وتطويع الحشرات والحيوانات في الجيش الامريكي. حروب المستقبل تقول رسالة قادة هيئة الاركان المشتركة, وهي تضم جميع الاسلحة الامريكية, براً وبحراً وجواً, وموجهة الى رئيس الاغلبية في مجلس الشيوخ الامريكي (ترنت لوت) ان القرار الذي اتخذه الكونجرس بتخفيض التمويل لبناء طائرة (اف. 22) يعرض برنامجنا للتحديث العسكري الى مخاطر كبيرة. تضيف الرسالة: (ان دروس الخمسين عاما المنصرمة تعلّمنا ان التفوق الجوي هو الشرط الرئيسي المسبق لاية عملية عسكرية ناجحة, ان هذا التفوق يسمح لقواتنا بالانتشار وانشاء بنية تحتية لوجستية, ويمنح قادتنا الميدانيين القدرة على المناورة, كما يوفر لهذه القوات ان تتفوق على خصمها من خلال عمليات هجومية في ارض معادية, وببساطة شديدة فانه, ومنذ دخول سلاح الطيران ساحة المعارك, لم تنجح اية حملة عسكرية كبيرة من دون ضمان التفوق الجوي عسكرياً. وتكشف الرسالة ان البنتاجون كان قد تعاقد على شراء 339 طائرة من هذا النوع, وتبلغ كلفة الطائرة الواحدة 187 مليون دولار, على ان يتم تسليم هذه الطائرات في العام 2005, ولكن تخفيض الكونجرس للمخصصات بمبلغ مليار و800 مليون دولار, سوف يؤخر التسليم الى العام 2007, كما سيزيد من كلفة الطائرات مبلغاً قد يصل الى ستة مليارات ونصف المليار دولار. وتنتهي الرسالة قائلة: (اننا وباعتبارنا قادة هيئة الاركان المشتركة, والمسؤولين عن تأمين افضل الاجواء الملائمة لاستخدام قواتنا. نؤكد وبصوت واحد: ان امريكا تحتاج (طائرات (اف 22) لنضمن ان قواتنا المسلحة قادرة على تحقيق التفوق الجوي خلال اية ازمة مقبلة) . ومن الواضح, ومن واقع الرسالة نفسها ان قادة هيئة الاركان لا يهتمون كثيرا بانهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة, ويتعاملون مع الخمسين سنة المقبلة باعتبارها امتداداً للخمسين سنة الماضية, والحروب لن تتوقف. النحلة كاشفة ألغام ونصل الى تطويع الحشرات والزواحف والحيوانات في خدمة وزارة الدفاع الامريكية, وقد صدرت عن وكالة الاعلام العسكري نشرتان حول هذا الموضوع, الاولى تتحدث عن تطويع النحل لاستخدامه في مجال اكتشاف حقول الالغام, والثانية توسع دائرة المتطوعين, لتشمل: الذباب, الخنافس, السرطانات البحرية وحتى (الطيطار) لاستخدامها في التجسس على الاعداء واختراق صفوفهم. وبداية بالنحل, فقد خصصت وكالة الابحاث العلمية المتطورة التابعة لوزارة الدفاع مبلغ ثلاثة ملايين دولار لتطويعه , فالنحلة حشرة قادرة على التعلم ويمكن تدريبها, كما ان حياتها الاجتماعية توفر بيئة صالحة لاجراء الابحاث عليها واستخلاص نتائج دقيقة لا مجال فيها للتخمينات. تعتمد الابحاث العسكرية على وضع مزيج من مادة السكر والبارود (تي. ان. تي) في اسفنجة, واطلاق النحل باتجاهها, حيث يسعى الى امتصاص السكر, ولكن النحلة, مع تداعي التجربة, تصبح قادرة على الربط بين رائحة البارود والمتفجرات وبين مادة السكر, وبالتالي ما ان تشم المادة المتفجرة حتى تتجه نحوها بحثا عن السكر, فاذا تم تعويد النحلة على القيام بهذه المهمة, ثم اطلقت في حقل من الألغام فإنها سوف تتجه تلقائيا الى الرائحة التي تنتشر حول اللغم, وتحط فوقها بحثا عن السكر, ومن أجل تحديد موقع كل لغم بدقة فقد تم اختراع جهاز لاقط صغير, يبلغ حجمه نصف حبة ارز, يلصق بجسد النحلة, ويعمل على موجات الراديو, وبالتالي, عندما تتوقف النحلة فوق اللغم, يتم التقاط الاشارة في مركز المراقبة وتحديد الموقع, والعمل يجري على 50 نحلة حاليا, يتم تدريبها ومحاولة معرفة المسافة التي يمكن ان تقطعها قبل ان تعود الى الخلية, ويمكن ان تتوسع هذه الابحاث لاستخدام النحل في معرفة الاماكن الموبوءة بالاشعة او بالكيماويات لان جسد النحلة يملك قدرة كبيرة على امتصاص ما حوله, فاذا عادت الى الخلية امكن تحليل ما تحمله.. اذا عادت حية بالطبع. ... والذبابة طائرة تجسس وينتقل (نظام السيطرة البيولوجية) وهو الاسم العسكري للبرنامج, الى الذباب, وهدفه هو محاولة الوصول الى معرفة اسرار قدرة انواع من الذباب على الانطلاق لحظة الطيران الى الخلف وليس الى الامام, وكيف تستطيع الذبابة ان تطير جانبيا, واخيرا كيف تستطيع ان تهبط مقلوبة (!). فاذا امكن معرفة هذه الاسرار, تبدأ المرحلة الثانية من البرنامج باضافة عناصر تكنولوجية الى الذبابة تساعدها في تطوير قدراتها, كما تم اضافة الجهاز اللاقط الى النحل, وأخيراً يصل الباحثون الى المرحلة الثالثة وهي محاولة تركيب (روبوت) آلي في حجم الذبابة قادر على الطيران, بالطريقة نفسها, وتحويل الذبابة الى.. طائرة تجسس (!). طيطار يتجسس.. اما الخنافس او الجعل فهي تملك قدرة نادرة على ان تكتشف الحرائق من مسافة تصل الى 70 ميلا, والسبب انها تسعى الى النار لانها تضع بيوضها في رمادها بعد ان تنطفىء, وبالتالي يمكن استخدامها ليس في الاكتشاف المبكر للحرائق فحسب, بل لمعرفة ما اذا كان احدهم قد اشعل نارا على مسافة سبعين ميلا, وهو ما يقوم به المتسللون عادة (!). وصولا الى الطيطار, والاهتمام العسكري بهذا النوع من الزواحف, يقتصر على قدرة الطيطار على الجري السريع فوق الجدران, وفي سقوف المنازل, من دون ان يسقط, وتجري الابحاث حاليا على أقدامه, حيث تبين انها جافة وليست لزجة.. واذا تمكن الباحثون من اكتشاف سر الطيطار فان البنتاجون جاهز لتركيب طيطار آلي قادر على التسلل الى غرف نوم العدو (!). ... ومازال في جعبة البنتاجون المزيد من المتطوعين في حروب الحاضر والمستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق